أرشيف المقالات

الأقصى .. الأقصى

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
الأقصى..
الأقصى

أحيانًا أتساءل في غرابة وعجب:
أين نحن من قضايا الأمَّة المسلمة؟ أين نحن في دراستنا، في عملنا؟ لماذا لا نتحدَّث عن قضايا أمَّتنا؟ كم تشكِّل قضايا ومشكلات الأمَّة من الحديث في المجالس والتفكير في الخلوات؟
 
الحقيقة أنَّ هناك غيابًا أو تغييبًا نسبيًّا ونوعيًّا على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة في المدرسة وفي العمل وفي المنزل وفي المقهى؛ ربما لأنَّ أحداثًا أخرى تحوم في الفضاء وتسيطر على السماء أهمّ من قضيَّة الأمَّة المسلمة الأولى والمعاصرة "قضية فلسطين"، فنحن نتحدَّث عنها أو نفكِّر فيها، هل هذه الصورة موجودة؟ أم أنَّني أتحدث عن عالم خيالي؟!
 
في الواقع إنَّ القضيَّة لا تُطرح إلا لمامًا، وربما على سبيل وصف حالة استبطاء معيَّنة أو حالة تضخيم فنقول: واللهِ لكأنَّ عندك قضية فلسطين! وللأمانة، فإنَّها إذا طُرحَت فإنَّها تختار المحافلَ الثقافيَّة والدعوية والدروس الوعظيَّة، ولكن بعد تلك النَّشاطات، يَضْمر الإحساس كزهرة ذابلة.
 
أقصى قضية اتَّفق عليها أغلب العرب والمسلمين هي عدالةُ الأقصى، لكن متى تَنال هذه القضية حقَّها من حديث الساحة للرجال والنساء والمدرِّسين والموظَّفين والمسؤولين صغروا أم كبروا، أم أنَّنا وصلنا مرحلة اليأس بعد هذه السنين الطوال؟
 
متى ما أقصى المسلم العربيُّ الأقصى، فقد اعتبرها هامشًا، كأنَّها لم تكن يومًا قِبلةً ركع النبيُّ صلى الله عليه وسلم نحوها، كأنَّها لم تكن ذات فضل في الصلاة فيها، والسُّكنى في رحابها وما حولها.
 
والحلُّ في القضيَّة مطروح ومطروق ومعروف، لكن السؤال في العمل والتطبيق؟ أم أنَّ العمل أصبح في مطبخ السياسة، ومن السياسة ترك السياسة؟!
 
العمل هو مفرق الطرق بين الجادِّين والمتكاسلين، العمل بعد العِلم، هو العقبة التي تقف أمام تصوُّراتنا وتطبيقاتنا، والفرق بين الناجح وغيرِ الناجح: أنَّ الناجح يخطِّط ولو بسطحيَّة؛ لكنَّه يعمل باستمرار، وغير الناجح لا يخطِّط ولا يعمل، وإن خطَّط بعمق فإنَّه لا يعمل، وإن عمل فإنَّه الملَل والكسَل سرعان ما يتسرَّب ويتشرب في روحه وعقلِه وجسده.
 
إنَّ حمل الهمِّ الحقيقي، والشعور بمأساتهم والدعاء لهم، والتبرُّع لهم، ونقل قضية الأقصى من عالم الغفلة إلى عالم اليقظة، بل ونشر قضيَّتهم في المحافل المحلية والدولية - لهذا كله دورٌ كبير في تقريب الأقصى.
 
متى ما حزن المرءُ المسلم على كلِّ قطرة دمٍ تُراق بغير حقٍّ، وكل دمعة حزنٍ بسبب القهر والظلم، ومتى فرح بكلِّ انتصار يحقِّقه المسلمون على أي صعيد - فإنَّ ذلك - قلَّ أو كثر - حلقة ولَبِنة في البناء والنصر.
 
نسأل اللهَ العزيز القوي أن ينصر تلك النُّفوس على كلِّ عدو قريب أو بعيد عن قريب.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير