عنوان الفتوى : الردة الحقيقية والردة المجازية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما معنى: مرتد حقيقة، ومرتد مجازا؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فالردة حين يطلقها العلماء، فإنهم يريدون بها في عامة المواطن ترك الإسلام والخروج منه إلى الكفر، وحين يذكرون كتاب الردة، ويبينون موجباتها؛ فإنهم يعنون هذا المعنى، لكن قد يقع استعمال لفظ الردة استعمالا مجازيا على سبيل التوسع، فيطلق على من ارتد عن بعض شعائر الإسلام وإن لم يكن منه كفر، ومن ثم فإن من لم ير كفر مانعي الزكاة الذين قاتلهم أبو بكر، قال: إن تسميتهم مرتدين وقعت على سبيل التوسع أي المجاز.

  جاء في الأم للشافعي -رحمه الله-: (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَهْلُ الرِّدَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرْبَانِ: مِنْهُمْ قَوْمٌ أُغْرُوا بَعْدَ الْإِسْلَامِ مِثْلُ طُلَيْحَةَ وَمُسَيْلِمَةَ وَالْعَنْسِيِّ وَأَصْحَابِهِمْ، وَمِنْهُمْ قَوْمٌ تَمَسَّكُوا بِالْإِسْلَامِ وَمَنَعُوا الصَّدَقَاتِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ لَهُمْ أَهْلَ الرِّدَّةِ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-): فَهُوَ لِسَانٌ عَرَبِيٌّ، فَالرِّدَّةُ الِارْتِدَادُ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ، وَالِارْتِدَادُ بمنع الحق، قَالَ: وَمَنْ رَجَعَ عَنْ شَيْءٍ جَازَ أَنْ يُقَالَ ارْتَدَّ عَنْ كَذَا، وَقَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: هَذَا مِنْ حَقِّهَا، لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ، مَعْرِفَةٌ مِنْهُمَا مَعًا بِأَنَّ مِمَّنْ قَاتَلُوا مَنْ هُوَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْإِيمَانِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا شَكَّ عُمَرُ فِي قِتَالِهِمْ، وَلَقَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ تَرَكُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَصَارُوا مُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي مُخَاطَبَتِهِمْ جُيُوشَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَشْعَارِ مَنْ قَالَ الشِّعْرَ مِنْهُمْ، وَمُخَاطَبَتِهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ بَعْدَ الْإِسَارِ. انتهى.

وقال الخطابي -رحمه الله- في معالم السنن: فأما مانعو الزكاة منهم المقيمون على أصل الدين، فإنهم أهل بغي، ولم يسموا على الانفراد عنهم كفارا، وإن كانت الردة قد أضيفت إليهم؛ لمشاركتهم المرتدين في منع بعض ما منعوه من حقوق الدين، وذلك أن الرده اسم لغوي، وكل من انصرف عن أمر كان مقبلا إليه فقد ارتد عنه، وقد وجد من هؤلاء القوم الانصراف عن الطاعة ومنع الحق، فانقطع عنهم اسم الثناء والمدح بالدين، وعلق بهم الاسم القبيح؛ لمشاركتهم القوم الذين كان ارتدادهم حقا، ولزوم الاسم إياهم صدقا. انتهى.

فتحصل من هذا أن الردة بالمعنى الحقيقي وهو المستعمل على ألسنة الفقهاء، هي الخروج عن الإسلام.

قال في حاشية الروض: والمرتد اصطلاحا، هو الذي يكفر بعد إسلامه؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. انتهى.

وقد يستعمل لفظ الردة بمعنى مجازي، فيطلق على من ارتد عن بعض شعائر الإسلام، كما مرَّ إيضاحه.

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
مذهب ابن تيمية في نكاح زوجة المرتد
لو أسرّ شخص أمرَ ردّته لآخر، فهل يجوز له إخبار أهل المرتد بذلك؟
فتاوى في أحكام من سب الدين
هل يقام الحد على الصبي المميز إذا سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم؟
محل وجوب الإقرار اللفظي من المرتد في توبته
هل يجب إخبار الزوجة بالردة والرجوع إلى الإسلام؟
هل من تعارض بين عدم إهلاك الله لإبليس والحكم على المرتد بالقتل؟
مذهب ابن تيمية في نكاح زوجة المرتد
لو أسرّ شخص أمرَ ردّته لآخر، فهل يجوز له إخبار أهل المرتد بذلك؟
فتاوى في أحكام من سب الدين
هل يقام الحد على الصبي المميز إذا سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم؟
محل وجوب الإقرار اللفظي من المرتد في توبته
هل يجب إخبار الزوجة بالردة والرجوع إلى الإسلام؟
هل من تعارض بين عدم إهلاك الله لإبليس والحكم على المرتد بالقتل؟