عنوان الفتوى : حكم من تلفظ بسب الدين من شدة النزع ومن سبه مع قيامه بالعبادات

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء". الآية الكريمة تدل في مضمونها على أنّه من مات يعتقد بوحدانية الله فهو ناجٍ وإن عذب بمعاصيه، وهناك من الناس من يموت على سوء الخاتمة, فهل سوء الخاتمة توجب لصاحبها الخلود في النار؟ وهل يؤاخذ من تلفّظ بسبّ الدين من شدّة النزع؟ وهل الأحكام التي تطلق في الدنيا يتوجب وقوعها حسابا في الآخرة، مثلاً: إنّ كثيرًا من المسلمين في وقتنا الحالي ممن يتلفظون بسب الذات الإلهية وسبّ الدين، وهذا حكمه في الدنيا الردّة المخرجة عن الملّة، وهم يؤمنون يقينًا بوحدانية الله تعالى، ولا يشركون به شيئًا, ويصومون، ويصلون، وإنما هو لفظ الكلام لغوًا دون الاعتقاد به أم أنّ الله تبارك وتعالى يعذّب هؤلاء الناس بما كسبوا، ثم ينجيهم بعد ذلك لما معهم من الإيمان بوحدانية الله تعالى؟ أرجو إفادتي، وجزاكم الله عنّا خيرًا.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فسب دين الإسلام أو سب الله تعالى كفر ناقل عن الملة بإجماع المسلمين، ومن وقع منه هذا الفعل المكفر، ثم لم يتب حتى مات، فهو مشرك مخلد في النار؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ {النساء:48}، وسواء كان سبه للدين جِدًّا أو هزلًا ما دام قاصدًا لما يقول. وأما إذا وقع منه هذا الفعل، وقد غلب على عقله فلم يعد يدري ما يقول، فهو غير مؤاخذ، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: قال أهل العلم: من سب الله أو رسوله أو كتابه أو دينه فهو كافر جادًّا أو لاعبًا، واستدلوا بقول الله تعالى عن المنافقين الذين كانوا يسبون النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66] وجاء رجل منهم إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنما كنا نتحدث حديث الركب، لنقطع به عنا الطريق، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يزيد على أن يقول له: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66] . أما إذا قالها عند غضب شديد بحيث لا يملك نفسه، ولا يدري ما يقول، فإنه لا يكفر بذلك؛ لأنه غير مريد للقول،... فالمهم: أن من سب الله أو رسوله أو دينه أو كتابه جادًّا كان أو هازلًا فهو كافر. أما من فعل ذلك غاضبًا وهو لم يملك نفسه ولا يدري ما يقول فإنه لا يكفر؛ لأنه لا اعتداد بقوله، بل هو في حكم المجنون. انتهى.

وإذا علمت هذا تبين لك أن من سب الدين ولو هازلًا فهو مشرك وإن زعم أنه موحد، وأنه مخلد في النار في الآخرة إن لم يتب. وأما من سب الدين بسبب شدة النزع: فإن كان بحيث غلب على عقله فلا يدري ما يقول فهو غير مؤاخذ، وإن كان يدري ما يقول فحكمه ما تقدم.

وأما أهل المعاصي، كالزنى، والسرقة، وشرب الخمر، ونحو ذلك، إذا لم يقع منهم الكفر، ولم يتوبوا من معاصيهم، فإنهم في الآخرة تحت مشيئة الرب تعالى؛ إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم؛ لقوله تعالى: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {النساء:48}، وأما من تاب قبل موته فإن الله يتوب عليه، فلا يعذبه بذنبه؛ كما قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، ومن ساءت خاتمته - عياذًا بالله - وهو من أهل التوحيد، فإنه يخشى عليه أن يكون معذبًا بذنوبه في الآخرة، ولكن لا يلزم من سوء خاتمته أن يكون مخلدًا في النار، بل إن مات على التوحيد فهو تحت مشيئة الرب تعالى، وعاقبة أمره دخول الجنة ولا شك، قال الشيخ ابن عثيمين: مذهب أهل السنة والجماعة: أن كبائر الذنوب مهما عظمت إذا لم تصل إلى حد يخرج الإنسان من الملة، فإنه لا يكفر بها الإنسان، ثم إن مات وقد تاب منها، فإن الله يتوب على من تاب، كما قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، وإن مات قبل التوبة فهو داخل في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فهو تحت المشيئة؛ إن شاء الله عذبه، وإن شاء غفر له. انتهى.

والله أعلم.