أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ؟
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أينَ يا شعبُ قلبُكَ الخَافقُ الحسَّاسُ؟ | أينَ الطُّموحُ، والأَحْلامُ؟ |
أين يا شعبُ، رُوحُك الشَّاعرُ الفنَّانُ | أينَ، الخيالُ والالهامُ؟ |
أين يا شعبُ، فنُّك السَّاحرُ الخلاّقُ؟ | أينَ الرُّسومُ والأَنغامُ؟ |
إنَّ يمَّ الحياة ِ يَدوي حوالَيْكَ | فأينَ المُغامِرُ، المِقْدَامُ |
أينَ عَزْمُ الحياة ِ؟ لا شيءَ إلاّ | الموتُ، والصَّمتُ، والأسى ، والظلامُ |
عُمُرٌ مَيِّتٌ، وَقَلْبٌ خَواءٌ | ودمٌ، لا تثيره الآلامُ |
وحياة ٌ، تنامُ في ظلمة ِ الوادي | وتنْمو من فوقِها الأوهام |
أيُّ عيشٍ هذا، وأيُّ حياة ٍ؟! | رُبَّ عَيْشٍ أخَفُّ منه الحِمَام |
قد مشتْ حولَك الفصولُ وغَنَّتْكَ | فلم تبتهِجْ، ولمْ تترنَّمْ |
ودَوَتْ فوقَك العواصِفُ والأنواءُ | حَتَّ أَوشَكْتَ أن تتحطَّمْ |
وأطافَتْ بكَ الوُحوشُ وناشتْك | فلم تضطرب، ولم تتألمْ |
يا إلهي! أما تحسُّ؟ أَمَا تشدو؟ | أما تشتكي؟ أما تتكلَّمْ؟ |
ملَّ نهرُ الزّمانِ أيَّامَكَ الموتَى | وأنقاضَ عُمرِكَ المتهدِّمْ |
أنتَ لا ميِّتٌ فيبلَى ، ولا حيٌّ | فيمشي، بل كائنٌ، ليس يُفْهَمْ |
أبداً يرمقُ الفراغَ بطرفٍ | جامدٍ، لا يرى العوالِمَ، مُظْلِمْ |
أيُّ سِحْرٌ دهاكَ! هل أنتَ مسحورٌ | شقيٌّ؟ أو ماردٌ، يتهكَّمْ؟ |
آه! بل أنتَ في الشُّعوب عجوزٌ، | فيلسوفً، مُحطَّمٌ في إهابِهْ |
ماتَ شوقُ الشبابِ في قلبِه الذاوي، | وعزمُ الحياة ِ في أعصابِهْ |
فمضى يَنْشُدُ السَّلامَ..، بعيداً.. | |
وهناكَ.. اصطفى البقاءَ مع الأموات، | «في قبرِ أمسِهِ» غيرَ آبِهْ... |
وارتضى القبرَ مسكناً، تتلاشى | فيه أيَّامُ عُمرِهِ المتشابِهْ |
وتناسى الحياة َ، والزّمَنَ الدّاوي | وما كان منْ قديمِ رِغَابِهْ |
واعبدِ «الأمسَ» وادَّكِرْ صُوَرَ الماضِي | فدُنْيَا العجوزِ ذكري شبابِهْ... |
وإذا مرَّتِ الحياة ُ حوالَيْكَ | جميلاً، كالزّهر غضَّا صِباها |
تتغنّى الحياة بالشوق والعزم | فيحْي قلبَ الجمادِ غِنَاها |
والربيعُ الجميلُ يرقصُ فوقَ | الوردِ، والعشبِ، مُنْشِداً، تيَّاهاً |
ومشَى النّاسُ خلفَها، يتَمَلوْنَ | جمالَ الوجودِ في مرآها |
فاحذرِ السِّحْرَ! أيُّها النَّاسكُ القِدِّيسُ | |
والربيعُ الفَنَّانُ شاعِرُها المفتونُ | يُغْرِي بحبِّها وهواها |
وَتَمَلَّ الجمالَ في رِممِ الموتَى ..! | بعيداً عن سِحْرِهَا وَصَدَاها |
وَتَغَزَّلْ بسِحْرِ أيَّامِكَ الأولى | وخَلِّ الحياة َ تخطو خطاها |
وإذا هبَّت الطيورُ مع الفجر، | تُغنِّي بينَ المروجِ الجميلهْ |
وتُحَيِّي الحياة َ، والعالَمَ الحيَّ، | بِصَوْتِ المحبَّة ِ المعسولهْ |
والفَراشُ الجميلُ رَفْرَفَ في الرَّوْضِ، | يناجي زهورَهُ المطلولهْ |
وأفاقَ الوجودُ للعمل المُجْدِي | ولِلسَّعي، والمعاني الجليلهْ |
ومشى الناس في الشِّعاب، وفي الغاب، | وفوق المسَالكِ المجهولهْ |
ينشدون الجمالَ، والنُّورَ، والأفراحَ | والمجدَ، والحياة َ النبيلهْ |
فاغضُضِ الطَّرفَ في الظَّلامِ! وحاذِرْ | فِتْنَة َ النُّورِ..! فهيَ رُؤْيَا مَهولَة ... |
وَصَبَاحُ الحياة ِ لا يُوقِظُ الموْتَى | ولا يَرْحَمُ الجفونَ الكليلهْ |
كلُّ شيءٍ يُعَاطِفُ العالَم الحيَّ، | ويُذكِي حياتَه، ويُفيدُهْ |
والذي لا يجاوِبُ الكونَ بالاحساسِ | عِبْءٌ على الوجودِ، وُجُودُهُ |
كُلُّ شيءٍ يُسايرُ الزَّمنَ الماشي | بعزمٍ، حتى الترابُ، ودودُهُ |
كلُّ شيءٍ ـ إلاَّكَ ـ حَيٌّ، عَطوفٌ | يُؤْنِسُ الكونَ شَوْقُه، ونَشيدُهُ |
فلِماذا تعيشُ في الكون يا صَاحِ! | وما فيكَ من جنًى يستفيدُهْ |
لستَ يا شيخُ للحياة ِ بأَهْلٍ | أنت داءٌ يُبِيدُها وتُبِيدُهْ |
أنت قَفْرٌ، جهنَّميٌّ لَعِينٌ، | مُظْلِمٌ، قَاحلٌ، مريعٌ جمودُهْ |
لا ترفُّ الحياة ُ فيه، فلا طيرَ | يغنّي ولا سَحَابَ يجودُهْ |
أنتَ يا كاهنَ الظلامِ ياة ٌ | تعبد الموتَ..! أنت روحٌ شقيٌّ |
كافرٌ بالحياة ِ والنُّورِ..، لا يُصغي | إلى الكون قلبُه الحَجَرِيُّ |
أنتَ قلبٌ، لا شوقَ فيه ولا عزمَ | وهذا داءٌ الحياة ِ الدَّوِيُّ |
أنتَ دنيا، يُظِلُّها أُفُقُ الماضي | وليلُ الكآبة ِ الأَبديُّ |
مات فيها الزّمانُ، والكونُ إِلاَّ | أمسُها الغابرُ، القديمُ، القَصِيُّ |
والشقيُّ الشقيُّ في الأرض قلبٌ | يَوْمُهُ مَيِّتٌ، وما ضيه حيُّ |
أنتَ لا شيءَ في الوجودِ، فغادِرْهُ | إلى الموت فَهْوَ عنك غَنِيُّ |