أدلة تحريم جرائم الشرف من القرآن
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
أدلة تحريم جرائم الشرف من القرآنتوجد أدلة كثيرة على تحريم ما يسمى بجرائم الدفاع عن الشرف نذكر منها:
1– قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ [التكوير: 8، 9]
وجـه الاستدلال بالآيتين الكريمتين:
قال القرطبي: " سؤال الموءودة توبيخ لوائدها، وهو أبلغ من سؤالها عن قتلها؛ لأن هذا مما لا يصح إلا بذنب، فبأي ذنب كان ذلك، فإذا ظهر أنه لا ذنب لها كان أعظم في البلية، وظهور الحجة على قاتلها [1]"
والموءودة المقتولة، وهي الجارية تدفن، وهي حية سميت بذلك؛ لما يطرح عليها من التراب يثقلها حتى تموت، وكانوا يدفنون بناتهم أحياء خوفا من السبي، والاسترقاق.[2]
2- قوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179].
وجـه الاستدلال بالآية الكريمة:
تفيد الآية الكريمة أن حكم القصاص الذي شرعه الله فيه الحياة؛ لأن الرجل إذا علم أنه يقتل قصاصا إذا قتل كف عن القتل، وانزجر عن التسرع إليه، والوقوع فيه، فيكون ذلك بمنزلة الحياة للنفوس الإنسانية، وهذا نوع من البلاغة بليغ، وجنس من الفصاحة رفيع، فإنه جعل القصاص الذي هو موتٌ حياةً باعتبار ما يؤول إليه من ارتداع الناس عن قتل بعضهم بعضا إبقاء على أنفسهم، واستدامة لحياتهم، وجعل هذا الخطاب موجها إلى أولي الألباب؛ لأنهم هم الذين ينظرون في العواقب، وأما من كان مصابا بالحمق، والطيش، والخفة فإنه لا ينظر عند ثورة غضبه، وغليان مراجل طيشه إلى عاقبة، ولا يفكر في أمر مستقبل، ثم علل سبحانه هذا الحكم الذي شرعه لعباده بقوله ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ أي تحمون أنفسكم من القتل بالمحافظة على القصاص، فيكون ذلك سببا للتقوى[3].
والآية قاعدة تشريعية عامة تقتضي بعمومها منع ما يسمى بجرائم الدفاع عن الشرف قبل وقوعها، وترفعها بعد الوقوع.
3- قـوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ [الإسراء: 33] .
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
تفيد الآية الكريمة حرمة القتل بشتى صوره وأنواعه إلا بحق ثابت كالقصاص، ومن قتل بغير حق ومن ذلك القتل بدافع حماية الشرف، فالحق لوليه في القصاص أو الدية.[4]
4- قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 178].
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
تقتضي الآية الكريمة حرمة القتل بدافع حماية الشرف، جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الدية، فقال الله تعالى لهذه الأمة: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾ [البقرة: 178] فالعفو أن يقبل الدية في العمد، فإتباع بالمعروف، وأداء إليه بإحسان يتبع بالمعروف، ويؤدي بإحسان ذلك تخفيف من ربكم، ورحمة مما كتب على من كان قبلكم، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم، أي قتل بعد قبول الدية.[5]
5- قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ﴾ [الفرقان: 68].
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
تفيد الآية الكريمة حرمة قتل النفس إلا بالحق المقرر شرعا، ولا يجوز القتل خارج ذلك كما في دعوى حماية الشرف والدفاع عنه، قال ابن القيم: " وتأمل كيف جاء إتلاف النفوس في مقابلة أكبر الكبائر، وأعظمها ضررا، وأشدها فسادا للعالم، وهي الكفر الأصلي، والطارئ والقتل، وزنى المحصن، وإذا تأمل العاقل فساد الوجود رآه من هذه الجهات الثلاث وهذه هي الثلاث التي أجاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن مسعود بها حيث قال له يا رسول الله أي الذنب أعظم، قال أن تجعل لله ندا، وهو خلقك، قال: قلت ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قال: قلت ثم أي؟ قال أن تزاني بحليلة جارك،[6] فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون الآية " [7]
6- قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 4].
وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 23 - 25].
وجه الاستدلال بالآيات الكريمة:
تفيد الآيات الكريمة أن الرمي بالزنا محرم، وكبيرة، وما يؤدي إليه من جرائم يكون محرما بالبداهة، والمحصن هو الحر المسلم العاقل العفيف عن الزنا، والمجتمع الإسلامي الأصل فيه الإحصان.[8]
7- قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 92].
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
هذه آية من أمهات الأحكام، والمعنى ما ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ، والنفي يفيد التحريم، أي تحريم القتل العمد ومن ذلك ما يسمى بجرائم الشرف.[9]
8- قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمً ﴾ [النساء: 93].
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
الآية الراجح أنها محكمة، والوعيد الشديد الوارد فيها يفيد تحريم القتل العمد بشتى صوره، وأنواعه، ومن ذلك ما يسمى بجرائم الشرف.[10]
[1] أحكام القرآن ج 19 ص 234.
[2] أنظر أحكام القرآن، القرطبي ج19 ص 233.
[3] أنظر: فتح القدير ج 1 ص 176
[4] أنظر: أحكام القرآن، لابن العربي، ج3ص197
[5] صحيح البخاري، باب ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ [البقرة: 178]، رقن 4228، ج4 ص1636
[6] صحيح البخاري، باب إثم الزنا، رقم 6426، ج 6 ص 2497.
[7] أعلام الموقعين ج2ص127.
[8] الكافي في فقه الإمام أحمد ج4ص216.
[9] أنظر: تفسير القرطبيج5، ص311.
[10] أنظر: تفسير القرطبي ج5، ص335.