ما أسرع الأيام في طيّنا
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
ما أسرع الأيام في طيّنا | تمضي علينا ثم تمضي بنا |
في كلّ يوم أمل قد نأى | مرامه عن أجلٍ قد دنا |
أنذرنا الدهر وما نرعوي | كأنما الدهر سوانا عنى |
تَعاشِياً، وَالمَوْتُ في جدّهِ | مَا أوْضَحَ الأمرَ وَمَا أبْيَنَا |
وَالنّاسُ كالأجمَالِ قد قُرّبتْ | تَنْتَظِرُ الحَيّ، لأنْ يَظْعَنَا |
تدنو إلى الشعبِ ومن خلفها | مُغَامِرٌ يَطْرُدُهَا بِالقَنَا |
إنّ الأُلى شَادُوا مَبَانِيهِم | تهدموا قبل انهدام البنا |
لا مُعْدِمٌ يَحْمِيهِ إعْدامُهُ | وَلا يَقي نَفْسَ الغَنيّ الغِنَى |
كَيْفَ دِفَاعُ المَرْءِ أحْداثَهَا | فرداً وأقران الليالي ثنى |
حَطّ رِجَالٌ، وَرَكِبْنَا الذُّرَى | وَعُقْبَة ُ السّيرِ لمَنْ بَعْدَنَا |
كَمْ من حَبيبٍ هانَ مِن فَقدِهِ | ما كنت أن أحسبه هيّنا |
أنفقت دمع العين من بعدهِ | وقلَّ دمع العين إن يخزنا |
كنت أوقّيه فأسكنته | بَعدَ اللّيَانِ المَنْزِلَ الأخشَنَا |
دفنته والحزن من بعده | يأبى على الأيامِ أن يدفنا |
يا أرْضُ! فاشَدتُكِ أنْ تَحفظي | تلك الوجوه الغر والأعينا |
يا ذُلّ مَا عِندَكِ مِنْ أوْجُهٍ | كنَّ كراما أبداً عندنا |
والحازم الرأي الذي يغتدي | مستقلعاً ينذر مستوطنا |
لا يأمن الدهر على غرة | وعزّ ليث الغاب أن يؤمنا |
كأنما يجفل من غارة | مُلْتَفِتاً يَحْذَرُ أنْ يُطْعَنَا |
أخيّ جبراً لك من عثرة | لا بد للعاثر أن يوهنا |
إنّ التي آذَتْكَ مِنْ ثِقْلِهَا | هَلُمَّهَا، نَحْمِلُهَا بَيْنَنَا |
ساقيتك الحلوَ فلا بدعة | إن أنا طاعمتك مرّ الجنى |
وَاصْبِرْ عَلى ضَرّائِهَا، إنّمَا | في قوة ِ السالب عذر لنا |
جناية الدهر له عادة | فما لنا نعجب لما جنى |
مَنْ كانَ حِرْمانُ المُنَى دأبَهُ | فالفَضْلُ إنْ بَلّغَ بَعضَ المُنَى |
كَمْ غَارِسٍ أمّلَ في غَرْسِهِ | فأعجل المقدار أن يجتنى |
ما الثِلم في حدك نقصاً له | قَد يُثلَمُ العَضْبُ، وَقد يُقتَنَى |
يأبى لك الحزن أصيل الحجا | ويقتضيك الرزء أن تحزنا |
والأجر في الأولى وإن أقلقت | وربّما نستقبح الأحسنا |
ذا الخلق الأعلى فخذ نهجه | واترك إليه الخلق الأدونا |
أبا عليّ هل لأمثالها | غيرك إن خطب زمانٍ عنى |
فانهض بها إنك من معشرٍ | إنْ جُشّموا الأمرَ أبانُوا الغِنَى |
واصبر على ضرّاتها إنما | نُغَالِبُ القِرْنَ إذا أمْكَنَا |