الشمسُ عنهُ كليلة ٌ أجفانها
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
الشمسُ عنهُ كليلة ٌ أجفانها | عبرى يضيقُ بسرّها كتمانها |
لو تستطيعُ ضِياءَهُ لدَنَتْ لهُ | |
وأُريكَها تَخْبو على بُرَحائِها | لم تخفَ مذعنة ً ولا إذعانها |
إيوانُ مَلْكٍ لو رأتْهُ فارسٌ | ذعرتْ وخرّ لسمكهِ إيوانها |
واستعظَمَتْ ما لم يُخلِّدْ مثلَهُ | سابورها قدماً ولا ساسانها |
سجَدَتْ إلى النيرانِ أعصُرَها ولو | بصرتْ به سجدتْ له نيرانها |
بل لو تجادلها بهِ ألبابها | في الله قامَ لحُسنِهِ بُرهانُها |
أو ما ترى الدّنيا وجامعَ حسنها | صُغرى لديه وهي يعظُمُ شانها |
لولا الذي فتنتْ به لاستعبرتْ | ثكلى تفضُّ ضلوعها أشجانها |
خَضِلُ البشاشة ِ مُرْتَوٍ من مائها | فكأنَّهُ متهلِّلٌ جذلانها |
يَنْدى فتنْشأُ في تَنَقُّلِ فَيّئِهِ | غرُّ السحائبِ مسبلاً هطلانها |
وكأنّ قُدسَ ويذبُلاً رفَدا ذُرَى | أعلامهِ حتى رستْ أركانها |
تغدو القصورُ البيضُ في جنباتهِ | صُوْراً إليه يَكِلُّ عنه عِيانها |
و القبّة ُ البيضاءُ طائرة ٌ بهِ | تهوي بمنخرقِ الصَّبا أعنانها |
ضُرِبَتْ بأرْوِقَة ٍ تُرَفرِفُ فوقَها | فهوى بفتخِ قوادم خفقانها |
يَعْشُو إلى لَمَعَانها | في حيْثُ أسلَمَ مُقلَة ً إنسانُها |
بُطْنانُها وَشيُ البُرودِ وعَصْبُها | فكأنّما قوهِيُّها ظُهْرانها |
نِيطَتْ أكاليلٌ بها مَنظومَة ٌ | فغَدا يُضاحِكُ دُرَّها مَرجانُها |
و تعرَّضتْ طررُ السُّتورِ كأنَّها | عذباتُ أوشحة ٍ يروقُ جمانها |
و كأنَّ أفوافَ الرِّياضِ نثرنَ في | صفحاتها فتفوَّفتْ ألوانها |
فأدرْ جفونكَ واكتحلْ بمناظرٍ | غَشّى فِرندَ لُجيَيْنِها عِقْيانها |
لترى فنونَ السحرِ أمثلة ً وما | يُدري الجَهولَ لَعَلّها أعيانُها |
مُستَشرِفاتٍ من خُدورِ أوانِسٍ | مصفوفَة ٍ قد فُصّلتْ تِيجانها |
مُتَقابِلاتٍ في مَراتِبِها جَنَتْ | حرْباً على البِيضِ الحِسانِ حسانها |
فاخلَعْ حميداً بينها عُذْرَ الصِّبا | و ليبدِ سرَّ ضمائرٍ إعلانها |
و حباكها كلفُ الضُّلوع بحسنها | ريّانُ جانحة ٍ بها ملآنها |
تساي المحبَّ كلفَ الضّلوعِ بحسنها | ثكرَ النفوس مُحَرَّماً سُلْوانُها |
رَدّتْ على الشّعراء ما حاكَتْ لها | غرُّ القوافي بكرها وعوانها |
و أتتْ تجرِّرُ في ذيولِ قصائدٍ | يكفيكَ عن سحرِ البيان بيانها |
أعْيَتْ لَبيباً وهي مَوقِعُ طَرْفِهِ | فقَضَى عليه بجهلِهِ عرفانُها |
إبراهِمِيّة ُ سُودَدٍ تُعزَى إلى | نَجْرِ الكِرامِ: جِنانُها ومَعانُها |
فكأنّهُ سيف بنُ ذي يَزَنٍ بها | وكأنّها صَنعاءُ أو غُمدانها |
سُحِبَتْ بها أردانُه فتَضَوّعَتْ | عبقاً بصائكِ مسكهِ أردانها |
وكأنّما لَبِسَتْ شَبيبَتَهُ وقَدْ | غادى النّدَى متهَلِّلاً رَيعانها |
و كأنّما الفردوسُ دارُ قرارهِ | و كأنّ شافعَ جودهِ رضوانها |
أبدَتْ لمَرآكَ الجَليلِ جَلالَة ً | يعلو لمكرمة ٍ بذاك مهانها |
وهَفَتْ جوانبها ولولا ما رَسا | من عبء مجْدكَ ما استقَرّ مكانها |
ولَنِعْمَ مَغنى اللهوِ تَرأمُ ظلَّه | آرامُ وَجْرَة َ رُحْنَ أو أُدْمانها |
وتخالُها صَفراء عارَضَتِ الدُّجى | وسرَتْ فنادَمَ كوكباً نَدمانها |
قدُمتْ تُزايلُ أعصُراً كَرّتْ على | حَوبائِها لمّا انقَضَى جُثمانها |
و أتتْ على عهدِ التّبابعِ مدَّة ً | غَضّاً على مَرّ الزّمانِ زمانها |
يمنيَّة ُ الأربابِ نجرانيَّة ُ الـ | ؛أنسابِ حيثُ سَمَتْ بها نَجرانُها |
أو كسرويَّة ُ محتدٍ وأرومة ٍ | شَمطاءُ يُدعَى باسمِها دِهقانُها |
أو قرقفٍ ممّا تنشّي الرّومَ لا | نَشَواتُها ذُمّتْ ولا نشوانُها |
كان اقتناها الجاثلِيقُ يُكِنُّهَا | و يصونُ درّة َ غائصٍ صوِّانها |
في مَعشرٍ من قومه عَثَرَتْ بهم | نوبُ الزّمانِ فغالهم حدثانها |
كرُمَتْ ثَرى ً متأرِّجاً وتوسّطتْ | أرضَ البَطارقِ مُشرِفاً أفدانها |
لم يضرموا ناراً لهيبتها ولمْ | يَستطَعْ بأكنافِ الفَضاء دُخانها |
فكأنَّ هيكلها تقدَّمَ راية ً | وكأنّ صَفّ الدّارعينَ دِنانُها |
غنيتْ تطوفُ بها ولائدهمْ كما | طافَتْ برَبّاتِ الحِجالِ قِيانها |
قد أوتيتْ من علمهمْ فكأنّها | أحبارُ تلك الكُتبِ أو رُهبانها |
جازتهمُ ترمدُّ في غلوائها | فتخرِّموا وخلا لها ميدانها |
فكلتكَ ناجودٌ تديرُ كؤوسها | هِيفٌ تُجاذبُ قُضْبَها كُثبانها |
من قاصراتِ الطَّرفِ كلّ خريدة ٍ | لم يأتِ دونَ وصالِها هِجرانُها |
لم تدرِ ما حرُّ الوداعِ ولا شجتْ | صَبّاً بمُنْعَرَجِ اللوى أظعانها |
قد ضرّجتْ بدم الحياء فأقبلتْ | متظلّماً من وردها سوسانها |
تشكو الصِّفادَ لبهرها فكأنَّما | رَسَفَانُ عانٍ دَلُّها رَسَفانها |
سامتهُ بعضَ الظلم وهي غريرة ٌ | لا ظُلمُها يُخْشَى ولا عُدوانها |
فأتَتْهُ بين قَراطِقٍ ومَناطقٍ | يثنى على سيرائها خفتانها |
وإذا ارتمَتْهُ بما تَريشُ ومُكّنَتْ | فأصابَ أسْودَ قلْبِهِ إمكانها |
لم تدرِ ما أصمى المليكَ أنزعها | بسديدِ ذاكَ الرّمي أو حسبانها |
في أرْيحِيّاتٍ كرَيْعانِ الصِّبَا | حَركاتُها وعلى النُّهَى إسْكانها |
ولئن تَلَقَيْتَ الشّبابَ وعَصْرَهُ | بالمُلْهِياتِ فَعَصْرُهَا وأوانها |
ولئن أبَتْ لك خفْضَ ذاكَ ولِينَهُ | نفسٌ كهَضْبِ عَمايَتينِ جَنانها |
فلقبلَما أسْلتْكَ عن بِيض الدُّمى | بيضٌ تُكسَّر في الوغى أجفانها |
و ضرائبٌ تنبي الحسامَ مضارباً | أردَتْ شَراسَتُها فخِيفَ لِيانُها |
وأُبُوّة ٌ هَجَرَتْ مَقاصِرَ مُلكِها | فكأنّما أسيافها أوطانها |
قومٌ همُ أيّمهمْ إقدامها | و جلادها وضرابها وطعانها |
وإذا تَمَطّرَتِ الجِيادُ سَوابِقاً | فبهم تكنُّفها وهم فرسانها |
و إذا تحدُّوا بلدة ً فبزأرهم | صعقاتها وببأسهمْ رجفانها |
آلُ الوغى تبدو على قسماتهمْ | أقمارها وتحفُّهمْ شهبانها |
يصلونَ حرَّ جحيمها إن عرَّدتْ | أبطالها وتزاورتْ أقرانها |
جُرْثومَة ٌ منها الجِبالُ الشُّمُّ لم | يغضض متالعها ولا ثهلانها |
رْدُّتْ إليك فأنتَ يعرُبها الذي | تعزى إليه وجعفرٌ قحطانها |
فافخَرْ بتيجانِ المُلوكِ ومُلكِها | فلأنتَ غيرُ مدافعٍ خلصانها |
للَّهِ أنتَ مواشكاً عجلاً إلى | جَدوَى يَدٍ مَدُّ الفُراتِ بَنانها |
يَفديكَ ذو سِنَة ٍ عن الآمالِ لم | يألفْ مَضاجعَ سُؤدَدٍ وَسْنانها |
تردُ الأماني الخمسُ منه مشارعاً | ملءَ الحياض محلَّلأً ظمآنها |
من كل عاري اللِّيتِ من نظم التي | رَجَحَتْ بخيرِ تجارَة ٍ أثمانها |
يدني السؤالَ إليه عاملُ صعدة ٍ | مُتَغَلْغِلٌ بين الشِغافِ سِنانها |
أعلتكَ عنهم همَّة ٌ لم يعتلقْ | مثنى النّجوم بها ولا وحدانها |
دانيتَ أقطارَ البلادِ بعزمة ٍ | ملقى ً وراء الخافقينِ جرانها |
و هي الأقاصي من ثغور الملك لا | تُخشَى مخاوِفُها وأنتَ أمانُها |
متقلِّداً سيفَ الخلافة ِ للّتي | يُلقَى إليه إذا استمرّ عِنانُها |
تُزْجَى الجِيادُ إلى الجِلاد كأنّما | سَرعانُ واردة ِ القَطا سَرعانها |
وتُهَزُّ ألويَة ُ الجنودِ خَوافِقاً | تحتَ العَجاجِ كَواسِراً عِقبانها |
حتى إذا حرِجَتْ به أرْضُ العدى | مُتَمَطّياً وتَضَايقَتْ أعطانها |
ألقَتْ مقالِيداً إليه وقبلَهُ | ما انفكَّ خالعها ولا خلعانها |
لا قلتَ إنّ الدّينَ والدّنْيا لَهُ | عِوَضٌ ولُؤمٌ مقالة ٍ بُهْتانُها |
أمدُ المطالبِ والوفودِ إذا حدتْ | فَوْتَ العيونِ رِكابُها رُكبانَها |
ألِفَ النّدَى دَأباً عليه كأنّهُ | رَتْكُ المَطّيِ إليهِ أو وَخَدانها |
غَفّارُ مُوبِقَة ِ الجَرائم صافحٌ | و سجيَّة ُ من ماجدٍغفرانها |
شيمٌ إذا ما القولُ حنّ تبرّعتْ | كرماً فأسجحَ عطفها وحنانها |
إني وإنْ قصّرْتُ عن شكريه لم | يغمطْ لديّ صنيعة ً كفرانها |
كنتُ الوليدَ فلم يُنازِعْهُ بنو | خاقانَ مكرمة ً ولا خاقانها |
مننٌ كباكرة ِ الغمامِ كفيلة ٌ | بالنُّجحِ موقوفٌ عليه ضمانها |
يا ويلتا منّي عليّ أمخرسي | إحسانُها أو مُغرِقي طُوفانها |
ما لي بها إلاّ احتراقُ جوانحي | يدني إليك ودادها حرَّنها |
دامَتْ لنا تلك العُلى متَفَيّئاً | أظلالها متهدّلاً أفنانها |
واسلَمْ لغَضّ شبيبَة ٍ ولدولَة ٍ | عَزَّتْ وعَزّ مؤيَّداً سلطانها |