نعاءِ إلى كلِّ حيٍّ نعاءِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
نعاءِ إلى كلِّ حيٍّ نعاءِ | فَتَى العَرَبِ احتَلَّ رَبْعَ الفَنَاءِ |
أُصِبْنَا جَمِيعاً بسَهْمِ النضَالِ | فهَلاَّ أُصِبْنَا بِسَهْمِ الغِلاَءِ!! |
ألا أيُّها المَوْتُ فَجَّعْتَنا | بِمَاءِ الحَيَاة ِ ومَاءِ الحَيَاءِ |
فماذا حضرتَ بهِ حاضراً | وماذا خبأتَ لاهلِ الخباءِ ! |
نعاءِ نعاءِ شقيقَ الندى | إليهِ نَعِيّاً قَلِيلَ الجَدَاءِ |
وكانا جميعاً شريكيْ عنانٍ | رضيعيْ لبانٍ خليليْ صفاءِ |
على خالدِ بن يزيدَ بن مزْ | يَدِ امْرِ دُمُوعاً نَجيعاً بِمَاءِ |
ولا تَريَنَّ البُكَا سُبَّة ً | ألصقْ جوى ً بلهيبٍ رواءِ |
فقدْ كثرَ الرزءُ قدرَ الدموعِ | وَقَدْ عَظّم الخَطْبُ شَأْنَ البُكَاءِ |
فباطنه ملجأ للأسى | وظاهرهُ ميسمٌ للوفاءِ |
مَضَى المَلِكُ الوَائِليُّ الذي | حَلَبْنا به العَيْشَ وُسْعَ الإنَاءِ |
فأودى الندى ناضرَ العودِ والـ | ـفتوة ُ مغموسة ً في الفتاءِ |
فأضحتْ عليهِ العلى خشعاً | وبَيْتُ السَّمَاحَة ِ مُلْقَى الكِفَاءِ |
وقدْ كانَ مما يضيءُ السريرَ | والبَهْوَ يَمْلأَه بِالبَهَاءِ |
المُلْكَ عَنْ خالدٍ والمُلُوكَ | بقمعِ العدى وبنفيِ العداءِ |
أَلَمْ يَكُ أَقْتَلَهُمْ لِلأسُودِ | صبراً وأوهبهمْ للظباءِ ؟! |
ألمْ يجلبِ الخيلَ من بابلٍ | شوازبَ مثلَ قداحِ السراءِ |
فمدَّ على الثغرِ إعصارها | برأي حسامٍ ونفسٍ فضاءِ |
فلما تراءتْ عفاريتُهُ | سنا كوكبٍ جاهليِّ السناءِ |
وقَدْ سَدَّ مَنْدُوحَة َ القاصِعَاءِ | مِنهُمْ وأمسَكَ بالنافِقَاءِ |
طَوَى أمرَهُمْ عَنْوَة ً في يَدَيْهِ | طَيَّ السجِلّ وَطَيَّ الردَاءِ |
أقروا ـ لعمري ـ بحكمِ السيوفِ | وكانتْ أحقَّ بفضلِ القضاءِ |
وما بالولاَية ِ إقرَارُهُمْ | ولكنْ أَقرُّوا لَهُ بالوَلاَءِ |
أُصِبْنَا بِكَنْزِ الغِنَى والإمَامُ | أمسى مصاباً بكنزِ الغناءِ |
وما إن أصيبَ براعي الرعية ِ | لاَ بَلْ أُصيبَ بِرَاعي الرعَاءِ |
يَقُولُ النطَاسِيُّ إِذْ غُيبَتْ | عن الداءِ حيلتُه والدواءِ |
ونُبُوُّ المَقيلِ بهِ والمَبيتِ | أقعصهُ واختلافُ الهواءِ |
وقَدْ كانَ لَوْ رُدَّ غَرْبُ الحِمَامِ | شَدِيدَ تَوَقٍّ طَوِيلَ احتِمَاءِ |
مُعَرَّسُهُ في ظِلال السُّيُوفِ | وَمَشْرَبُه مِنْ نَجِيعِ الدمَاءِ |
ذُرَى المِنْبَرِ الصَّعْبِ منْ فُرْشِهِ | ونارُ الوغا نارُه للصلاءِ |
ومَا مِن لَبُوسٍ سِوَى السَّابِغَاتِ | تَرقْرَقُ مِثْلَ مُتُونِ الإضَاءِ |
فهلْ كانَ مذْ كانَ حتى مضى | حَمِيداً لَهُ غيرُ هذا الغِذَاءِ |
أذهلَ بنَ شيبانَ ذُهلَ الفخارِ | وذُهْلَ النَّوَالِ وذُهْلَ العَلاءِ |
مضى خالدُ بن يزيدَ بن مزْ | يَدَ قَمَرُ اللَّيلِ شَمْسُ الضَّحاءِ |
وخلَّى مساعيهُ بينكمْ | فإِيَّايَ فيها وَسَعْيَ البِطَاءِ |
ردوا الموتَ مراً ورودَ الرجالِ | وبَكُّوا عليهِ بُكاءَ النساءِ |
غَليلي علي خالدٍ خالدٌ | وضيفُ همومي طويلُ الثواءِ |
فلَمْ يُخْزِني الصَّبْرُ عنه ولا | تَقَنَّعتُ عاراً بِلُؤمِ العَزَاءِ |
تَذَّكرْتُ خَضْرَة َ ذَاكَ الزَّمَانِ | لديهِ وعمران ذاكَ الفناءِ |
وزوارُه للعطايا حضورٌ | كأَنَّ حضُورَهُمُ للعطَاءِ |
وإذْ علمُ مجلسِهِ موردٌ | زلالٌ لتلكَ العقولِ الظماءِ |
تحولُ السكينة ُ دونَ الأذى | بهِ والمُرُوَّة ُ دُونَ المِرَاءِ |
وإذْ هوَ مطلقٌ كبلِ المصيفِ | وإذْ هو مفتاحُ قيدِ الشتاءِ |
لَقَدْ كانَ حَظي غيرَ الخَسِيسِ | مِنْ رَاحَتَيْهِ وغَيْرَ اللَّفَاءِ |
وكنتُ أَرَاهُ بِعَيْنِ الرَّئيس | وكان يراني بعين الإخاءِ |
ألهفي على خالد لهفة ً | تكونُ أمامي وأخرى ورائي |
ألهفي إذا ما ردى للردى | ألهفي إذا ما احتبى للحباءِ |
أَلَحْدٌ حَوَى حَيَّة َ المُلْحِدينَ | ولَدْنُ ثَرى حَالَ دُونَ الثَّرَاءِ؟! |
جزتْ ملكاً فيه ريَّا الجنوبِ | ورائحة ُ المُزْنِ خَيْرَ الجَزَاءِ |
فكَمْ غَيَّبَ التَّرْبُ مِنْ سُؤْدَد | وغَالَ البِلَى مِنْ جِمِيلِ البَلاَءِ! |
أَبَا جَعْفَرٍ ليُعِرْكَ الزَّمانُ | عزاً ويكسبكَ طولَ البقاءِ |
فما مزنُكَ المرتجى بالجهامِ | ولارِيحُنا مِنكَ بالجِرْبِيَاءِ |
ولا رجعتْ فيكَ تلكَ الظنونُ | حيارى ولا انسدَّ شعبُ الرجاءِ |
وقد نُكِسَ الثَّغْرُ فابعَثْ لَهُ | صدورَ القنا في ابتغاءِ الشفاءِ |
فَقَدْ فاتَ جَدُّكَ جَدَّ المُلُوكِ | وعُمْرُ أَبِيكَ حَدِيثُ الضيَاءِ |
ولَمْ يَرْضَ قَبْضَتَهُ لِلحُسَامِ | ولا حملَ عاتقِهِ للرداءِ |
فما زالَ يفرعُ تلكَ العلى | مع النجمِ مرتدياً بالعماءِ |
ويصعدُ حتى لظنَّ الجهولُ | أنَّ لَهُ مَنْزِلاً في السَّماءِ |
وقَدْ جَاءَنا أَنَّ تِلْكَ الحُرُوبَ | إذا حديتْ فالتوتْ بالحداءِ |
وعاودَها جَرَبٌ لَمْ يَزَلْ | يعاوِدُ أسعافَها بالهناءِ |
ويمتحُ سجلاً لها كالسجالِ | ودلواً إذا أفرغتْ كالدلاءِ |
ومِثْلُ قُوَى حِبْلِ تلْكَ الذرَاعِ | كانَ لزازاً لذاكَ الرشاءِ |
فلا تخزِ أيامَه الصالحاتِ | وما قدْ بنى من جليلِ البناءِ |
فَقدْ علِمَ اللَّهُ أَنْ لَنْ تُحِبَّ | شيئاً كحبكَ كنزَ الثناءِ |