أرشيف الشعر العربي

لي صاحِبٌ قد لا مَني، وزادا،

لي صاحِبٌ قد لا مَني، وزادا،

مدة قراءة القصيدة : 8 دقائق .
لي صاحِبٌ قد لا مَني، وزادا، في تَركِيَ الصَّبوحَ ثمّ عَادا
وقال: لا تَشرَبُ بالنّهارِ، وفي ضِياءِ الفَجرِ والأسحارِ
إذا وشى بالليلِ صبحٌ ، فافتضحْ ، وذكّرَ الطّائِرَ شَجوٌ، فصَدَحْ
و النجمُ في حوضِ الغروبِ واردُ ، و الفجرُ في إثرِ الظلامِ طاردُ
ونَفَّضَ اللّيلُ على الوَرد النّدى ، وحرّكتْ أغصانَهُ رِيحُ الصَّبا
و قد بدتْ فوقَ الهلالِ كرتهُ ، كهامة ِ الأسودِ شابَتْ لِحيتُه
فنَوّرَ الدّارَ بِبعضِ نورِهِ، و الليلُ قد أزيحَ من ستورهِ
وقَدّتِ المَجَرّة ُ الظّلامَا، تحسبها في ليلها ، إذا ما
تنفسَ الصبحُ ، ولما يشتعل ، بينَ النجومِ مثلَ فرقِ مكتهلِ
وقال: شُرْبُ الليلِ قد آذانَا، و طمسَ العقولَ والأذهانا
وشكتِ الجنُّ إلى إبليسِ ، لأنهمْ في أضيقِ الحبوشِ
أما تَرَى البُستانَ كيفَ نَوّرَا، و نشرَ المنثورُ برداً أصفرا
و ضحك الوردُ على الشقائقِ ، و اعتنقَ القطرَ اعتناقَ الوامقِ
في روضة ٍ كَحُلّة ِ العَروسِ، و خدمٍ كهامة ِ الطاووسِ
و يا سمينٍ في ذرى الأغصانِ ، مُنتظِماً كقِطَعِ العقيانِ
والسّروُ مثلُ قِطَعِ الزّبَرْجدِ، قد استمَدَّ الماءَ من تُرْبٍ نَدي
وفَرشَ الخشخاشُ جَيباً وفَتق، كأنه مصاحفٌ بيضُ الورق
حتى إذا ما انتشَرَتْ أوْرَاقُهُ، و كادَ أن يرى إلينا ساقه
صارَ كأقداحٍ منَ البلورِ ، كأنما تجسمتْ من نورِ
وبعضُه عُرْيانُ من أثوابهِ، قد أخجلَ الأعينَ من أصحابه
تبصرهُ بعدَ انتشارِ الوردِ ، مثلَ الدبابيسِ بأيدي الجندِ
و السوسنُ الآزرُ منشورُ الحلل ، كقطنٍ قدْ مسهُ بعضُ البلل
نورَ في حاشيتيْ بستانهُ ، و دخلَ البستانُ في ضمانه
و قدْ بدتْ فيهِ ثمارُ الكبرِ ، كأنّها حمائمٌ منْ عَنبَرِ
وحلّقَ البهارُ فوْقَ الآسِ، جمجمة ٌ كهامة ِ الشماسِ
حبالُ نَسيجٍ مثلُ شَيبِ النَّصفِ، وجوهرٌ من زَهَرٍ مُخْتَلِفِ
وجلّنارٌ مثلُ جَمرِ الخَدَّ، او مثلُ أعرافِ ديوكِ الهِندِ
والأقْحُوانُ كالثّنايا الغُرّ، قد صقلت نوارها بالقطرِ
قُلْ لي: أهذا حسنٌ بالليلِ، وَيليَ ممّا تشتهي وعَولي
وأكثرَ الفُصُولَ والأوْصَافا، فقلتُ: قد جنّبْتُكَ الخِلافا
بتْ عندنا ، حتى إذا الصبحُ سفرْ ، كأنّهُ جدولُ ماءٍ مُنفجِرْ
قمنا إلى زادٍ لنا معدَّ ، و قهوة ٍ صراعة ٍ للجلدِ
كأنّما حَبابُها المنثورُ، كواكبٌ في فَلَكٍ تدُورُ
ولا تَقُلْ لقدْ ألِفتُ مَنزِلي، فتُفسِدَ القولَ بعُذرٍ مُشكِلِ
فقال: هذا أوّلُ الجُنونِ، متى ثوى الضبُّ بوادي النونِ
دعوتُكمْ إلى الصَّبوحِ ثمّ لا أكونُ فيه، إذ أجبتم ، أولا
لي حاجة ٌ لا بدّ من قضائها ، فتستريحُ النفسُ من عنائها
ثمّ أجي والصبحَ في عنانِ ، مِن قبلِ أن يُبدَأ بالآذانِ
ثمّ مضى يعدُ بالبكورِ ، وهَزّ رأسَ فَرِحٍ مَسْرُورِ
فقمتُ منه خائفاً مرتاعا ، وقلتُ: ناموا، ويحَكم، سِراعا
ونحنُ نُصْغي السمعَ نحوَ البابِ، فلم نَجِدْ حِسّاً مِن الكَذّابِ
حتى تَبَدّتْ حُمرة ُ الصّباحِ، وَأوجعَ النّدمانَ سوطُ الرّاحِ
وقامتِ الشّمسُ على الرّؤوسِ، و ملكَ السكرُ على النفوسِ
جاءَ بوَجْهٍ بارِدِ التّبَسُّمِ، مفتضحٍ لما جنى مدممِ
يَعْثُرُ وَسَطَ الدّارِ منْ حيَائِه، و يكشفُ الأهدابَ منْ ورائه
تعَطعَطَ القَوْمُ به حتى بَدَر، و افتتحَ القولَ بعي وحصر
لتأخذَ العينُ من الرقادِ حظاً إلى تعلية ِ المنادي
فمسحتْ جنوبنا المضاجعا ، و لم أكنْ للنومِ قبلُ طائعا
ثُمّة َ قُمنا والظلامُ مُطرِقُ، والطّيرُ في أوكارِها لا تَنطِقُ
وقد تَبَدّى النّجمُ في سوَادِه، كَحُلّة ِ الرّاهبِ في حِدادِه
وقال: يا قومُ اسمعوا كلامي، لا تُسرِعوا ظُلماً إلى مَلامي
فجاءَنا بقِصّة ٍ كذّابَه، لمْ يفتحِ القلبُ لها أبوابه
فعذرَ العنينَ يومَ السابعِ ، إلى عروسٍ ذاتِ حظً ضائعِ
قالوا: اشرَبوا! فقلتُ: قد شَرِبنا، أتيتنا ، ونحنُ قد سكرنا
فلمْ يزل من شأنهِ منفردا ، يرفعُ بالكأسِ إلى فيهِ يدا
والقوْمُ من مُستَيقِظٍ نَشوَانِ، أو غرقٍ في نومهِ وسنانِ
كأنهُ آخرُ خيلِ الحلبه ، له من السواسِ ألفُ ضربه
مجتهداً كأنهُ قد أفلحنا ، يطلعُ في آثارها مفتحا
فاسمَع، فإنيّ للصَّبوحِ عائَبُ، عِنديَ من أخبارِهِ العَجائِبُ
إذا أردتَ الشُّرْبَ عند الفَجْرِ، و النجمُ في لجة ِ ليلٍ يسري
و كانَ بردٌ بالنسيمِ يرتعدْ ، و ريقهُ على الثنايا قد جمدْ
وللغُلامِ ضَجرَة ٌ وهَمهَمه، وشَتمة ٌ في صَدرِه مُجمجمه
يمشي بلا رجلٍ من النعاسِ ، ويدفُقُ الكأسَ على الجُلاّسِ
و يلعنُ المولى ، إذا دعاهُ ، ووجهُهُ إن جاءَ في قَفاهُ
و غن أحسّ من نديمٍ صوتا ، قال مجيباً طعنة ٍ وموتا
و إن يكنْ للقومِ ساقٍ يعشقُ ، فجفنُهُ بجفنِهِ مُدَبِّقُ
ورَأسُهُ كمِثلِ فَرقٍ قد مُطِر، و صدغه كالصولحانِ المنكسر
أعجَلَ مِن مِسواكه وزينتِه، و هيئة ٍ تنظرُ حسنَ صورته
محمولة ٍ في الثوبِ والأعطافِ
كأنما عضّ على دماغِ ، متهمُ الأنفاسِ والأرفاغ
فإن طردتَ الكأسَ بالسنورِ ، وجِئتَ بالكانونِ والسَّمّورِ
فأيُّ فضلٍ للصبوحِ يعرفُ ، على الغَبوقِ، والظلامُ مُسدِفُ
يَحُسُّ من رِياحهِ الشمائلِ، صوارماً ترسبُ في المفاصلِ
وقد نَسيتُ شرَرَ الكانُونُ، كأنهُ نثارُ ياسمينِ
يرمي بهِ الجمرُ إلى الأحداقِ ، فإنْ ونى قرطسَ في الآماقِ
و تركَ النياطَ بعدَ الخمدِ ، ذا نقطٍ سودٍ كجلد الفهدِ
وقطّعَ المَجلِسَ في اكتئابِ، و ذكرِ حرقِ النارِ للثيابِ
ولم يَزَلْ للقوْمِ شُغلاً شاغِلا، و اصبحتْ جبابهمْ مناخلا
حتى إذا ما ارتفعتْ شمسُ الضّحى قيل : فلانٌ وفلانٌ قد أتى
و ربما كانَ ثقيلاً يحتشم ، فطَوّل الكَلاَمِ حِيناً وجشَم
و زالَ عنا عيشنا اللذيذا
ولستُ في طول النّهارِ آمِنا، ما حادِثٍ لم يَكُ قبلاً كائنا
أو خبرٍ يكرهُ ، أو كتابِ يَقطَعُ طيبَ اللهِو والشّرابِ
فاسمَعْ ألى مَثالِبِ الصَّبوحِ، في الصيفِ قبلَ الطائرِ الصدوحِ
حينَ حلا النومُ وطابَ المَضْجعُ، وانحَسَرَ اللّيلُ، ولَذَّ المَهجَعُ
وانهَزَمَ البَقُّ وكنّ رُتّعاً، عَلى الدّماءِ وارداتٍ شُرَّعا
من بعد ما قد أكلوا الأجسادا، وطيّرُوا عنِ الوَرَى الرّقادا
فقربِ الزادَ إلى نيامٍ ، ألسنهمْ ثقيلة ُ الكلامِ
من بعدِ أن دبّ عليهِ النملُ ، وَحَيّة ٌ تَقذِفُ سُمّاً، صِلُّ
و عقربٌ ممدودة ٌ قتالهُ ، وجُعَلٌ، وفارَة ٌ بَوّالَه
و للمغني عارضٌ في حلقهِ ، ونفسُه قد قدحَت في حِذقِهِ
و إن أردتَ الشربَ عند الفجرِ ، والصّبحُ قد سَلّ سيوفَ الحرّ
فساعة ٌ ، ثمّ تجيكَ الدامغه ، بنارها ، فلا يسوغُ شائغه
ويَسخُنُ الشّرابُ والمِزاجُ، ويكثُرُ الخِلافُ والضُّجاجُ
مِن مَعشرٍ قد جَرَعوا حَمِيماً، و طعموا من زادهم سموما
و غيمت أنفاسهم أقداخهم ، و عذبت أقداحهم أرواحهم
وأولِعوا بالحَكّ والتّفرّكِ، و عصبُ الآباطِ مثلُ المرتكِ
وصارَ رَيحانُهُم كالقَتِّ، فكلُّهم لكلّهم ذو مَقْتِ
وبَعضُهم يمشي بِلا رِجلَينِ، وأذُنٍ كحُقّة ِ الدَّباقِ
وبعضُهُم مُحَمَرّة ٌ عيناهُ، من السمومِ محرقٌ خداهُ
وبعضُهم عندَ ارْتفاعِ الشْمسِ يحسّ جوعاً مؤلماً للنّفسِ
فإن أسرّ ما بِهِ تَهوُّسا، ولم يُطِقْ من ضُعفِهِ تَنَفُّسا
و طافَ في أصداغهِ الصداعُ ، ولمْ يكُنْ بمِثْلِهِ انْتِفاعُ
وكَثُرتْ حِدّتُهُ وضَجَرُه، وصارَ كالحُمّى يطيرُ شَرَرُه
وهمّ بالعَرْبَدة ِ الوَحْشِيّه، و صرفَ الكاساتِ والتحيه
وظهَرَتْ مَشَقّة ٌ في حَلقِه، و ماتَ كلُّ صاحبٍ من فرقه
و إن دعا الشقيُّ بالطعامِ ، خَيّطَ جَفنَيه على المَنامِ
وكلّما جاءت صلاة ٌ واجبه، فسا عليها ، فتولت هاربه
فكَدّرَ العيشَ بيَوْمٍ أبْلَقِ، أقطاره بلهوهِ لم تلتقِ
فمن أدامَ للشقاءِ هذا من فعلهِ، والتذّه التِذاذا
لم يلفَ إلاّ دنسَ الأثوابِ ، مهوساً ، مهوسَ الأصحابِ
فازدادَ سهواً وضنى وسقما ، و لا تراهُ الدهرَ إلاّ قدما
و ذا يريدُ مالهُ وحرمتهْ
ذا شاربٍ وظفرٍ طويلِ ، يُنغّصُ الزّادَ علَى الأكيلِ
و مقلة ٍ مبيضة ِ المآقي ، و أذنٍ كحقمة ِ الدباقِ
وجسدٍ عليه جِلدٌ من وَسَخ، كأنه أشربَ نفطاً ، أو لطخ
تخالُ تحتَ ابطِه، إذا عَرِق، لِحيَة َ قاضٍ قد نَجا مِن الغَرَق
و ريقهُ كمثلِ طوقٍ من أدم ، وليسَ من ترْكِ السّؤال يحتَشِم
في صدره من واكفٍ وقاطر كأثرِ الذرقِ على الكنادرِ
هذا كذا وما تركتُ أكثرُ، فجَرِّبُوا ما قُلتُهُ، وفَكِّرُوا

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (ابن المعتز) .

مقفرة الربع لجّ هاجرها

رَوِينَا، فما نَزْدادُ يا ربِّ مِن حياً،

صبوتُ إلى الندامى والعقارِ ،

وسوداءَ ذاتِ دلالٍ غَنِج،

يا شرّ ! هل للوعدِ من نجحِ ،


ساهم - قرآن ١