عنوان الفتوى : هل تسقط العبادات الواجبة بالردة؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم من كان عليه نذر صيام أيام متتابعة؛ كأن يكون عليه نذر صيام ثلاثة أيام متتابعة، وصام يومين ثم انتقض إسلامه بعد صيام اليوم الثاني وتاب إلى الله تعالى؟ وهل عليه أن يعيد صيام ثلاثة أيام؟ أم يكمل اليوم الذي بقي له؟.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن جوابنا عن سؤالك سيكون بجوابين على اعتبارين: أحدهما عامٌّ باعتبار التأصيل، والآخر خاصٌّ باعتبار التنزيل، أما من حيث التأصيل الفقهي: فإن الراجح عندنا أن الردة لا تسقط العبادات الواجبة قبل الردة، تغليظاً على المرتد، سواءً أكان وجوبها بأصل الشرع، كصيام رمضان، أم كان بالتزام المكلف، كنذر صوم أيامٍ معينة متتابعة، قال ابن قدامة: ولنا: أنه حق عليه، فلم يسقط بردته، كحقوق الآدميين، وفارق ما فعله في شركه، فإنه لم يثبت حكمه في حقه، وأما قوله: الإسلام يجب ما قبله ـ فالمراد به ما فعله في كفره، لأنه لو أراد ما قبل ردته، أفضى إلى كون الردة ـ التي هي أعظم الذنوب ـ مكفرة للذنوب، وأن من كثرت ذنوبه ولزمته حدود يكفر ثم يسلم فتكفر ذنوبه، وتسقط حدوده. اهـ.

وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 234109.

وذهب بعض أهل العلم ـ كالمالكية ـ إلى أن الردة تُسقط ما كان على المرتد حال إسلامه من حقوقٍ لله، والراجح عندنا الأول لما ذكرنا، ثم إن المرتد إذا ارتد في أثناء الصيام نهاراً بطل صومه، لأن الكفر ينافي الصيام، وعليه فينقطع التتابع الواجب، كصيام شهرين متتابعين في الكفارة، وكمن نذر صومَ أيامٍ متتابعةٍ، ويجب عليه بعد التوبة أن يستأنف الصيام من أوله متتابعاً، كما بيناه في الفتوى رقم: 77554.

وكذا إن ارتدَّ قبلَ الفجر ولم يتب، أو تاب ولم يجدد نيةَ الصيام قبل الفجر، لانقطاع التتابع دون عذرٍ معتبرٍ شرعاً، أما إن ارتد في أثناء الليل، ثم تاب قبل طلوع الفجر وجدد النية وصام، فإنه لا ينقطع تتابع صيامه، لأنه لم يفطر في يوم من تلك الأيام، وما يطرأ من موانع الصوم أو مفسداته إن كان في الليل لم يتأثر به الصيام، وإن كان فعله محرماً في كل حين للصائم وغيره، وقد صرح بما ذكرنا فقهاء الشافعية وغيرهم، فقال الماوردي في الحاوي الكبير ذاكراً القاعدة في ذلك:
 ما لم يَبطل التتابُعُ بمباحه لم يبطل بمحظوره، كالزنا ـ أي ليلاً ـ وما أبطل التتابع بمحظوره بطل بمباحه، كالأكل في نهار الصوم لشدة المجاعة خوفاً من التلف، يبطُلُ صومُه وتتابُعُه وإن فعل مباحاً... وإذا بَطَل تعليلُه بالحظر والإباحة كان تعليل التتابع بصحة الصوم وفساده أولى، فصح القياس على كل واحد من الأصلين... وقياسٌ ثالث: وهو أن الإتيان بما يضاد الصوم إذا وقع ليلاً لم يؤثر في حكم الصوم، كالأكل. اهـ.

أما من حيث التنزيل على المعيَّنين: فإنا لا نسلِّم لك أن هذا الذي تتكلّم عنه قد انتقض إسلامه فعلاً لتُرتِّب حكمه في الواقع على الجواب الأول، وأنت لم تذكر ما فعله، ولا ذكرتَ حاله، فمن الذي حكمَ عليه بالردة؟ فإن الحكم على المعين بالردة وانتقاض الإسلام أمرٌ خطير، لا يكون منكَ ولا من غيركَ من العامة، وإنما يكون للقاضي الشرعي، أو لكبار العلماء، لأن للتكفير شروطاً يجب توفرها وموانعَ يجب انتفاؤها حتى يَحكمَ العالمُ بكفر هذا المعين الذي ينظر في حاله، وراجع في مثل هذا الموضوع الخطير الفتاوى التالية أرقامها: 189285، 44772، 106483، 156483، 170039.

والله أعلم.