أرشيف المقالات

أسباب التبرج

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
أسباب التبرج

1- الجهل وقلة العلم الشرعي:
فمن أعظم أسباب التبرج الجهل بالله وعن الله، فلو عرفت الأخت المسلمة قدر ربها - عز وجل - ما تبرجت أبدًا، ولو أنها تعلمت عن الله - عز وجل - وعن رسوله صلى الله عليه وسلم لعلمت أن تبرجها يجرها إلى النار.
 
"وكلما كانت المرأة بربها أعرف؛ كانت منه أخوف، فإذا قارفت ذنبًا أو معصية؛ رجعت إلى ربها تائبة مفضية، تخاف من ويلات الذنوب، وتترك لذة عيشها في سبيل أن تَلْقَى ربها وهو راضٍ عنها، فيغفر الله ذنبها، ويستر عيبها، وهو الذي يفرح بتوبة عباده إذا تابوا إليه"[1].
 
و من أسباب التبرج قلة العلم الشرعي، وقلة العلماء العاملين بعلمهم الذين يحملون القدوة الحسنة لمجتمعهم، وكثرة الجهال الذين يحملون القدوة السيئة لهم[2]، فمن النساء مَنْ تجهل أشياء كثيرة من أحكام الزينة واللباس؛ بل مِنَ النساء مَنْ لا تعرف أن الحجاب فرضُ عينٍ عليها مثل الصلاة! ومن النساء من تعرف الكثير من ذلك ولكنها لا تقيم لحكم الشرع وزنًا في مقابل تلبية شهواتها.
 
2- ضعف الإيمان:
فالإيمان الصادق إذا تمكن في القلب ظهرت آثاره على الجوارح، فيتقيد المتصف به بأوامر الله ونواهيه، وإذا ضعف الإيمان في النفوس استحسنت القبيح، واستقبحت الحسن، وصار المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله[3].
 
ولضعف الإيمان دور كبير في ارتكاب المعاصي والذنوب، يقول صلى الله عليه وسلم : "لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ"[4]، وصاحبة الإيمان القوي يمنعها إيمانها من ارتكاب ما حرم الله من السفور والتبرج، ويجعلها تلبس الحجاب استجابة لأمر ربها - عز وجل -، قال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 53]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59].
 
3- حرص أعداء الإسلام على إبعادنا عن ديننا:
قال الله تعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120]، فأعداء الإسلام يكيدون لنا بالليل والنهار سرًا وعلانيةً، في الداخل والخارج، وقد عَلِمَ هؤلاء أن صلاح المرأة المسلمة صلاحٌ للمجتمع، وفسادها فسادٌ للمجتمع كله، فبدأوا يغوونها بشتى الطرق؛ لكي يفسدوها علينا، وللأسف الشديد استجاب لهم ولدعواتهم كثير من نساءنا ونَسَيْنَ ماضيهن المشرق الطاهر، نَسَيْن تاريخ أمهاتهن وقدواتهن زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والصحابيات -رضوان الله عليهن- جميعًا، فسِرن خلف الطوفان بجهلٍ عجيب وتقليد أعمى بغيض.
 
وإليك شيئًا من أقوال بعض هؤلاء الأعداء:
قال (بوله) الماسوني سنة 1879م: "تأكدوا تمامًا أننا لسنا منتصرين على الدين إلا يوم تشاركنا المرأة فتمشي في صفوفنا".
 
وجاء في نشرة سرية: "ليس من بأسٍ بأن نضحي بالفتيات في سبيل الوطن القومي، وماذا عسى أن نفعل مع قوم يؤثرون البنات، ويتهافتون عليهن، وينقادون لهن".
 
وقال الرئيس (بورجيه): "لا بد أن نجعل المرأة رسولًا لمبادئنا، ونخلصها من قيود الدين".
 
وقال (زاغون) في كتاب (رسوم إدخال النساء في الماسونية): "إن العفة المطلقة مرذولة عند الماسونيين والماسونيات؛ لأنها ضد ميل الطبيعة، ومن ثَمَّ تبطل كونها فضيلة"[5].
 
4- الاتباع الأعمى، والاهتمام بما يُسمى (الموضة):
وأعجب لزعم المتبرجة أنها تتبرج لتكون كبقية الناس؛ وحتى لا تمتاز عن غيرها بالاحتشام الذي يلفت إليها الأنظار، ويحوطها بالتهكم ونظرات السخرية والاحتقار.
 
فواعجبًا! أتخجلين من استلفات الأنظار إلى تقواك وحيائك، ولا تخجلين من استلفات الأنظار إلى تبجحك واستهتارك؟ فأيهما أولى بالخجل! أن تظهري بالأدب والرزانة، أم تظهري بالوقاحة والرعونة، كيف لا تخجلين من أن تجهري بالفسق والعصيان، وتخجلين من أن تجهري بالتقوى والإيمان؟!
 
بل كيف لا تفخرين بامتيازك عن غيرك بالاحتشام، وتشرفك بآداب وشرائع الإسلام؟ فيا للعجب![6].
 
وكثير من نساءنا المسلمات في هذه الأيام صِرْنَ مشغولات، بل مولعات بما يسمونه (الموضة) ومتابعة كل جديد في عالم الأزياء، فما تلبث إحداهن أن تشتري ثوبًا متبرجًا قبيحًا - تراه هي أحدث الموضات - حتى يظهر ما هو أقبح منه فتبادر بشرائه وهكذا تسير خلف الشيطان وتتبع هواها، وتَنْسَى في سبيل ذلك بيتها وزوجها وأبناءها؛ بل تَنْسَى الغاية التي خلقت من أجلها.
 
وإذا تأمَّلَت المرأة المسلمة في هذه الموضة لعلمت أنها في حقيقتها سمة البغايا اللائي خسرن أعراضهن، فأخذن يعرضن أنفسهن بأزياء متجددة، هي غاية في العري والسفالة، وقد شحنت بها الأسواق، وتنافس النساء في السبق إلى شرائها، ولو علموا مصدرها المتعفن؛ لتباعد عنها الذين فيهم بقية من حياء.
 
5- وسائل الإعلام لا سيما المرئية، وتأثر المرأة المسلمة بالمرأة الغربية:
إن من أهم أسباب التبرج والسفور بعض وسائل الإعلام، وتعد القنوات الفضائية أخطر وسائل الإعلام، فمن خلال هذه القنوات تأثرت المرأة المسلمة بالمرأة الغربية، حيث دأبت وسائل الإعلام في العالم الإسلامي على نقل صور كثيرة من حياة المرأة الغربية إلى المرأة المسلمة، وأصبحت تحس بالنقص والتأخر تأثرًا ببريق حضارة زائفة لا تملك شيئًا من القيم والأخلاق المستمدة من عقيدة صحيحة؛ ولأن المرأة سريعة التأثر وضعيفة؛ فأصبحت تقتبس بالتدرج تلك العادات الفاسدة والتقاليد العفنة حتى صار الأمر إلى ما نشاهد.
 
وكذلك وسائل الإعلام المقروءة من خلال كتابات بعض الكتاب، الذين استغربت عقولهم، وتلوثت أفكارهم، وعميت أبصارهم، فأخذو يكتبون المقالات في الصحف والمجلات يدعون من خلالها إلى نزع المرأة المسلمة لحجابها بدعوى التقدم ومواكبة العصر، جاهلين أو متجاهلين أخطارَ ذلك وأثره السلبي على المرأة والرجل، وخطره المدمر على المجتمع.
 
6- قلة النَّخْوة والغَيْرة عند الرجال:
فمما أفسد المرأة ضعف الرجل، واستهتاره بدينه وواجب الرجولة والأبوة والزوجية، فقد تجد امرأة متبرجة دفعها إلى التبرج وفتح لها أبوابه أبٌ أو زوجٌ فاسد لم يعرف الله ربه، فَعَمِىَ عن الصراط السوي وجاهد بالخروج عن الدين والأخلاق، أو أبٌ أو زوجٌ ضعيف الإرادة مستضعف، فَقَدَ نخوة الرجال وغَيْرتهم، ضعيف الإيمان متغافل عن أوامر الله، مستهين بمعصيته.
 
فكم من ابنة منكودة شقية أضلها أبوها بضلاله، وغذاها بفساده! فشبت لا تعرف الحياء ولا الدين، نشأت في أحضان الرذيلة ولم تعاشر ولم تخالط إلا الشيطان، ثم قذف بها ذلك الأب الضال إلى زوج فاجر مثله من الفاسدين المفسدين فراحت فريسة فساد الأب والزوج، فهامت مثلهما في غياهب الضلال وساقاها معهما إلى الجحيم!
 
وكم من ابنة بائسة نكبت بأب ضعيف الإرادة، استعبده هواه، يزعم الإيمان بالله وكتابه ويصلي ويصوم ويقرأ القرآن ولكنه لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إذ يعشق التبرج، ويمقت الاحتشام، ويسخر من الخمار ويعتبره أصفادًا ثقيلة، وقيودًا مضجرة بغيضة تحرم ابنته العزيزة حريتها ومتعتها بجمالها الفتان وشبابها الغض فيغريها بالتبرج ويدفعها إلى العصيان بلا رحمة ولا يبالي بغضب الله[7].
 
8- قلة التربية والتوجيه والتعليم، وغياب القدوة الحسنة:
أولاً: من جهة الآباء لجهلهم وغفلتهم وانشغالهم.
فلو علم الآباء والأمهات قدر المسؤولية التي تقع على عاتقهم في تربية أبنائهم لما فرَّطوا في تربية أولادهم كل هذا التفريط الذي نرى آثاره اليوم في كل شيء، في الأخلاق، وفي السلوكيات، وفي المعاملات، وفي الآداب.
 
ثانيًا: من جهة المدرسة التي لا تضم الموجهين الأكْفَاء دينًا وعلمًا وخُلُقًا وسلوكًا من الرجال والنساء.
وكذلك المدرسة عليها دورٌ كبير في تحمل هذه المسؤولية، فلو حرِصَ كل معلم ومعلمة على غرس الأخلاق والسلوكيات الفاضلة التي من أهمها حب العفاف ونبذ التبرج والسفور في قلوب أبنائِنا وبناتنا لما كان هذا هو حالنا، فالمعلم ليس فقط لتعليم القراءة والكتابة، وإنما هو مُرَب قبل أن يكون معلمًا.
 
ثالثًا: غياب القدوة الحسنة.
وغياب القدوة الحسنة سببٌ من أعظم أسباب التبرج، فلو فتحت البنت عينها على أمٍ ملتزمة بحجابها طائعةً لربها، وكذلك معلمةٍ محجبةٍ خلوقةٍ عفيفة لشربت هذه البنت حب العفاف، ولبست الحجاب وهي محبة راضية مطمئنة.
 
9- السفر إلى الخارج، وتعظيم الغرب:
السفر إلى الخارج من الشرور العظيمة التي فُتِحت على المسلمين، حيث يسافرون مع نسائهم إلى بلاد إسلامية وغير إسلامية ينتشر فيها السفور والتبرج، غير مبالين بالأضرار الكبيرة التي تعود عليهم وعلى نسائهم من هذه الأسفار، ومن تلك الأضرار تأثر نسائهم بمشاهدة نساء تلك البلاد سافرات الوجوه، فيقلدن أولئك النسوة، فيتساهلن بالحجاب ويسفرن عن وجوههن ويتبرجن ولو بعد حين.
 
وكذلك نظرة أكثر الناس إلى أوروبا وأمريكا، وأنها في نظرهم المثل الأعلى في الحضارة والتقدم، فيحاولون تقليدهم في كل شيء، ويظنون أن الأمة إذا تبرجت واختلطت وانحلت صارت قوية مثل أوروبا وأمريكا[8].
 
10- توفر المال بأيدي كثير من النساء:
ومن أسباب التبرج أيضًا توفر المال بأيدي كثير من النساء عن طريق مرتب تتقاضاه أو زوج أو أب يبذل المال للمرأة بغير حساب، فتبدأ هذه المرأة في شراء كل ما تريده من أزياء متبرجة، وما يعجبها من مساحيق وبرفانات وأدوات الزينة المختلفة، وتستخدمها في غير محلها.
 
فلو أنها استعملت هذه الأشياء في بيتها؛ لتتجمل بها لزوجها، لكان خيراً لها وأفضل، بدلاً من استعمالها والتبرج بها أمام الرجال الأجانب، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة.
 
11- تقاعس كثير من المسلمين عن الدعوة إلى الله، وضعف الاحتساب:
لا شك أن أخطر أسباب انتشار التبرج بل انتشار جميع المنكرات هو تقاعس أكثر المسلمين عن الدعوة إلى الله، وكسلهم عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى تُرِكَت الواجبات وارتُكِبَت المنهيات و ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، فمن المُسْلِماتِ في هذا الزمان مَن يفتقدن مَنْ يوجِهُهُنَّ من أخواتهن النساء إلى الطريق الصواب، ويدعوهُنَّ إلى ما يُرضي الله - عز وجل - من ترك التبرج والتوبة إلى الله منه، ولبس الحجاب الشرعي والثبات عليه.
••••
 
أختاه..
هذا ما يسر الله لي جمعه من أسباب التبرج، فتنبهي لها واجتهدي لتتخلصي من الأسباب التي تُؤَثِّر عليك قبل أن يضرك خطره، فالتبرج أثره عظيم، وخطره جسيم.

[1] إنها ملكة (ص:87).

[2] مسؤولية المرأة المسلمة (ص:32).

[3]المصدر السابق.

[4] رواه البخاري (6810)، ومسلم(57).

[5] تم اقتباس هذه الأقوال من:رأي الشرع في المرأة (ص:35).

[6] التبرج (ص:46-47).

[7] التبرج (ص:57-58).

[8] مسؤولية المرأة المسلمة (ص:32).

شارك الخبر

المرئيات-١