أرشيف المقالات

صيانة الأعراض

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
صيانة الأعراض

أجمعت الشرائع السماوية على تحريم الزنا؛ لِمَا فيه من الحطِّ بكرامة الإنسان وجعله كالبهائم، مع أن بعض البهائم تأبى هذا السلوك، وإلى جانب هذا انحلالُ الأسر، وتفكُّك الروابط، وانتشار الأمراض، وطغيان الشهوات بين أفراد المجتمع، وبالتالي انهيار الأخلاق، واختلاط الأنساب، ومن هنا فقد حرَّم الإسلام الزنا، بل لقد حرَّم كل المقدِّمات التي توصل إليه: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]، والإسلام يُعنَى بنظافة المجتمع وطهارته، وسلامة الأعراض والأخلاق، فإذا كانت هذه الأمور مطلوبةً، فالوسائل التي توصل إليها مطلوبة، ولو ترك الإسلام ذلك، فإن انتشار هذا الانحراف قد يُؤثِّر في المجتمع الإسلامي في رؤية المنكرات فتُبعِده عن الحميَّة الدينية والعصبية الإسلامية، وفي هذا خطورة على المجتمع الإسلامي، والفواحش هي السبب الأساسي للعدوى بالأمراض الزهرية، وما ينتج عن ذلك من تعطيل للعمل، وصرف للأموال في العلاج، ثم عزوف الشباب والشابات عن الزواج وبناء الأسرة، واستنفاد الطاقة التي خلقها الله في هدف واحد قريب، وإهمال النواحي الأخرى.
 
ومن اهتمام الإسلام بالعِرْض أنه جعل عقوبةً أدبية للزاني إلى جانب العقوبة المادية؛ ذلك أنه حرَّم زواج الزاني أو الزانية من غير صنفِهما، فقال: ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 3]، وذلك لونٌ من ألوان الحرمانِ من الحقوق الأدبية، فالنكاح سبب المودَّة والرحمة، فكيف يكون الخبيث زوجًا للطيب؟
 
وكيف يمكن أن يكون أحدهما سكنًا للآخر؟
ومنه أيضًا أن يشهد عذابَهما طائفةٌ من المؤمنين، وفي هذا إيلامٌ لنفسَيْهما بعد إيلام جسمَيْهما، فضربُهما أمام الناس يجعل العار أبلغ، وفي هذا شهادة عامة بين الناس جميعًا بأنهما قد تجرَّدا من إنسانيتِهما فلا حق لهما في إعادة الاعتبار، وشهادة مجموعة من الناس للحد ضروريٌّ لتحقيق أثره وغايته في الزجر، وقد شُدِّدت العقوبة على الزاني المحصن؛ ذلك لأن الإحصان يصرف الشخص عادة عن التفكير في الزنا، فإذا ما فكر فيه بعد ذلك فإنما يدل تفكيره فيه على قوة اشتهائه للذَّة المحرَّمة، فوجب أن تكون العقوبة فيها من قوة العذاب ما يجعل الإنسانَ إذا ما فكر في اللذة المحرمة، وذكر معها العقوبة المقررة، تغلب التفكير في العقوبة على التفكير في اللذة المحرمة.
 
والقذف كما يرى الإسلام هدمٌ معنوي للمسلم الذي يوجه إليه، والألم الذي يصيب المقذوف من جرَّائه ألم نفسي بالغ الأثر، والقذف عادةً تضعف لديه الضوابط الخُلُقية التي تجعله يقل عند حدوده، والعقاب البدني الذي قرره الإسلام وقتي لا تلبث آثاره أن تزول، بينما آثار القذف النفسية مستمرَّة لفترات طويلة؛ ولهذا تضمَّن حد القذف عنصرًا يمثل الإيلام النفسي، ويَصِمُ القاذف وصمةً أخلاقية باقية تطارده في المجتمع الإسلامي إلى أن يتوب، ويتجلى هذا في إهدار أهليته للشهادة في أي وقت، فهو وصف غير مباشر بأنه كذاب، ولا تعاقب الشريعة على القذف إلا إذا كان محض اختلاق، فإن كان تقريرًا للواقع فلا جريمة، كمَن يقذف امرأة بالزنا، وقد سبق أن وقعت عليها عقوبة الزنا أو كان معها ولد لا يعرف له أب.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢