تأملات علمية في إبداع الذات الإلهية - (الحلقة الثانية – الجنين)
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
تأملات علمية في إبداع الذات الإلهيةبقلم/ أحمد السعيد استعرضنا في الحلقة السابقة الإعجاز الإلهي في خلق الخلية الحية، و في هذه الحلقة سنستعرض إبداع الخالق تبارك وتعالى في خلق الجنين وتكوينه وتهيئة الظروف له ليخرج إلى الحياة.الرحم ..القرار المكين: الرحم عضو مجوف له عضلات متينة، ولا يزيد حجمه عن 50 سنتيمتر مكعب، ومن حكمة الله أن هذا الرحم يزيد حجمه تدريجيًا طوال فترة الحمل حتى يصل حجمه إلى 1100 سنتيمتر مكعب، كما أن وجود الرحم وسط عظم الحوض للمرأة يجعله ملاذًا آمنًا للبويضة المخصبة حيث يتم حفظها طوال فترة نموها.خلايا التروفوبلاست ..الحماية الإلهية للجنين:يهاجم النظام الدفاعي في جسد المرأة أي جسم عضوي غريب يدخل إلى الجسم لأنه يعد عدوًا، ويعد الجنين جسمًا غريبًا بإعتباره يحمل معلومات جينية مختلفة عن المعلومات الجينية لجسد الأم، وفي الأيام الأولى لتكوين الجنين تبدأ الخلايا الدفاعية بالاستنفار والتوجه نحو الرحم للقضاء على الجنين، إلا أن مشيئة الحكيم اللطيف تأبى أن يمر الأمر على هذه الصورة؛ فيهيئ الله خلايا التروفوبلاست لتشكل مصفاة بين الأوعية الدموية للأم وبين الجنين فلا تستطيع الخلايا الدفاعية العبور؛ وتفشل محاولة القضاء على الجنين.المشيمة .. جسر الحياة بين الأم والجنين: يقوم الجنين بعد فترة معينة بأخذ الغذاء والأكسجين والمواد الأخرى الضرورية لنموه من دم الأم، ويكون ذلك عن طريق المشيمة؛ التي تقوم بتوصيل تلك المواد إلى الحبل السري ومن ثم إلى الشعيرات الدموية للجنين، ولا تقوم المشيمة بذلك فقط بل تقوم باختيار الأغذية اللازمة لتكوين الأنسجة الجديدة وتوصيلها للجنين، هذا وتختلف المواد التي يحتاجها الجنين في مراحل نموه المختلفة؛ وتقوم المشيمة باختيار المواد المناسبة للجنين وفقًا لمرحلة نموه وتقوم بسحبها من دم الأم ونقلها للحبل السري الذي يقوم بدوره بنقل تلك المواد إلى الجنين مباشرًة.
ولا يقتصر دور المشيمة على السالف ذكره فحسب بل تتعداه إلى امتصاص ثاني أكسيد الكربون وفضلات الغذاء الخارجة من جسم الجنين؛ حيث يقوم "العرقان النابضان للسرة" – وهما عرقان دمويان داخل الحبل السري- بسحب الفضلات وثاني أكسيد الكربون من جسد الجنين وإرسالهما إلى المشيمة، في حين يقوم العرق الجامع للسرة بتوصيل الأوكسجين والغذاء غلى الجنين، وهكذا يشاء الخالق عز وجل أن يكون هناك داخل ذلك الحبل الرفيع – الحبل السري- مساران من وإلى الجنين؛ فآخر يمده بالغذاء والثاني يسحب منه الفضلات؛ فيا له من إبداع محكم وتصميم معقد.
التحضير لعملية التنفس: لم تنس العناية الإلهية التجهيز لعملية التنفس الأولى التي سيقوم بها الجنين في العالم الخارجي؛ فالجنين قد تعود في رحم أمه على الحصول على الأوكسجين من خلال الحبل السري؛ فهل هناك تهيئة لتلك العملية التي سيقوم بها الجنين في العالم الخارجي للمرة الأولى؟؟؛ الإجابة هي نعم، فعندما يبلغ عمر الجنين الستة أشهر يبدأ الحجاب الحاجز (الذي يربط القفص الصدري بالبطن) ببعض حركات التقلص والإنبساط في الساعة الواحدة وعلى فترات متقاربة، ولكنه يستمر في تلك العملية بعد الولادة بشكل دائم.السائل السلي..
سائل متعدد المهام: مع اقتراب خروج الجنين إلى النور يتكون سائل يحيط بالجنين يسمى بالسائل السلي، إذ يبدأ الجنين في شربه؛ مما يساعده على تذوق المالح والمر والحلو والحامض، وبعد مدة تنشط غدده اللعابية أيضاَ، وللسائل السلي مهام أخرى تصب في عملية تهيئة الجنين للتعامل مع العالم الخارجي؛ إذ يساعد شرب ذلك السائل على تهيئة أمعاء الجنين لعملية الامتصاص؛ ويهيئ الكليتين لامتصاص ذلك السائل اي يقوم بتشغيل الكليتين.كما أن وجود ذلك السائل يقوم بتوفير حرارة ثابتة للجنين، فمن المعروف أن السوائل تقوم بتوزيع الحرارة بشكل متساو، وهكذا فالسائل السلي يقوم بتوزيع الحرارة على كل أجزاء الجنين بشكل متساو.
الغذاء الأول في الحياة: بعد أن يخرج الجنين إلى النور تعد له العناية الإلهية غذائه الأول في هذه الحياة ألا وهو حليب الأم، وحليب الأم يختلف عن الحليب البقري في عدة أمور وهي كالتالي: يحتوي حليب الأم على نسبة أقل من مادة الكازائين صعبة الهضم والتي تكون متواجده بشكل أكبر في حليب البقرة، مما يساعد الطفل على الهضم بشكل أفضل.يحتوي حليب الأم على نسبة أعلى من سكر اللاكتوز؛ إذ تبلغ نسبته في حليب الأم 7 جرامات لكل لتر بينما تبلغ نسبته في حليب البقرة أقل من 5 جرامات لكل لتر.
يحتوي حليب الأم على حامض اللينوليك وهو الحامض الدهني الوحيد الذي يجب أن يتزود به الطفل مع الغذاء.
بالإضافة إلى ذلك فحليب الأم يحتوي على نسبة عالية من الأجسام المضادة الضرورية لحماية الطفل من الجراثيم؛ فالطفل الذي انتقل من الجو المعقم الخالي من الجراثيم في رحم الأم إلى العالم الخارجي الملئ بالجراثيم لابد أن يحتاج إلى ما يحميه ويقيه من تلك الجراثيم، وهذا ما قامت به يد العناية الإلهية إذ مدت حليب الأم بنسبة كبيرة من الأجسام المضادة لكي تحمي الطفل من أي نوع من أنواع الجراثيم.
كانت تلك رحلة قصيرة في إبداع القدرة الإلهية فيما يتعلق بالجنين وتهيئة الظروف لنشأته وتكوينه.المراجع: معجزة خلق الإنسان – هارون يحيى.