أيا وَيحَهُ ما ذَنبُهُ إنْ تذكّرَا
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أيا وَيحَهُ ما ذَنبُهُ إنْ تذكّرَا | سوالفَ أيامٍ سبقنَ وأخرا |
وسكرَة َ عيَشٍ فارغٍ من هُمومِه، | و معروفَ حالٍ لم نخفْ أن ينكرا |
وعصرَ شَبابٍ كانَ مَيعَة َ حُسنِه، | وظِلاًّ من الدّنيا علَيهِ مُنَشَّرَا |
إذا كنا لا يرددنَ ما فاتَ من هوى ، | فلا تدعِ المخزونَ أن يتصبرا |
و قالوا : كبرتَ فانتضيتَ من الصبا ، | فقلتُ لهم: ما عشتُ إلاّ لأكبَرَا |
إذا لاحَ شَيبُ الرّأسِ يوماً ولَيلَة ً، | فما أجدرَ الإنسانَ أن يتغيرا |
ولَبثي وإخلافي أُناساً فَقِدتُهُم، | و ما كنتُ أرجو بعدهم أن أعمرا |
هُمُ طرَدوا عن مُقلتي رائدَ الكَرى ، | و شكوا سوادَ القلبِ حتى تفطرا |
و أجلوا همومي من سواهم وأطبقوا | جفوني فما أهوَى من العيشِ مَنظرَا |
وأصبَحتُ مُعتَلَّ الحَياة ِ كأنّني | أسِيرٌ رأى وَجهَ الأميرِ، ففَكّرَا |
فإما تريني بالذي قد نكرته ، | فيا رُبّ يومٍ لم أكنْ فيه مُنكَرَا |
أروحُ كغصنِ البانِ بيتهُ الندى ، | و هزّ بأنفاسٍ ضعافٍ وأمطرا |
فمالَ على ميثاءَ ناعمة ِ الثرى ، | تغلغلَ فيها ماؤها وتحيرا |
كأنّ الصَّبا تُهدي إلَيها إذا جرَتْ | على تُربِها، مِسكاً سَحيقاً وعَنبرَا |
سقتهُ الغوادي والسواري قطارها ، | فجنّ كما شاءَ النباتُ ونورا |
و حلتْ عليهِ ليلة ٌ أرحبية ٌ ، | غذا ما صفا فيها الغديرُ تكدرا |
كأنّ الغواني بينَ بينَ رياضهِ ، | فغادرنَ فيهِ نشرَ وردٍ وعبهرا |
طويلة َ ما بين البياضينِ ، لم يكدْ | يُصَدَّقُ فيها فجرُها حينَ بَشّرَا |
إذا ما ألحتْ قشرَ الصخرَ وبلها ، | و همتْ غصونُ النبعِ أن تتكسرا |
فباتتْ إذا ما البرقُ أوقدَ وسطَها | حَريقاً أهَلّ الرّعدُ فيهِ وكَبّرَا |
كأنّ الربابَ الجونَ دونَ سحابهِ | خليعٌ من الفِتيانِ يَسحبُ مِئزَرَا |
إذا لحقَتهُ رَوعَة ٌ من وَرائِهِ | تَلَفّتَ واستَلّ الحُسامَ المُذكَّرَا |
فأصبحَ مستورَ الترابِ كأنما | نشرتَ عليهِ وشيَ بردٍ محبرا |
به كلُّ موشيّ القوائمِ ناشطٌ ، | و عينٌ تراعي فاترَ اللحظِ أحورا |
تُطيفُ بذَيّالٍ كأنّ صُوارَهُ | غدائرُ ذي تاجٍ عتا وتجبرا |
يحكُّ الغصونَ المورقاتِ بروقه | كخصفك بالإشفى نعالاً فخصرا |
وذي عُنُقٍ مثلِ العصا شُقّ رأسها | وشُذّبَ عَنها جِلدُها فتَقَشّرَا |
و ساقٍ كشطرِ الرمحِ صمّ كعوبه | تردى على ما فوقها وتأزرا |
فبادرتهُ قبلَ الصباح بسابحٍ | جوادٍ ، كما شاءَ الحسودُ وأكثرا |
إذا ما بدا أبصرتَ غرة َ وجهه | كعُنقودِ كَرمٍ بَينَ غُصنَينِ نوّرَا |
و سالفتي ظبي من الوحشِ سانحٍ ، | غذا ما عراهُ خوفُ شيءٍ تبصرا |
وَرِدْفاً كظَهرِ التُّرسِ أُسبِلَ خَلفَه | عَسيبٌ كفَيضِ الطَّودِ لمّا تحدّرَا |
وأرسَلتُهُ مُستَطعِماً لعِنانِهِ، | أخا ثقة ٍ ما أنتَ إلاّ مبشرا |
و همٌّ أتتني طارقاتُ ضيوفهِ | فما كانَ إلاّ اليعملاتِ له قرى |
بوَحشيّة ٍ قَفرٍ تَخالُ سَرابَها | مهاً لامعاتٍ ، أو ملاءً منشرا |
فلما تبدى الليلُ يحدو بنجمهِ ، | لبسنا ظلاماً لم يكدْ صبحهُ يرى |
و طافَ الكرى بالقومِ حتى كأنهم | نشاوى شرابٍ دبّ فيهم وأسكرا |
فمن كلّ هذا قد قضيتُ لبانتي ، | و ولى ، فلم أملكْ أسى ، وتذكرا |
ويومٍ من الجَوزاءِ أصلَيتُ نارَه، | وقد سترَ الكنّاسُ إذ بانَ مُشترَى |
وقد أكلَتْ شمسُ النّهارِ ظِلالَهُ، | وصارَتْ كحِرباءِ الهواجرِ معفَرَا |
و كم من عدوٍ رامَ قصفَ قناتنا ، | فلاقَى بنا يوماً من الشرّ أحمَرَا |
إذا أنتَ لم تَركَبْ أدانيَ حادِثٍ | من الأمرِ لاقَيتَ الأقاصيَ أوعَرَا |