آداب المقرض والمقترض
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
آداب المقرض والمقترضالديون والقروض راية ارتفعت على رؤوس عدد من الناس، فالديون والقروض ظاهرة انتشرت في عدد من البيوت، وهي داء أخاف قلوب الآمنين، وعائق كّبل أيدي السخيين.
فقد تكاثرت الديون والقروض على الناس حتى انتهى ببعضهم الأمر إلى السجون أوإلى لجنة تبيع الممتلكات لتعيد للدائنين أموالهم وحقوقهم.
لاشك أن من نافلة القول التأكيد على أن من آداب الدائن التيسير على المعسر، وحسن الاقتضاء، والتجاوز عن المحتاج، ومن آداب المدين المبادرة إلى تسديد الدين وعدم المماطلة وحسن القضاء.
فأول ما يجب على المقرض ألا يستعمل الربا، فإذا عجز المقترض عن وفاء الدين فعليه أن ينظر أخاه المسلم المعسر بالإحسان، ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:280].
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (من أنظر معسراً فله بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين، فإذا حل الدين فأنظره، فله بكل يوم مثلاه صدقة).
وأول ما يجب على المقترض أن يحسن القضاء إلى صاحب الدين وأن يعجل بتسديد الدين دون مماطلة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أعرابياً جلفاً غليظاً في خطابه، فأغلظ له، فهمَّ به أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: دعوه، فإن لصاحب الحق مقالاً....
فإن خيركم أحسنكم قضاءً) رواه مسلم.
إنّ أقل ما يمكن فعله في هذا الشأن هو توعية الناس وتذكيرهم بأهمية التحلي بآداب المقرض والمقترض في الإسلام.
أولاً: أخي المسلم تذكر التنفير من الاستدانة واستشعر أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام في عاقبة الديون، كما في صحيح الترمذي - رحمه الله - "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يُقْضَى عنه" وكذا ما رواه مسلم - رحمه الله - "يُغفر للشهيد كل ذنب إلا الدَّين".
ثانياً: أخي المسلم لا تلجأ إلى الاقتراض إلا إذا كنت مضطراً، وأن يكون ذلك في حدود ضيقة فقد روى البخاري - رحمه الله - عن عائشة - رضي الله عنها - "أن النبي عليه الصلاة والسلام اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل ورهنه درعاً من حديد"، لأن من فوائد الرّهن أن يبادر المستدين إلى أن يكون جاداً في سداد ديونه.
ثالثاً: أخي المسلم اتق الله قبل الدَّين ومعه وبعده، بحيث ينصب دَيْنُك على رفع ضيق أو حاجة عن نفسك أو أهلك، واصدق العزم في رد المبالغ المستدانة عند تيسر ذلك، لأن ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].
ولأن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال - كما في صحيح ابن ماجة - رحمه الله - "ما من مسلم يدان دَيْناً يعلم الله منه أنه يُريد أداءه إلا أداه الله عنه في الدنيا".
رابعاً: أخي المسلم اعلم أن الدَّين هم بالليل ومذلة بالنهار، يقول القرطبي - رحمه الله - في تفسيره "وإنما كان الدَّين شيناً ومذلة لما فيه من شُغل القلب والبال والهم اللازم في قضائه والتذلل للغريم عند لقائه، وتحمل مِنَّته بالتأخير إلى حيث أوانه…".
خامساً: أخي المسلم تنبه لمساوئ البطاقات الائتمانية، فقد تبين أن مَنْ يستعملها يقع في محذورين:
أحدهما: الإسراف في المصاريف والاستغراق في الديون.
وثانيهما: الوقوع في دائرة الرِّبا، إن لم يستطع السداد في المدة المتفق عليها.
سادساً: أخي المسلم ابتعد قدر الإمكان عن التقسيط، إذ أصبح الناس في اندفاع كبير نحو شركات ومكاتب ومؤسسات التقسيط بشكل لافتٍ للنظر، وهذه ظاهرة غير صحية في مجتمع مسلم، وما ذلك إلا لأن التقسيط هو بداية المزلة والانزلاق في أتون الديون.
سابعاً: أخي المسلم ليكن لسانك رطباً بذكر الله تعالى، ثم بدعائه والالتجاء إليه سبحانه، وردِّد "اللهم إني أعوذ بك من ضلع الدَّين" اقتداءً بالرسول القدوة الأسوة عليه الصلاة والسلام الذي علمنا أن نقول:
"اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجُبْن والبُخْل وضلع الدَّين وغلبة الرجال" كما في صحيح البخاري - رحمه الله -.
فقد كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يُكثر من الدعاء ويطلب السلامة من ضلع الدَّين (وهو الذي لا يجد دائنه ما يؤديه من حق أو مال).
فعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يدعو في صلاته قائلاً: "اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم" (أي الدَّين).
فقال رجل: يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "إن الرجل إذا غرم كذب، ووعد فأخلف".
ويؤخذ من هذا أن الاستعاذة من الدًّين والاستدانة أمر مطلوب، لأنه ذريعة إلى الكذب في الحديث، الخُلف في الوعد مع ما لصاحب الدَّين من المذلة والمهانة، وما عليه من المقال.