لماذا تنتصر المقاومة الفلسطينية في غزة على الاحتلال الصهيوني؟
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
بمناسبة العدوان الصهيوني على غزة هناك سؤال يطرح نفسه وهو: ما السبب الأساسي والرئيس للنصر أو الهزيمة؟ في الحرب العالمية الأولى والثانية خسرت بريطاينا ضعف ما خسرته ألمانيا، ومع هذا انتصرت بريطانيا على ألمانيا، فلماذا كان هذا النصر؟النصر سببه الاحتفاظ بالروح المعنوية عالية، والصبر في الحرب حتى النهاية، فالحرب هدفها عادة كسر إرادة الخصم وتطويعها عبر تدمير روحه المعنوية، فالخسائر التي تحصل لأطراف الحرب هدفها إضعاف الروح المعنوية للخصم، وصولاً إلى تدميرها كي ينهار وتصبح إرادته رهنًا وطوعًا لإرادة عدوه الذي هزمه، ومن ثم يوافق على تحقيق أغراض وأهداف عدوه.
وبتطبيق هذا الكلام على الحرب الدائرة منذ عشرة أيام في غزة بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، فإن الكيان يحاول تطويع إرادة المقاومة كي تستسلم له ولأغراضه وتحقق أهدافه، وتتخلى ليس فقط عن المقاومة، ولكن تتخلى أيضًا عن سلاحها!
من الطبيعي أن تكون الخسائر في صفوف أهل غزة كبيرة، فالجيش الإسرائيلي ترتيبه رقم 11 عالميًا، وهو من أحدث الجيوش في العالم وأقوى جيش في المنطقة العربية، ولكن مع هذا فإن أهل غزة وقادة المقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد وشهداء الأقصى ولجان المقاومة الشعبية والجبهة الشعبية وغيرهم) متماسكون وروحهم المعنوية عالية وقوية، كما أن صمودهم يظهر أن لديهم قدرة كبيرة على تحمل الخسائر واحتوائها، والاستمرار في المقاومة فضلاً عن نجاحاتهم التكتيكية المتمثلة في عدة أمور هامة جدًا من أبرزها:
- الاستمرار في الضغط العسكري على كامل الرقعة الجغرافية، التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني عبر القصف الصاروخي والطائرات بدون طيار، وهجمات القوات الخاصة الفلسطينية الخاطفة خلف خطوط القوات الصهيونية.
- نجاحهم منقطع النظير في إخفاء أماكن إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار، فضلاً عن أماكن تخزينها وخطوط نقلها اذ لم يحقق الصهاينة أي إصابة مباشرة لأي من هذه المواقع حتى الآن.
- التصدي الفعال والناجح لمحاولات توغل القوات الخاصة والمدرعات الصهيوينة داخل أراضي غزة، وإيقاعها في كمائن وفخاخ معدة سلفًا، ومن هنا فإن المقاومة الفلسطينية في غزة تتعامل مع المعركة بطريقة صحيحة وتمتلك أدوات مناسبة لتحقيق أهدافها، هذا من الناحية العسكرية.
أما من الناحية السياسية فقد أظهرت القيادة السياسية للمقاومة حنكة ومهارة وصلابة وقدرة جيدة على تفاوض اتسم بالصلابة والمرونة في آن واحد، فهي صلبة في إصرارها على تحقيق أهدافها والحصول على ما تريد من مكتسبات، وفي نفس الوقت هي مرنة في أنها رغم إصرارها هذا فهي لا تقفل باب التفاوض، ولا باب العمل السياسي، مع تأكيدها على أن تفاوضها وتواصلها وممارستها للسياسة لا يهدف أبدًا لتقديم أي تنازل عن أهداف غزة الأساسية، وانما تفاوضها وتواصلها السياسي يهدف لتحقيق هذه الأهداف المرجوة.
وهناك أمر آخر مهم جدًا في المجال السياسي لدى المقاومة، وهذا الأمر هو الذي سيغير الخريطة الجيوستراتيجية، والجيوسياسية للمنطقة لصالح المقاومة الفلسطينية بشكل عام، ولصالح التيار الإسلامي بشكل خاص، باعتبار أن القوة الأكبر في المقاومة هي حماس والجهاد الإسلامي، كما أن شهداء الأقصى التي هي جناح كبير من فتح هي حركة غير معادية لا للإسلام ولا للإسلاميين، إذًا ما هو هذا الأمر؟
هذا الأمر هو أن المقاومة حددت لها هدفًا جديدًا يختلف عن أهدافها في كل مرحلة من مراحل الصراع السابقة، حيث قالت هذه المرة أنها لن تقبل بتهدئة مقابل التهدئة، ولكنها طالبت بضمانات لمنع تكرار العدوان الصهيوني على الفلسطينين في كافة الأراضي الفلسطينية (بما فيها الضفة والقدس)، ورفع الحصار والإفراج عن المعتقلين، القيمة الكبرى لهذه الأهداف والمطالب أنها ستدشن لاستقلال الأراضي المحررة، ولكن أنا أرى فيها ملمحًا آخر أكثر أهمية، وهو المهارة التي تتمتع بها قيادة المقاومة، والتي مكنتها من تقدير قوتها الحقيقية، ومن ثم تقدير المطالب والأهداف التي تتكافئ مع ما تمتلكه من قدرة وقوة سياسية وعسكرية، -وقبل هذا طبعًا التخطيط الدقيق والناجح لتحقيق هذه القدرات السياسية والعسكرية-.
فكما أنه من المهم أن تكون قويًا حائزًا لقدرات كبيرة فإنه مما لا يقل أهمية عن ذلك أن تدرك أنك قوي، وقادر، وتدرك كيف ومتى تستخدم هذه القوة والقدرة، فكم من قوي قادر لكنه لا يدرك حجم ولا نوع قوته وقدرته، ويتصرف بذلة ومهانة أو على الأقل لا يوظف ولا يستفيد بكامل قدرته وقوته وهذا -للأسف- كثير في عالمنا الإسلامي بعامة، وفي الحركة الإسلامية بخاصة.