أرشيف المقالات

زكاة الدين أو المال المغصوب أو المسروق

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
كتاب الزكاة
زكاة الدين أو المال المغصوب أو المسروق
المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع
 
قوله: (ومن كان له دَيْنٌ أو حقٌّ من مغصوبٍ أو مسروقٍ أو موروثٍ ونحوه من صداقٍ وغيره على مليٍّ أو غيره؛ أدَّى زكاته إذا قبضه لما مضى، ولا زكاة في مال من عليه دينٌ ينقص النصاب، ولو كان المال ظاهرًا: كالمواشي والحبوب والثمار، وكفارةً: كالدَّين) [1].
 
قال في ((الإفصاح)): ((واختلفوا في الدَّيْن، هل يمنع وجوبَ الزكاة على الإطلاق؟
فمذهب أبي حنيفة[2]: أنه إذا كان له مطالِب من جهة العِباد يمنع وجوب الزكاة في مثله من الأموال الباطنة، فإن زاد مقداره عليها تعدَّى إلى الأموال الظاهرة، فمنع بمقدار ما بقي منه.

وقال مالك[3]: لا يمنع من الأموال الظاهرة، ويمنع من الأموال الباطنة.

وعن الشافعيِّ[4] قولان في الجميع، أظهرهما: أنه لا يمنع.

وقال أحمد[5]: الدَّين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة.
روايةً واحدةً.


وعنه في الأموال الظاهرة روايتان[6]:
أحدهما: لا يمنع.
والأخرى: يمنع)
)
[7].

((واختلفوا هل يلزم إخراج الزكاة عن الدَّين قبل قبضه إذا حال عليه الحول؟
فقال أبو حنيفة[8] وأحمد[9]: إذا كان له دَينٌ على رجلٍ فحال عليه الحول، ووجب فيه الزكاة لم يلزمه أداؤها قبل القبض، سواء كان مقدورًا على أخذه أو لم يكن، فإذا قبضه زكَّاه لما مضى.

وقال مالك[10]: إن كان مقدورًا له والمال على حاضر مليءٍ زَكَّاه، وإلا فلا حتى يقبِضَه فيزكِّيَه لما مضى.

وقال الشافعيُّ[11]: إن كان له على مليءٍ يقدر على أخذه منه من غير مرافعة إلى حاكم لزمته زكاته، وإن لم يقبضه، وإن كان على مليءٍ حاضر إلا أنه يحوجه إلى مرافعة واستعداء عليه، أو كان على غائبٍ لم يلزمه إخراجها حتى يقبِضَه، فإذا قبضه أخرج لما مضى، قولاً واحدًا.
وإن كان على مُعْسِرٍ لم يلزمه أداؤها عما عليه.

فإذا أيسر وقبضه منه فهل يلزمه أداؤه لما مضى؟ فيه قولان.

واختلفوا في المال الضِّمَار، وهو المدفون في صحراء وقد نسي[12] مكانه، والمال الواقع في البحر، والدَّيْن المجحود إذا حلف ولا بينة له.

فقال أبو حنيفة[13]: لا زكاة فيه للمدَّة التي لم يقدر فيها عليه، ويستقبل به حولاً من حيث قدر عليه.

وقال مالك[14]: يزكِّيه مالكه إذا وجده لعامٍ واحدٍ، إذا كان دفينًا، روايةً واحدةً.

واختلفت الرواية عنه، هل يزكِّيه لأكثر من عام؟
ففي رواية: أنه يزكِّيه على الإطلاق.
والثانية: لا يزكيه على الإطلاق.
والثالثة: إن كان في الدار زكَّاه، وإن كان في الصحراء فلا زكاة عليه.

وأما الدَّيْن المجحود، فيُزكَّى إذا قبضه لعامٍ واحدٍ.

وللشافعي[15] فيه إذا كان في صحراء ونسي موضعه قولان، وكذلك في المال المجحود.

وقال أحمد[16]: يزكِّي الكل إذا قبضه لما مضى)
)
[17].

وقال ابن رشد: ((وأما المالكون الذين عليهم الديون التي تستغرق أموالهم، أو تستغرق ما تجب فيه الزكاة من أموالهم، وبأيديهم أموالٌ تجب فيها الزكاة، فإنهم اختلفوا في ذلك:
فقال قومٌ: لا زكاة في مالٍ حَبًّا كان أو غيره حتى تُخرج منه الديون، فإن بقي ما تجب فيه الزكاة زُكِّي وإلا فلا، وبه قال الثوري وأبو ثور، وابن المبارك وجماعةٌ.

وقال أبو حنيفة وأصحابه[18]: الدَّيْن لا يمنع زكاة الحبوب، ويمنع ما سواها.

وقال مالك[19]: الدَّيْن يمنع زكاة النَّاضِّ[20] فقط، إلا أن يكون له عروضٌ فيها وفاءٌ من دَينه فإنه لا يمنع.

وقال قومٌ بمقابل القول الأول، وهو أن الدَّيْن لا يمنع زكاةً أصلاً.

والسبب في اختلافهم: هل الزكاة عبادةٌ، أو حقٌّ مرتَّبٌ في المال للمساكين؟
فمن رأى أنها حقٌّ لهم قال: لا زكاة في مال مَن عليه دَيْنٌ؛ لأن حق صاحب الدَّيْن متقدِّم بالزمان على حقِّ المساكين، وهو في الحقيقة مال صاحب الدَّين لا الذي المال بيده.


ومن قال: هي عبادةٌ.
قال: تجب على من بيده مالٌ؛ لأن ذلك هو شرط التكليف وعلامته المقتضية[21] [200ب] الوجوب على المكلَّف، سواء كان عليه دَينٌ أو لم يكن، وأيضًا فإنه قد تعارض هنالك حَقَّان حَقٌّ لله وحق للآدمي، وحقُّ الله أحقُّ أن يُقضَى، والأشبه بغرض الشرع إسقاط الزكاة عن المديان؛ لقوله عليه الصلاة والسلام فيها: ((صدقةٌ تُؤخَذ من أغنيائهم، وتُرَد على فقرائهم))[22].

والمدين ليس بغني، وأما من فرق بين الحبوب وغير الحبوب، وبين الناضِّ وغير الناضِّ فلا أعلم له شُبهةً بيَّنةً، وقد كان أبو عبيد يقول: إنه إن كان لا يُعلم أن عليه دينًا إلا بقوله لم يُصدَّق، وإن علم أن عليه دينًا لم يؤخذ منه، وهذا ليس خلافًا لمن يقول بإسقاط الدَّين الزكاةَ، وإنما هو خلافٌ لمن يقول: يُصَدَّقُ في الدَّين كما يُصَدَّقُ في المال.

وأما المال الذي هو في الذِّمة - أعني: في ذِمة الغير - وليس هو بيد المالك: وهو الدَّين، فإنهم اختلفوا فيه أيضًا، فقومٌ قالوا: لا زكاة فيه وإن قبض حتى يستكمل شرط الزكاة عند القابض له، وهو الحول.
وهو أحد قولي الشافعيِّ[23]، وبه قال الليث أو هو قياس قوله.

وقومٌ قالوا: إذا قبضه زكّاه لما مضى من السنين.


وقال مالك[24]: يزكيه لحولٍ واحدٍ، وإن أقام عند المديان سنين إذا كان أصله عن عوضٍ، وأما إذا كان عن غير عوضٍ مثل الميراث، فإنه يستقبل به الحول، وفي المذهب تفصيلٌ في ذلك)
)
[25].

وقال في ((الفروع)): ((ولا يبني الوارث على حول الموروث.
ذكره أحمد[26] في رواية الميموني، وابن عبدالبَرِّ إجماعًا[27]، وللشافعي[28] قولٌ: يبني)
)
[29].

وقال البخاريُّ[30].

وقال الشيخ ابن سعدي:
((سؤال: هل يمنع الدَّينُ وجوبَ الزكاة أم لا؟
الجواب: في هذا تفصيلٌ، فإن كان الدَّين بعد وجوب الزكاة، لم يمنعها مطلقًا؛ لأن الزكاة وجبت، وصار أهلُ الزكاة كالشُّركاء لصاحب المال، فكما أن شركاء الإنسان في المال لا يأخذ أهل الديون من حقِّهم شيئًا، فكذلك أهل الزكاة إذا وجبت.

وإن كان الدَّين بسبب مؤنة الزرع والثمر، كمؤنة الدياس، والحصاد، ونحوها وكذلك لو كان بسبب ضمان لم يُسقط الزكاة؛ لوجوبها في الصدر الأول؛ ولكون الدَّين في الضمان له مقابل.

وإن كان الدَّين موجودًا قبل وجوب الزكاة منع الزكاة بقدره في الأموال الباطنة، كالنقدين، والعروض؛ لأنه في الحقيقة كأنه غير مالك لما تعلَّق به الدَّين.

وإن كان المال ظاهرًا: كالمواشي، والحبوب، والثمار، فهو عنهما على قولين: وهما روايتان عن أحمد[31]، المشهور منهما أيضًا: المنع.

والصحيح: عدم المنع؛ لأن أخذ الزكاة من الأموال الظاهرة جارية مجرى الشعائر للدين، فإذا كان سبب الزكاة، وهو النصاب موجودًا فيها، فالقول بأن الدَّين يسقطها يمنع هذا المقصود.
ولأن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه إرسالُ السُّعاة لقبض زكاة الأموال الظاهرة، ولا يستفصلون أهلها، هل عليهم دَينٌ، أم لا؟)
)
[32].

وقال في ((الاختيارات)): ((لا تجب في دَينٍ مؤجَّلٍ، أو على معسرٍ، أو مماطلٍ، أو جاحدٍ، ومغصوبٍ، ومسروقٍ، وضالٍّ، وما دفنه ونسيه، أو جهل عند مَن هو، ولو حصل في يده، وهو روايةٌ عن أحمد[33]، واختارها وصحَّحها طائفةٌ من أصحابه.
وهو قول أبي حنيفة[34].


ودَيْن الابن الذي له على أبيه.
قال أبو العباس: الأشبه عندي أن يكون بمنزلة المال الضال، فيُخرَّج على الروايتين، ووجهه ظاهرٌ، فإن [كان] الابن غير متمكِّنٍ من المطالبة، فقد حيل بينه وبينه، ولو قيل: لا تلزمه زكاته بمنزلة دَين الكتابة؛ لكان متوجِّهًا.

وتجب الزكاة في جميع أجناس الأجرة المقبوضة، ولا يُعتبر لها مُضي الحول، وهو روايةٌ عن أحمد[35]، ومنقولٌ عن ابن عباس[36])
)
[37].


[1] الروض المربع ص156.

[2] فتح القدير 1 /486، وحاشية ابن عابدين 2 /275- 276.

[3] المنتقى شرح الموطأ 2 /113.

[4] تحفة المحتاج 3 /337، ونهاية المحتاج 3 /132.

[5] شرح منتهى الإرادات 2 /181- 182، وكشاف القناع 4 /324- 325.

[6] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 6 /342- 343.

[7] الإفصاح 1 /213 ط السعيدية.

[8] فتح القدير 1 /491- 492، وحاشية ابن عابدين 2 /323.

[9] شرح منتهى الإرادات 2 /172، وكشاف القناع 4 /318.

[10] ينظر: المنتقى شرح الموطأ 2 /114.

[11] تحفة المحتاج 3 /335- 336، ونهاية المحتاج 3 /131.

[12] كذا في الأصل، والذي في الإفصاح: تبين.

[13] فتح القدير 1 /489- 490، وحاشية ابن عابدين 2 /282.

[14] الشرح الصغير 1 /218، وحاشية الدسوقي 1 /457.

[15] تحفة المحتاج 3 /332- 333، ونهاية المحتاج 3 /129، والمجموع 5 /314.

[16] شرح منتهى الإرادات 2 /172- 173، وكشاف القناع 4 /321- 322.

[17] الإفصاح 1 /298- 300.

[18] فتح القدير 1 /487، وحاشية ابن عابدين 2 /277.

[19] المدونة 1 /254.

[20] الناض: الدراهم والدنانير بلغة أهل الحجاز، قال أبو عبيد: إنما يسمونه ناضًّا إذا تحول عينًا بعد أن كان متاعًا.
المصباح المنير ص317، مادة نض.

[21] من أول الموضع الحادي والتسعين إلى هنا غير واضح في الأصل، وتم تدارك ما خفي منه من مصادر المؤلف.

[22] أخرجه البخاري 1395، ومسلم 19، من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما.

[23] تحفة المحتاج 3 /335- 336، ونهاية المحتاج 3 /131.

[24] الشرح الصغير 1 /218، وحاشية الدسوقي 1 /457.

[25] بداية المجتهد 1 /228.

[26] شرح منتهى الإرادات 2 /186، وكشاف القناع 4 /331.

[27] الاستذكار 9 /88 12558- 12559.

[28] المجموع 5 /330.

[29] الفروع 2 /340.

[30] كذا بالأصل، ولم يكمل النقل.

[31] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 6 /342- 343، وشرح منتهى الإرادات 2 /181- 182، وكشاف القناع 4 /324- 325.

[32] الإرشاد ص469.

[33] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 6 /325- 333.

[34] بدائع الصنائع 2 /824.

[35] المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين 1 /245.

[36] مصنف ابن أبي شيبة 3 /160، ومسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبدالله ص162.

[37] الاختيارات الفقهية ص98.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣