أرشيف المقالات

موجبات الغسل

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
موجبات الغسل

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في منهج السالكين: "ويجبُ الغُسلُ من الجنابة؛ وهي إنزالُ المنيِّ بوطءٍ أو غيرِه، أو بالتقاء الختانين، وبخروج دم الحيض والنفاس، وموتِ غير الشهيد، وإسلامِ الكافر، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ﴾ [المائدة: 6]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 222]؛ أي: إذا اغتسلن، وقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالغُسل من تغسيل الميِّت، وأمر مَن أسلم أن يغتسل".
 
الشرح:
الغُسل: هو اغتسالُ الإنسان وإمرارُه الماءَ على جميع بدنه.

موجبات الغسل:
المواضع التي يكون فيها الغسل واجبًا:
أولاً: خروج المني دفقًا بلذة:
وقولنا: بلذَّة، يخرج ما لم يكن بلذَّة؛ كأن يخرج المنيُّ لشدة برد، أو كثرة حركة، أو مرضٍ، ونحوه؛ ففي هذه الحالةِ لا يوجب غسلاً، بل عليه الوضوء فقط.

ويدل على ذلك ما يلي:
أ- قال تعالى: ﴿ ...وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا...
[المائدة: 6].
والجُنُب: هو الذي خرج منه المنيُّ دفقًا بلذَّة، وسمِّي جنبًا؛ لأنه يجتنب مواضعَ الصلاة وقراءة القرآن.

ب- حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها: أنَّ أمَّ سليم رضي الله عنها قالت: يا رسُول الله، إن الله لا يستحيي مِن الحقِّ، هل على المرأة من غُسلٍ إذا هي احتلمَت؟ قال: ((نعم، إذا رَأت الماءَ))[1].
الاحتلام: اسمٌ لما يراه النائمُ من الجِماع، فيَحدث معه إنزالُ المنيِّ غالبًا.

وأجمَع العلماءُ على وجوب الغُسل من خروج المني.

المنيُّ: ماءٌ غليظٌ أبيض عند الرجل، وهو رقيقٌ أصفر عند المرأة، يخرج عند اشتداد الشهوةِ بدفقٍ، ويعقب خروجَه فتورٌ، له رائحةٌ كرائحة العجين، جاء في حديثٍ عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن ماء الرَّجُل غليظٌ أبيضُ، وماءُ المرأة رقيقٌ أصفر، فمن أيِّهما علا أو سبق يكُونُ منه الشَّبه))[2].

فخروج المنيِّ مِن مُوجبات الغُسل، سواء كان ذلك بتكرار النظر، أو المباشرة، أو الجِماع، أو غير ذلك.

فائدة: حديث أمِّ سليم رضي الله عنها السابق، علَّق النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيه الاغتسالَ برؤية ماء المني.

وبناء عليه؛ فلو أنزلَ مذيًا؛ فلا غُسل عليه، بل يكتفي بنضحِ ما أصاب الثيابَ، وغسلِ القبل كاملاً، ثم يتوضَّأ، وكذلك لو احتلم ولم يرَ شيئًا؛ فلا غُسل عليه أيضًا.
 
ثانيًا: الجماع وإن لم يُنزل:
ويدلُّ على ذلك: حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جلس بين شُعبها الأربع[3] ثُمَّ جهدها، فقد وجب الغُسلُ))[4]، وزاد مسلم: ((وإن لم يُنزل))[5]، وهذا دليلٌ على أن الجماعَ وإن لم يُنزل أحدهما يُوجب عليهما الغُسل بمجرَّد الإيلاج.

قال ابن هبيرة رحمه الله: "وأجمعوا على أن الغُسل بالتقاء الختانين"[6].
 
ثالثًا: انقطاع دم الحيض والنفاس:
ويدل على ذلك:
أ- قوله تعالى: ﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ [البقرة: 222]؛ أي: حتى يغتسلن.

ب- حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حُبيش رضي الله عنها: ((دعي الصَّلاة قدر الأيَّام التي كُنت تحيضين فيها، ثُمَّ اغتسلي وصلِّي))[7].
 
رابعًا: الموت لغير شهيدِ المعركة:
فإذا مات المسلمُ وجب على المسلمين تغسيله، إلا الشهيد في المعركة فإنه لا يغسَّل؛ لحديثٍ جاء عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ادفنُوهم في دمائهم))؛ يعني: يوم أُحُدٍ، ولم يُغسِّلهم[8].
 
ومن الأدلَّة على وجوب تغسيل الميت إذا لم يكن شهيدًا ما يلي:
أ- حديث ابن عباس رضي الله عنهما المتَّفَق عليه، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن وقصَتْه ناقتُه بعرفه: ((اغسلُوه بماءٍ وسدرٍ))[9]، والأصل في الأمر الوجوب.

 
ب- حديث أمِّ عطية رضي الله عنها المتفق عليه حين ماتت ابنةُ النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((اغسلنها ثلاثًا))[10].

فائدة: السقط: وهو من سقط من بطن أمِّه قبل انتهاء مدَّة الحمل.

هل يجب تغسيله؟
الجواب: إن نُفخ فيه الروح - أي إذا أتمَّ أربعةَ أشهر فصاعدًا - فإنه يُغسَّل ويكفَّن ويصلَّى عليه، وأما إذا لم تُنفخ فيه الروح فلا.

خامسًا: الغُسل من تغسيل الميت: فمن غسَّل ميِّتًا فإنه يُسنُّ له أن يغتسل.
ويدلُّ على ذلك: حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من غسَّل ميِّتًا فليغتسل، ومَن حمله فليتوضأ))[11]، وقد اختُلف في صحَّة هذا الحديث، وله طرقٌ كثيرة، والصواب أن الحديث موقوفٌ على أبي هريرة رضي الله عنه[12].

وعلى القول بأنه مرفوع، فإن الصارف عن الوجوب قولُ ابن عمر رضي الله عنهما: "كنَّا نغسِّل الميتَ، فمِنَّا من يغتسل، ومنا من لا يغتسل"[13].

وأيضًا لم يأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم الذين غسَّلوا من وقصَتْه راحلته في الحجِّ فمات أن يَغتسلوا، ولم يأمر اللاتي غسَّلنَ ابنتَه كأمِّ عطية رضي الله عنها ومن معها أن يغتسلنَ، ولو كان واجبًا لأمرهم.
 
سادسًا: إسلام الكافر:
على قول المؤلِّف رحمه الله فإن الكافر إذا أسلم يجب عليه الاغتسال.
والقول الراجح - والله أعلم - أن الكافر إذا أسلم يُستحب له الاغتسال، وبه قال جمهورُ العلماء.

ويدل على ذلك:
أ- حديث قيس بن عاصم رضي الله عنه: "أنه أسلم فأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماءٍ وسدر"[14]، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن ثمامة بن أثال عندما أسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اذهبُوا به إلى حائط بني فُلانٍ، فمُرُوه أن يَغتسل))[15].

والصارِف عن الوجوب: العددُ الكثير والجمُّ الغفير من الصحابة الذين أسلَموا، ولم يُنقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالاغتسال.

قال الزركشي رحمه الله: "لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَأمر به معاذًا رضي الله عنه - أي: حين بعثه إلى اليمن - ولو وجب لأمره بِه؛ إذ هو أوَّل الواجبات بعد الإسلام، ولأن ذلك يقع كثيرًا، وتتوفَّر الدواعي على نقله، فلو وقع لاستفاض".

مستلة من: بداية المتفقهين في شرح منهج السالكين (كتاب الطهارة)

[1] رواه البخاري برقم (282)، رواه مسلم برقم (313).

[2] رواه مسلم برقم (311).

[3] المقصود بشُعبها الأربع: فخذاها ورجلاها، وقيل غير ذلك.

[4] رواه البخاري برقم (291)، رواه مسلم برقم (384).

[5] رواه مسلم برقم (384)

[6] انظر: الإفصاح (1/83).

[7] رواه البخاري برقم (325)، رواه مسلم برقم (333).

[8] رواه البخاري برقم (1346).

[9] رواه البخاري برقم (1265)، رواه مسلم برقم (1206).

[10] رواه البخاري برقم (1253)، رواه مسلم برقم (939).

[11] رواه أحمد برقم (9862)، رواه أبو داود برقم (3161).

[12] قال البخاري: "والأشبه أنه موقوف "، وقال أبو حاتم: "لا يرفعه الثقاتُ، إنما هو موقوف"، وكذا رجَّح وقفَه البيهقيُّ؛ وانظر تلخيص الحبير لابن حجر (1 / 363).

[13] رواه الدارقطني (2/ ص72/ ح4)، وصححه ابن حجر والألباني.

[14] رواه أبو داود برقم (355).

[15] رواه أحمد برقم (8037).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١