أرشيف المقالات

الحجز والتنفيذ (5)

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
فقه التقاضي
الحلقة الحادية والثمانون
الحجز والتنفيذ (5)

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله - مستمعيَّ الأفاضل - في برنامجكم: "فقه التقاضي"، وكنا في الحلقات الماضية دلفنا إلى "باب الحجز والتنفيذ"، وهو الباب الثاني عشر من نظام المرافعات السعودي، الصادر عام 1421هـ، وهو باب مهمٌّ؛ لأهمية موضوعه؛ إذ هو ثمرة الحكم النهائي المكتسب للقطعية.

وقد تقرَّر في الشريعة الإسلامية الأمر بأداء الحقوق إلى أصحابها؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].

والأصل في أداء الأمانات والحقوق أن يكون اختياريًّا؛ كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخُنْ مَن خانك))؛ أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه.

ولكن إذا امتنع مَن وجب عليه أداء الأمانة من إنفاذ ما وجب عليه شرعًا، فإنه يُلزم بذلك جبرًا، عن طريق السلطة في حال صدور حكم قضائي بذلك؛ لأن التنفيذ ثمرة القضاء، و"لا ينفع تكلُّمٌ بحق لا نفاذَ له"؛ كما جاء في كتاب عمر بن الخطاب إلى قاضيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما.

والمقصود بتنفيذ الأحكام في النظام القضائي: إجبار المحكوم عليه على القيام بما أُلزم به عينيًّا، أو القيام به على نفقته؛ كالإلزام بتسليم عين معينة، أو إقامة بناءٍ ونحوه (ويسمى التنفيذ المباشر)، أو الحجز على أمواله العقارية والمنقولة ونزع ملكيتها وبيعها جبرًا عنه لاستيفاء حق الدائن من قيمتها (ويسمى التنفيذ غير المباشر).

وسبق التذكير بأن الباب الثاني عشر من نظام المرافعات قد حمل عنوان: "باب الحجز والتنفيذ"، واشتمل على خمسة فصول، بدأت بأحكام عامة في الفصل الأول.

وفي الفصل الثاني تفصيل لحجز ما للمدين لدى الغير.

ويعالج الفصل الثالث الحجز التحفُّظي على أموال المحكوم عليه.

وفي الفصل الرابع بيان إجراءات التنفيذ على أموال المحكوم عليه.

وقد وقفنا عند الفصل الخامس الذي يعالج توقيف المدين وحبسه كي يسدد ما وجب عليه، إنفاذًا للحكم الصادر بحقه، ووفاءً لحق المحكوم له.

والوفاء بالحقوق واجب شرعي، ومَن امتنع منه أُلزم بقوة السلطان، ولو بحبسه، استظهارًا للحق، وإلجاءً للمماطل.

قال صلى الله عليه وسلم: ((مَطْلُ الغني ظُلم))، وهو مخرج في الصحيحين، وعند أبي داود وغيره: قال صلى الله عليه وسلم: ((لَيُّ الواجد يُحِلُّ عِرضه وعقوبته))، قال ابن المبارك: (يحل عرضه: يغلظ له، وعقوبته: يحبس له)؛ (سنن أبي داود 3 /313).

جاء في المادة الثلاثين بعد المائتين من نظام المرافعات:
(إذا امتنع المحكوم عليه من تنفيذ الحكم الصادر ضده لغير عذر الإعسار، ولم يمكن التنفيذ على أمواله، جاز للمحكوم له طلب توقيف المحكوم عليه بموجب عريضة يرفعها إلى الحاكم الإداري المختص، وعلى الحاكم أن يأمر بوقف الممتنع لمدة لا تزيد عن عشرة أيام، وإذا أصر المحكوم عليه على الامتناع عن التنفيذ بعد تلك المدة، فيحال إلى المحكمة التي يقيم المحكوم عليه في نطاق اختصاصها للنظر في استمرار توقيفه، أو إطلاق سراحه على ضوء النصوص الشرعية).

وأما إذا كان الامتناع عن تنفيذ الحكم بحجة الإعسار، فتبيِّن المادة الحادية والثلاثون بعد المائتين أنه: (متى كان الامتناع عن تنفيذ الحكم بحجة الإعسار، فيحال المحكوم عليه إلى المحكمة التي أصدرت الحكم للتحقُّق من إعساره أو عدمه).

والإعسار: قلة ذات اليد، وفي الاصطلاح: عدم القدرة على النفقة، أو أداء ما عليه بمال ولا كسب.

ومثله الإفلاس، ومعناه في اللغة: الانتقال من حالة اليُسر إلى حالة العُسر، وفي الاصطلاح: أن يكون الدَّين الذي على الشخص أكثرَ من ماله؛ "الموسوعة الفقهية الكويتية (5 / 246)".

فإذا امتنع المحكوم عليه من أداء ما وجب عليه مدَّعيًا الإعسار، فإنه يحال إلى المحكمة لتنظر في ثبوتِ ما يدَّعيه من الإعسار.

وتبيِّنُ اللائحة التنفيذية للمادة السابقة أن النظر في الإعسار من اختصاص المحاكم الشرعية، مهما كان مصدر ثبوت الحق.

وأن المحكمة التي نظرت الدعوى بأصل الحق هي التي تنظر دعوى الإعسار، ما لم يكن مدَّعي الإعسارِ سجينًا أو موقوفًا في بلد آخر، فينظر إعساره في محكمة البلد التي هو سجين أو موقوف فيها.

وأن النظر في الإعسار يكون في مواجهة الغرماء أو بعضهم.

وأن للقاضي الأمر - في ضبط القضية - بسجن المدين عند الاقتضاء، استظهارًا لحاله، وبحثًا عن أمواله، وتحديد مدة كافية لا تزيد عن أربعة أشهر في المدة الواحدة قبل عرض المدين عليه مرة أخرى، ويرجع تحديد عدد مرات سجنه للقاضي، ولا يمنع ذلك من طلبه في أي وقت، والنظر في القضية.

وأن على الجهات الإدارية المعنيَّة التحريَ عن أموال المدين قبل النظر في دعوى الإعسار.

وأنه إذا لم يثبت إعسار المدين، فعلى ناظر القضية تحديد مدة كافية لعرضه عليه مرة أخرى، ولا يحُول ذلك عن طلب المدين النظر في إعساره خلال هذه المدة متى ظهر ما يوجبه.

وفي المادة الثانية والثلاثين بعد المائتين:
(إذا أدى المحكوم عليه بالتوقيف ما حكم به أو أحضر كفيلًا غارمًا، أطلق سراحه، وفي كل الأحوال، فمتى ظهر له مال، فإطلاق سراحه لا يمنع من تنفيذ الحكم بطريق الحجز على أمواله بالطرق الاعتيادية).

وتوضح اللائحة التنفيذية أن على المحكمة الكتابة لوزارة العدل لطلب الإفادة عن أموال مدَّعي الإعسار في الحالات الآتية:
أ- إذا كانت الديون حقوقًا للدولة.
ب- إذا أرشد الدائن إلى أموال مدينه وحدد مكان العقار وموقعه بالمدينة.
ج- إذا ظهر للمحكمة أو لجهة التنفيذ أن للمدين أموالًا عقارية، وتم تحديد مكانها، والمدين يحاول إخفاءها.

مستمعيَّ الأفاضل:
بحديثنا في هذه الحلقة نختم الباب الثاني عشر من نظام المرافعات السعودي المخصص للحجز والتنفيذ، وموعدنا بإذن الله تعالى في الحلقة القادمة للحديث عن الباب الثالث عشر، المخصص للحديث عن القضاء المستعجل.

وحتى ذلك الحين أستودعكم الله تعالى.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لصالح القول والعمل، وأن يعيننا على أداء ما وجب علينا دون مَطْلٍ أو ظلم.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢