أرشيف المقالات

البريد الأدبي

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
8 إلى الأستاذ الجليل صاحب (الرسالة) كتبت الكلمة التي نشرت في العدد الأخير من الرسالة حين اطلعت على تلخيصكم كتاب الدكتور عمر فروخ.
ثم اطلعت في هذا العدد على كتابه بنصه فعرفت أن الكاتب يدعي، والله يشهد أنها دعوى غير صادقة، أني سلخت من كتابه أربع قرائن: إشارة المعري إلى نظم اللزوميات، والإشارات التاريخية وأشهرها قصة صالح بن مرداس، وإشارة المعري إلى سنه، وإشارته إلى شيخوخته دون ذكر السن. فأما الأولى فهي في كلام المعري نفسه في مقدمة كتابه ولا يحتاج قارئ اللزوميات أن ينقلها عن أحد.
وأما قصة صالح فيعرفها كل من قرأ تاريخ المعري.
وقد ذكرها الدكتور طه حسين في كتابه ذكرى أبي العلاء قبل ثلاثين عاماً، وفصل القول فيها عبد العزيز اليمني في كتابه عن أبي العلاء، وذكرت في كتب أخرى.
وأما ذكر المعري سنه وشيخوخته فكل من قرأ اللزوميات وفهمها يستطيع أن يتتبع الأبيات التي تحدث فيها المعري عن عمره؛ فإن كان الكاتب يجادل في أني قرأت اللزوميات فمن شاء الجدال جادل، وإن كان يصدق أني قرأت اللزوميات فهل يصدق أني أمر بهذه الأشياء فلا أدركها وإنما أقرأ اللزوميات قاصداً تاريخها؟ ليعلم الدكتور عمر أني كتبت عن أبي العلاء رسالة قبل خمس وعشرين سنة وأني أكاد احفظ اللزوميات حفظا. ثم قد فطنت في بحثي إلى ما هو أدق وأخفى من هذه القرائن التي يدعي الدكتور عمر أني سلختها من كتابه؛ فطنت إلى ما خفي عليه ودق على فهمه، فعرفت إشارة المعري إلى وفاة الحاكم الخليفة الفاطمي، وإشارته إلى وفاة الوزير المغربي، وبينت من محمود ومسعود اللذان ذكرهما ومن آلك المذكور في قوله: (سيموت محمود ويفني آلك).
وفطنت إلى ترتيب الأوزان في اللزوميات، وهذه هي الدقائق التي تحتاج إلى علم بالتاريخ والأدب واستنباط. فهل يدعي أني أخذتها عنه كذلك؟ أو هل يظن أن الذي استخرج هذه الخفايا دون سلخ من كتابه يعجز عن إدراك القرائن الواضحة التي ذكرها؟ وقد تكلم عن توارد الخواطر.
وليس الأمر من باب توارد الخواطر؛ بل هي معان ماثلة وعبارات واضحة في شعر المعري يدركها كل أديب.
وليس فيها خواطر أو هواجس. وقد قلت أني لم اطلع على كتاب فروخ قط، وقال هو إن كتابه أرسل إلى العالم العربي والى لندن، وأن (العالم الحقيقي لا يهجم على عمل مثل هذا إلا بعد أن يتقصى الكاتب ويفتلي الكتب والمجلات). فإما إرسال كتابه إلى لندن أو إلى الصين فلا ينفي ما قلته صادقاً، أني لم اطلع حتى هذه الساعة على كتابه.
وأما أن العالم ينبغي أن يتقصى المكاتب فقد أردت أن أستخرج من اللزوميات أبي العلاء تاريخها فلم يكن لي مصدر سواها.
وإن كان جهلي كتاب عمر فروخ عيباً فأنا لا أخفي عيبي وأقول خجلا: إني والله أجهل عمر فروخ أيضاً.
وأقر بهذا الذنب، فليغفر لي ولا غضاضة عليه في هذا فقد جهلني هو فلم يعرف أخلاقي وسيرتي. وبعد فقد كان حسب الدكتور عمر أن يقول رجل مثلي أنه لم يطلع على كتابه.
كان هذا حسبه لو كانت أخلاقنا تستعظم أن يكذب باحث ديدنه طلب الحق مخلصاً.
لو كان لنا نصيب من أخلاق العلماء لكان قولي فيصلا في القضية. وأختم كلامي في هذا الموضوع بأن أقول: إني أرى من هواني على نفسي وضياع وقتي، أن أشغل نفسي بجدل ابتدأه صاحبه بهذا العدوان وهذا الافتراء وهذا التسرع.
فلن أكتب من بعد في هذا الموضوع حرفاً.
فمن شاء أن يجادل بالباطل ليعرف بنفسه فلا حيلة لي فيه. عبد الوهاب عزام المعري وعين سلوان: أبو العلاء المعري (نابغة الأدب العربي) أعجوبة من أعاجيب الزمان، فقد كان وهو منقمع قابع في حجرته يطل على الدنيا فيعلم مجهولا، ويرى خفياً. هذه عين سلوان، قل من يعرف من أهل القدس خاصتهم وعامتهم - وسلوان قرية تجاورهم - أن ماء تلك العين يقارب في ملوحته ماء زمزم. إن أبا العلاء قد عرف ذلك، وذكر الماء وعينها في شعره فقال في لزومية: وبعين سلوان التي في قدسها ...
طعم يوهم أنه من زمزم وقال في لزومية أخرى: سيحان للروم عذب، ليس مورده ...
ملحا كزمزم أو عين بسلوان هذا المعري الضرير، في قلبه ألف عين. (الوحدة) (السهمي) رسالة إلى (الرسالة): عاد من رحلته إلى فلسطين صديقنا الكاتب الكبير الأستاذ عباس محمود العقاد؛ وقد كان في هذه الرحلة القصيرة موضع التعظيم والتكريم والأستاذية: يدعى فيجيب، ويستفاد فيفيد، ويستفهم فيفهم.
وفي العدد القادم سننشر أولى مقالاته بعد عودته وعنوانها: (رسالة إلى (الرسالة)). عتاب قرأت بحثاً قيماً للأستاذ فؤاد عوض واصف في العددين 633و634 من مجلة الرسالة تحت عنوان (التاريخ ما هو) استعرض فيه علم التاريخ وما دار حوله من نظريات منذ العصور الأولى حتى العصر الحاضر وحاولت عبثاً أن أجد ولو كلمة عابرة عن جهود العرب وخدماتهم في كتابة التاريخ وتطوره فلم أظفر بطائل، ولعل ذلك راجع إلى أن الأستاذ اعتمد في كتابة بحثه على مؤلفات أجنبية تغفل في أكثر الأحيان فضل العرب والمسلمين.
وإذا أجمع علماء العرب مع الأسف على أمر خطأ لا يعني ذلك أنه صار صواباً، وإذا كانت أوربا العصور الوسطى مظلمة تمزقها منازعات الملوك والأمراء وتفتك بها حروب دينية شعواء لا يعني ذلك أن أوربا هي العالم وإن تاريخها تاريخ العالم، لأن العالم الإسلامي في ذلك الوقت كان يغمره النور ويسوده الأمن والسلام، وإذا تعامى الغرب عن هذا النور فما أجدرنا أن ننبه أنفسنا وأولادنا والدنيا إليه. جاء في المقال الأول (وحتى القرن الثالث عشر الميلادي كان التاريخ في معظمه وقائع وأخباراً دينية) وهو قول ينطبق على مؤرخي أوربا المسيحية ولا ينطبق على مؤرخي العرب أمثال ابن جرير والمسعودي وابن الأثير وغيرهم كثير لأن مؤلفاتهم ليست في معظمها أخباراً دينية، إنما كانت تسرد أخبار الدولة وأسباب قيامها وسقوطها ووصف البلاد مع ضجة الأخبار ودقة الوصف ولا سيما ما اختص بالدول التي نشأت بعد الإسلام.
كما أنه لم يشر إلى ابن خلدون شيخ مؤرخي العرب الذي قال عنه بحق الأستاذ (فلنت) الإنجليزي أنه (واضع علم التاريخ) مع أنه ذكر مكيافلي (واضع علم الغدر السياسي) الذي ذاق منه العالم ولا يزال الشيء الكثير.
أشكر الأستاذ على بحثه القيم الشامل وآمل إلا ينسى أجداده العرب حينما يمرون به في أبحاثه المقبلة لأنهم أهله وعشيرته وموضع فخره وعزته. (غزة - فلسطين) حلمي أمان تحية الشعر: (مهداة إلى الطبيب الأديب الكبير مصطفى الديواني مؤلف (صديق العائلة)) سألتك يا مصطفى فلتجبني ...
كتابك من أي سحر وفنّ؟ كتابك علمٌ وشدو معاً ...
فهل كنت تكتبه أم تُغني؟ كتابك في الضاد حلم الزمان ...
تحقق للناس بعد التمنّي بلغت به منزلاً في الخلود ...
يزيد على كلّ وهم وظنّ وأُقسم من يهتدي بهداه ...
فقد لاذ من كل سقم بحصن ومن عجب أن يصوغ الطبيب ...
كتاباً أراه عن الطبّ يُغني! (المنصورة) علي متولي صلاح وطرابلس الغرب أيضاً: قرأت ما سجلته مجلتكم الغراء في عددها 135 للأستاذ حسن أحمد الخطيب بعنوان (مراكش العربية تستصرخ) فله خالص الشكر على هذه الروح العربية التي نتمنى أن نلمسها في كل كاتب. وأحب أن أقول: إن بلادنا طرابلس الغرب التي تتاخم مصر من الغرب لها نفس هذه الاستغاثة وهي تطلب من جميع رجالات العروبة ومن جميع من يهمهم شأن البلاد العربية المقسمة بين الدول العظمى أن يلتفتوا إلى هذا الجزء من البلاد العربية التي تعتبر وحدة لا تنفصم، وأن يعيروه بالغ اهتمامهم وأن يرقبوا بعين ساهرة متيقظة ما يجري في هذه الأيام حول بلدنا المسكين من مساومة وجذب إلى اليمين والى اليسار، وأن يعلموا أنه قطر مستقل استقلالا تاماً بمقتضى المعاهدة التركية الإيطالية سنة 1912، غير أن إيطاليا أضاعت ذلك الاستقلال وأبعدت ذلك القطر من المحيط العربي، ويطلبوا - والحق يؤيدهم - إرجاع ذلك القطر العربي إلى ما كان عليه من الاستقلال. وإن جميع الطرابلسيين لينظرون بتلهف إلى مجهود هؤلاء الرجال الذين نستطيع بمساعدتهم وحسن مسعاهم أن نشق طريقنا ظافرين منتصرين وهذا هو وقت العمل فإلى الأمام جميعاً. (رواق المغاربة - الأزهر) علي محمد المسلاني أول وزير كتب الأستاذ محمود عزت عرفة في عدد (الرسالة 635) كلمة تحت عنوان (قرد وحمار)، ونقل فيها حكاية تروي عن ابن عباس من كتاب (نشوار المحاضرة) للقاضي التنوخي، وفيها كلام عن الوزارة والوزير (وما كان يتهدد الوزراء يوم ذاك من خلع وقتل وحبس واستصفاء) وقد تكون هذه القصة صحيحة، ولكن روايتها عن ابن عباس بعيدة كل البعد، ذلك أن ابن عباس رضي الله عنه توفي في النصف الثاني من القرن الأول، وأذكر الآن أنه توفي في حدود الثمانين، وقد حضر مقتل عبد الله بن الزبير في سنة 73 من الهجرة وكان قد كف بصره في ذلك الحين، وإن أول من لقب بالوزارة أبو سلمة الحلال وزير عبد الله السفاح في سنة 132 من الهجرة، على أن ما كان ينال الوزراء من حبس وقتل واستصفاء لم يشع إلا في القرن الثالث والرابع، وإن كانت قد وقعت حوادث قبل ذلك لم تبلغ حد تبغيض الوزارة إلى الناس، كما حدث مع أبي سلمة هذا، ومع أبي مسلم الخراساني ومع البرامكة. ومثل هذه الحكايات، والأضاحيك التي تروج بين العامة إنما تتناول أمراً مشهوراً واضحاً بارزاً. فلعل الأستاذ اخطأ فنسب الرواية إلى ابن عباس، أو لعله غفل عن خطأ صاحب (نشوار المحاضرة) (بنباقادن) علي جلال الدين شاهين من هو ابن الحنفية؟ قرأت كتاب (على ضفاف دجلة والفرات) للأستاذ طاهر الطناحي، غير أنه لفت نظري قول الأستاذ في صفحتي 15و101 أن محمد بن علي بن الحسين هو المعروف بابن الحنفية، ولم أفهم حتى الآن أن محمد بن علي بن الحسين عرف بهذا اللقب، غير أنني أعرف أن ابن الحنفية هو (محمد بن علي بن أبي طالب) (الكويت) فاضل خلف الشيخ ثابت فرج الجرجاوي في ضحوة يوم الأحد الثاني من سبتمبر الجاري، توفي المغفور له الشيخ (ثابت فرج الجرجاوي) وقد جاء في نعيه الموجز أنه.

عالم جليل وخطيب مفوه ووطني صادق.

ولكن قليلا من القراء من حملت إليهم هذه النعوت معنى خاصاً عن حياة الفقيد، أو سجلت في خواطرهم صورة واضحة من حاضره وماضيه. عكف الفقيد منذ فجر حياته على الدراسة بالأزهر الشريف، حتى أحرز فيه العالمية الأهلية؛ ولكن حماسته الفطرية، وتحفزه ونشاطه اللذين لازماه إلى آخر أيام حياته، ثم موهبته الخطابية الممتازة، ونعرته الوطنية الصادقة، الجارفة.

كل هذه الخلال دفعت به إلى الانغمار في تيار السياسة، انغمارا نبه من ذكره ورفع من شأنه، وكشف للناس عن ينبوع ثر من عبقريته ومواهبه.
وقد اعتقل الفقيد بين من اعتقلوا في حوادث عام 1916.
ثم نفى إلى مالطة في ركاب الزعيم الخالد سعد زغلول، وكان هذا الحادث أنصع نقطة في صفحة حياته، كما كان يقول - غير مرة - عن صدق ويقين، ولما استقرت الأمور في نصابها وعاد إلى وطنه، كان أحد أولئك الذين لم يلتمسوا من وراء جهادهم الثروة أو الجاه، وإنما اندمج في سلك التعليم يؤدي رسالته ساكناً متواضعاً، حتى انتهى به المطاف بعد سنين إلى نظارة مدرسة أولية في بلدته جرجا. وهنا تبدأ صفحة أخرى من حياته كان فيها رجلا (اجتماعياً) من الطراز الأول؛ فما تأسس ببلده مشروع، ولا دعي إلى مصلحة عامة، إلا كان أول ملب وأسبق مؤيد ومؤازر.
خطب في مئات الحفلات، ورثى وكرم، وودع ووعظ، وصنع على يده وعينه جيلا من الشباب كلهم يسلك نهجه ويأتم بهداه. وكان شعر الشيخ ثابت متوسطاً في الجودة، ولكنه كان يضفي عليه الجمال كله يحسن إلقائه وتدفق بيانه.
وكان إذا اعتلى المنبر شاعراً أو ناثراً، يهدر هدير الفنيق، ويزأر زئير الأسد، فترجف حوله القلوب، وتشد إليه المسامع والأبصار.
كان رجلا فحلا في قوله وعمله وأخلاقه.

بل وفي منظره، فهو ابن الثورة ورييبها ومذكي ضرامها حقاً.
وكان - على هذا - رقيق العاطفة حلو الدعابة بارع النكتة، سمحاً نقي السريرة لا يكن لمخلوق عداوة؛ ولقد شهدته غير مرة ينشج بالبكاء في مواقف الرثاء، بل وفي بعض مواقف التوديع! ومن شعره الذي يدور على الألسنة منذ عهد الثورة قصيدته التي يقول في مطلعها: وطني عزيز لا أروم سواه ...
مهما تسوَّرت العدى مبناه ولا تتسع هذه العجالة لإيراد شيء من كلامه، وإنما نختمها بالإشارة إلى مبلغ نشاطه حتى في آخر لحظات حياته؛ فقد كان رحمه الله - على أصابته بالفالج الجزئي منذ سنوات - يشغل منصب النظارة في مدرسة أولية كما ذكرنا، وكان وكيلا ومدرساً بالمعهد الديني المنشأ حديثاً في جرجا، ومدرساً بجمعية المحافظة على القرآن الكريم، ورئيساً لرابطة التعليم الأولى والإلزامي، ورئيساً لجمعيتي نهضة القرى ومنع المسكرات بجرجا، والريب أن جميع هذه المنشآت يكاد يرجع إليه وحده فضل إنشائها! تلك نبذة موجزة عن حياة الشيخ ثابت فرج تؤدي بها حق الوطن والتاريخ.
والله يرحمه ويحسن جزاءه.
(جرجا) محمود عزت عرفة

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١