أشهابٌ في دجى الليل ثَقَبْ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أشهابٌ في دجى الليل ثَقَبْ | أم سراجٌ نارهُ ماءُ العنب |
أم عروسٌ فوق كرسيِّ يدي | يجتليها اللهو في عقد الحبب |
يا شقيق النفس، أنفاس الصَّبا | بردت، والصبح لاشكّ اقترب |
قمْ أمتِّعك بعيشٍ لمْ تَقَعْ | في صفاءٍ منهُ أقذاءُ النوب |
فلقد حان لضوء الفجر أنْ | يضربَ السرحانُ فيه بذنبْ |
فأدِرْهَا تَحْتَ لَيْلٍ سَقْفُهُ | ظلمة ٌ فيها من النور ثقب |
أو على برقِ سماءٍ ضاحكٍ | غيمُهُ بالدّمْع منه منسكِب |
سَكِرَ الرّوْضُ وغنَّى طيرُهُ | أفلا ترقصُ قامات القضب |
هات دراً فيه ياقوتٌ وخذ | جسمَ ماءٍ حاملاً روحَ لهب |
قهْوَة ً لو سُقِيَتْها صخرة ٌ | أورقتْ باللّهو منها والطَّربْ |
يجذبُ الرُّوحَ إليه روحُها | ألطف الشيءين عندي ما انجذب |
وُلِدْتْ بالشّيبِ في عنقودها | وهِيَ اليومَ عجوزٌ لم تشب |
كلَّما مَوّجَهَا المزنُ أرَتْ | حبب الفضة في ماء الذهب |
ما درى خمَّارُها عاصِرَها | فحدِيثُ الصدق فيها كالكذب |
خندريس عتقت في أجوفٍ | من دم العنقود مملوء نخبْ |
واضعٌ كفّيه في أخصاره | وقيامٌ في قعود قد وجب |
دفنوا اللذّة فيها حية ً | وأتى الدهرُ عليها.. وذهب |
ظَنَّهُ كنزا فلمَّا انْتسَبَتْ | منه للأنف درى ذاك النسب |
قلتُ إذا أبرَزَها في قعبه: | أهيَ بنت الكرم أم أمّ الحقب |
قتلتني وهي بي مقتولة ٌ | صولة ُ الميت على الحيّ عجب |
كيفَ لا تصرعني صوّالة ٌ | وهي منِّي في عروقٍ وعصب |
ومليح الدلّ إنْ علّ بها | قلتَ نجمٌ في فمِ البدر غرب |
شعشع القهوة َ في صوب الحيا | وسقانِي فضلة ً مما شربْ |
فتلاقى في فمي من كأسِهِ | ماءُ كَرْمِ وغمامٌ وَشَنَبْ |
وشدا من مدح يحيى نغماً | هزَّ منه الملكُ عِطفيه طَرَبْ |
من معزِّ الدين في الفخر له | خيرُ جَدٍّ، وتميمٌ خيرُ أبْ |
مَنْ له وَجْهُ سمَاحٍ سافرا | أبداً للمجتدي لا ينتقب |
ملكٌ عن ثغرة ِ الدين اتقى | ورمى الأعداءَ بالجيش اللجب |
في سرير الملك منه قمرٌ | يُجتلى يومَ العطايا بالسحب |
طاهرُ الأخلاق مألوفُ العلى | طيِّبُ الأعراق مصقول الحسب |
عادلٌ تعكف بالحمد على | ذكره أفواهُ عُجمٍ وعرب |
سالبٌ منه الندى ما سَلَبَتْ | من أعاديه عواليه السُّلُبْ |
في نصابٍ لم يزل من حمير | مُعْرِقاً في كلّ قَوْمٍ مُنْتَخَبْ |
بُهْمٌ إنْ ذُكِرَ الجيشُ بِهِمْ | هالَ منه الرعبُ واشتدّ الرّهَب |
والحديدُ الصلبُ لولا بأسُهُ | لم يخَفْ في الطعنِ من لين القصب |
أثبت الإقدامُ في أنفسهِم | أنَّ مُرَّ الضّرْبِ حُلْوٌ كالضَّرْبِ |
يتّقي فيضَ النّدى مَنْ كَفّهُ | عيل منه لدغ دهر يَنتهِب |
وإذا ما ضحكت سنّ الرضى | منه لم يُخشَ عبوسٌ في الغضب |
كلّ قطر منه يلقى مشرباً | من جداه ولقد كان سرب |
يحسب الطودَ حصاة ً حِلْمُهُ | وتظنّ البحرَ نعماهُ ثُغَب |
نال أهلُ الفضل منه فضلهم | ومن الشمس سنا نور الشّهب |
تتّقِي الأعداءُ منه سطوة ً | وهو في ظلّ علاه مُحتجب |
والهصور الوردُ يخشى وثبه | وهو في الغيل مقيمٌ لم يثب |
كم فمٍ طاب لنا من ذكره | فهو كالمسكِ، وكم ثغر عَذُب |
وكأنَّ الرَّوضَ في أوصافِهِ | تُغْمَسُ الأشْعار فيه والخطب |
ثابتٌ كالطود في معترك | جائلِ الأبطال خفَّاقِ العَذَبْ |
ورؤوس بالمواضي تُختلى | ونفوسٌ بالعوالي تُنتهب |
كم شجاعٍ خاض في مهجته | بسنانٍ في الحيازيم رسب |
قلمٌ يمشق في الطعن فقلْ | أمحا العيش أم الموت كتب |
أيها الوصلُ من إحسانه | سبباً من كل منبٍ السبب |
ربّ رأيٍ لك جهزتَ به | جحفلاً ذاقَ العدى منه الشجب |
كنتَ يوم الحرب عنه غائباً | وظُبى نصركَ فيه لم تغب |
كالذي يلعب في شطرنجه | رأيُهُ عنه تَخَطَّى في اللّعب |
أنا من صاح به يوم النوى | عن مغانيه غرابٌ فاغترب |
طفت في الآفاق حتى اكتهلت | غُرْبَتِي واحتنكتْ سنّ الأدب |
ثمَّ أقبلتُ إلى المَلْكِ الَّذِي | مدّ بالطول على الدنيا طنب |
مَنَح العلياء كَفَّيْ ناقِدٍ | فانتقى الدرّ وأبقى المخشلب |
فَلَعَلِّي ببقايا عُمُري | منه أقضي البعضَ من حقٍّ وَجبْ |