أرشيف المقالات

بحث نفسي اجتماعي

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
8 لماذا لا تكون سعيداً؟ للأستاذ عبد العزيز جادو كثيراً ما يتوق الناس إلى ما ليس في متناول أيديهم، لا لأنهم يريدون هذا الشيء بذاته، ولو أنهم يظنون بأنهم سيكونون سعداء إذا حصلوا عليه، ولكن لأن هناك شيئاً يفتقرون إليه في تركيبهم العقلي والروحي ومن أوهام الجنس البشري أن يعتقد أن السعادة رهينة بشيء أو مكان أو زمن؛ أو بأنه يمكن الاستحواز عليها بالمال، أو بأنها توجد في جهة دون أخرى، أو بأنها ستأتي حتما على أجنحة الزمان، وكل أولئك - لعمر الحق - من بعض الترهات التي تعتري الناس في طفولة التفكير السعادة لا يمكن أن تشرى بمال لأنها حالة من حالات العقل - الحالة المستمدة من الداخل موجهة إلى الخارج - وستتبعك إلى كل مكان، وفي كل وقت وفي كل حالة إذا أنت نظرت إلى الأشياء والحالات التي تحيط بك بعين مميزة فاحصة، وعندئذ تعرف أن التمييز والتقدير هو الحب، وأن الحب هو أن تكون سعيداً وبعد، فما الأشياء التي تجعلك سعيداً أو شقياً؟ أنت اليوم تقول إنك سعيد لأن لديك ما كنت تريد.
وبعد شهر ستكون شقياً وتود أن تحصل على شيء آخر، وستكون سعيداً مرة أخرى عندما يضئ أمامك أمل الحصول على رغبتك الجديدة؛ وشقياً عندما ينهار بسبب نكبة ما.
والفقر الحقيقي أو الشقاء ليس في أن تمتلك القليل بل هو في أن تشتهي الكثير، فلكي يكون المرء سعيداً عليه أن يكون قنوعاً فالقناعة كنز لا يفنى السعادة التي تترجح من خيط واه إنما هي كرغبات محسوسة معرضة للسقوط والضياع.
هذى السعادة مثلها في الخداع كمثل السراب الرغبة، والطموح، والتأميل فيما هو أحسن، كل أولئك ضروري للتقدم الإنساني ولاسيما إذا فسرت كما يجب أن تفسر فهي مبعث السعادة.
ولكنه التفسير الذي يخفف كفة الصواب أو كفة الخطأ في الميزان.
فإذا رغبنا في شيء صائب يستحق الاهتمام وجدنا طريقة أو أخرى نحصل بها عليه ويمكننا أن نعيش في الأمل سعداء.
وعلى ذلك، يجب علينا أ نذكر أن ليس هناك شيء مادي يستحق أن نزن كل سعادتنا به؛ فإذا كانت رغباتك تهدر سعادتك، فغربلها جيداً وانظر كم منها غير مجد، ورض نفسك على أن تقذف به بعيداً لا تكن متتبعاً لأولئك الأغرار الواهمين لأنه ينقصهم العقل، إنهم يرون قشور الأشياء لا لبابها، والشيء الذي يعوزهم هو المقدرة على التغلغل في أعماق الأشياء، أي التفرس والتبصر والاستشفاف إن المغنطيس الكهربي يجذب الحديد عندما يسري التيار في وحداته، كذلك تجذب الشخصية السعادة عندما يتدفق تيار عقل ثاقب في شعوره الداخلي.
ربما يكون المرء محبوباً من شخص ومكروهاً من آخر، والاتجاهات العكسية ما هي إلا محض رد فعل لفكرة فردية تتبعها مقارنة للشخص المعين طبقاً للفكر والمقاييس المعينة لرجل بعينه.
والمرء يحتمل أن يكون في الحقيقة غير مستحق حب أحد له أو كراهية أحد؛ أو ربما يستأهل حب كل منهما.
ولكن شعورهما المحدود يمنعهما رؤية الحقيقة كاملة واضحة. وهكذا يواجه الناس الحياة.
وغالباً ما تكون التأويلات الشخصية هي التي ترقى بالعقول التي لا تتسع لإدراك الأشياء إدراكاً شاملاً، وبغير ذلك يضيع الكثير من الجمال والسعادة.
فإذا أمكن الفرد أن يرى السعادة في شيء فلم لا يمكن أني يراها الجميع؟ ألم يكن الفرق غالباً في عقل الفرد؟ أنت لا يمكنك أن تكون سعيداً لأن عندك ما عندك، ولكن لأنك تحب ما عندك.
وقوة الحب والكراهية كامنة في نفسك، واتجاهك الفردي نحو شيء وصلتك الشخصية به هي التي يعتد بها ربما تكون هنا، أو هنالك، أو في أي مكان، فإذا أضاء قلبك وسما عقلك ستشعر بالسعادة تغمر نفسك.
أما إذا فكرت بأنك عوملت بإجحاف، أو إذا ظننت أنه لا يمكنك الحصول على ما ترغب، أو إذا لم يبد لك الجو جميلاً، فلا يمكن أن تملك إلا الحزن عندما تمطر السماء ويكفهر الجو وتتلبد السحب بالغيوم يشعر الكثيرون بالتعاسة إذ يقولون (أين هي الشمس؟ يا له من يوم عبوس!) ويفهم آخرون - وهم أسمى روحاً - أن هناك وراء تلك السحابة المليئة بالمياه الغدقة شمساً لا تزال تشع.
أليس من الخرق أن يخدع بمثل نقاب رفيع كهذا أناس عقلاء ذوو حس؟ ومع ذلك فالحد الذي يفصل بين الفرح والحزن دقيق كما أنه خداع؛ مبهم لمن يميلون للظاهر، وواضح لمن أوتوا الإيمان والذكاء فيرون الحق من خلالهما إذا كان حب شخص هو ما تظن أنه سيجعلك سعيداً فلا تعتمد على ذلك الحب.
أحبب بقوة ما استطعت ولكن لا تطلب الحب إن لم تر هناك استجابة.
الحب الصادق القوي هو المثل الأعلى، ولكن إذا كان هناك تفاوت كبير في الطبع وأنت نفسك الشخص الذي لا يميل إلى التبادل فيحسن بك كثيراً أن تنقل انتباهك - مع إرادتك - إلى شخص آخر أكثر تلبية والحب في صدق وإخلاص ورزانة يمكن أن نطلق عليه بسهولة مسألة انتباه انقل انتباهك، فينتقل حبك.
وأنت لا تحب كل الملايين من الناس المحبوبين لأنك لا تعيرهم انتباهك، ولأنك لا تعرفهم معرفة ألفة، ولذلك لا يمكنك أن تفهم حياتهم.
سيأتيك الحب بأخذك الاتجاه الإيجابي نحو الشخص الذي تحب واهباً لا سائلاً، معطياً خطتك الحكيمة الاعتبار والانتباه الضروريين.
ثم إن التعاسة ناشئة معظمها عن أننا نتصور غيرنا أسعد حالاً منا، وعن أننا نريد أن نكون دائماً أسعد من سوانا.
والشخص إذا أضاع كل شيء فعليه ألا يفقد الأمل وحب العمل.
فالعمل المنتج يرفع القلب ويعلي الفكر ويشرف الشعور ويؤله النفس.
وهل هناك سعادة فيما عدا ذلك أو في شيء غير ذلك؟ عبد العزيز جادو دبلوم علم النفس وعضو نادي المتكلمين بإنجلترا

شارك الخبر

المرئيات-١