الخداع في الزواج
مدة
قراءة المادة :
40 دقائق
.
الخداع في النكاحنكاح المُتعة
المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع
قوله: (وإن شرطها مُسلمة فبانت كِتابيَّة، أو شرطها بكراً أو جميلة أو نسيبة أو شرط نفي عيب لا ينفسخ به النكاح فبانت بخلافه فله الفسخ...) إلى آخره[1].
قال في «المقنع»: «فصل: فإن تزوجها على أنها مسلمة فبانت كِتابيَّة فله الخيار، وإن شرطها كتابية فبانت مسلمة فلا خيار له، وقال أبو بكر: له الخيار.
وإن شرطها أمة فبانت حُرَّة فلا خيار له، وإن شرطها بكراً، أو جميلةً، أو نسيبة، أو شرط نفي العيوب التي لا ينفسخ بها النكاح فبانت بخلافه فهل له الخيار؟ على وجهين»[2].
قال في «الحاشية»: «قوله: وإن شرطها بكراً...
إلى آخره، وهما روايتان:
إحداهما[3]: لا خيار له، جزم به في «الوجيز» و «المنور»؛ لأن النكاح لا يرد بعيب سوى العيوب السبعة، ولا يُرَد بمُخالفة الشرط، كما لو شرطت ذلك في الرجل وبه قال الثوري والشافعي[4] وإسحاق وأصحاب الرأي[5].
وروى الزهري: أن رجلاً تزوج امرأة فلم يجدها عذراء، وكانت الحيضة حرقت عذرتها، فأرسلت إليه عائشة: أن الحيضة تذهب العذرة.
وعن الحسن والشعبي وإبراهيم في الرجل إذا لم يجد امرأته عذراء ليس عليه شيء للعذرة: أن الحيضة تذهب العُذرة، والوَثْبَة والتَّعنس، والحمل الثقيل.
والثانية[6]: له الخيار، اختاره الفخر والناظم وابن عبدوس والشيخ تقي الدين؛ لأن هذه صفات مقصودة، فصحَّ شرطها كالحرية»[7].
وقال في «الاختيارات»: «وإن شرطها بكراً، أو جميلة، أو نَسِيبَة[8] فبانت بخلافه ملك الفسخ، وهو رواية عن الإمام أحمد[9]، وأحد قولي الشافعي[10].
ولو شرط عليها أن تحافظ على الصلوات الخمس، أو تلزم الصدق والأمانة فيما بعد العقد فتركته فيما بعد ملك الفسخ، كما لو شرطت عليه ترك التَّسَرِّي فتَسَرَّى فوات الصفة إما مقارناً وإما حادثاً، كما أن العيب إما مُقارن أو حادث، وقد يخرج في فوات الصفة في المستقبل قولان، كما في فوات الكفاءة في المستقبل وحدوث العيب، لكن المشروط هنا: فعل تحدثه، أو تركها فعلاً ليس هو صفة ثابتة لها»[11].
وقال في «المقنع» أيضاً: «فإن عتقت الأمة وزوجُها حر فلا خيار لها في ظاهر المذهب[12]، وإن كان عبداً فلها الخيار في فسخ النكاح بغير حكم حاكم، فإن أُعتق قبل فسخها، أو أمكنته من وطئها بَطَل خيارها، فإن ادَّعت الجهل بالعتق، وهو مما يجوز جهله أو الجهل بملك الفسخ فالقول قولها.
وقال الخِرَقِيُّ: يبطل خيارها، علمت أو لم تعلم، وخيار المعتقة على التراخي، ما لم يوجد منها ما يدل على الرضا، فإن كانت صغيرة، أو مجنونة فلها الخيار إذا بلغت وعقلت، وليس لوليها الاختيار عنها»[13].
وقال الشوكاني في «الدرر البهية»: «فصل: ونكاح المتعة منسوخ، والتحليل حرام، وكذلك الشِّغَار، ويجب على الزوج الوفاء بشرط المرأة إلا أن يحل حراماً، أو يُحرِّم حلالاً.
ويحرم على الرجل أن ينكح زانيةً، أو مشركةً والعكس، ومن صرَّح القرآن بتحريمه، والرضاع كالنسب، والجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وما زاد على العدد المباح للحرِّ والعبد.
وإذا تزوج العبدُ بغير إذن سيده فنكاحه باطل، وإذا أعتقت الأَمة مَلَكَت أمر نفسها، وخُبِّرَت في زوجها، ويجوز فسخ النكاح بالعيب»[14]
قوله: (ومن وَجَدَت زوجها مَجْبُوبًا، أبو بقي له ما لا يطأ به فلها الفسخ، وإن ثبتت عُنَّتَه بإقراره، أو ببينة على إقراره أُجِّلَ سنة منذ تحاكما، فإن وطئها فيها، وإلا فلها الفسخ، وإن اعترفت أنه وطئها فليس بعِنِّينٍ، ولو قالت في وقت: رضيت به عِنِّينًا، سقط خيارها أبدًا...) إلى آخره[15].
قال في «الاختيارات»: «ويتخرَّج إذا علمت بعُنَّتهِ واختارت المقام معه هل لها الفسخ؟ على روايتين[16]»[17].
قال في «الإفصاح»: «واختلفوا هل يثبت الفسخ بالعيوب؟ وهي تسعة: ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء، وهي: الجنون، والجذام، والبرص.
واثنان يختصان بالرجال، وهما: الجَبّ والعُنَّة.
وأربعة تختص بالنساء، وهي: القَرْنُ والعَفَلُ والرَّتْقُ والفَتْقُ.
فالجَبُّ: قطع الذكر، والعُنَّة: ألّا يقدر الرجل على الجماع لعدم الانتشار، والقَرْنُ: عظم يعرض في الفرج فيمنع الوطء جدًّا، والعَفَلُ: لحمة تكون في فم الفرج، وقيل: هي رُطوبة تمنع لذَّة الجماع، والرَّتْقُ: الانسداد، والفَتْقُ: انخراق ما بين محل الوطء ومسلك البول.
فقال أبو حنيفة[18]: لا يثبت الفسخ [للزوج بحال في شيءٍ من ذلك، وللمرأة الخيار في الجَبِّ والعُنَّة[19].
وقال مالك[20] والشافعي[21] وأحمد[22]: يثبت الفسخ] في ذلك كله إلا أن مالكًا[23] والشافعي[24] استثنيا الفَتْق فلم يرياه يُوجب فسخًا، فإن حدث شيءٌ من هذه العيوب بعد العقد وقبل الدخول بأحد الزوجين، فإن حدث بالمرأة ثبت للرجل خيار الفسخ عند الشافعي[25] في أحد قوليه، وهو اختيار المزني ومذهب أحمد[26].
وقال مالك[27] والشافعي[28] في القول الآخر: لا يثبت للرجل [ولاية][29] الفسخ، فإن حدث بالزوج يثبت للمرأة ولاية الفسخ عند مالك[30] والشافعي[31] وأحمد[32]»[33].
«واتفقوا على أن المرأة إذا أصابت زوجها عِنِّينًا فإنه يُؤجَّل سنة[34]»[35].
وقال ابن رشد: «اختلف العلماء في مُوجِب الخيار بالعيوب لكلِ واحدٍ من الزوجين، وذلك في موضعين:
أحدهما: هل يُرد بالعيوبِ أو لا يرد؟
والموضع الثاني: إذا قلنا: إنه يُرد فمن أيها يرد، وما حكم ذلك؟
فأما الموضع الأول: فإن مالكًا[36] والشافعي[37] وأصحابهما قالوا: العيوب تُوجب الخيار في الرَّد أو الإمساك.
وقال أهل الظاهر[38]: لا توجب خيار الرد والإمساك، وهو قول عمر بن عبد العزيز.
وسبب اختلافهم: شيئان:
أحدهما: هل قول الصاحب حجة؟
والآخر: قياس النكاح في ذلك على البيع، فأما قول الصاحب الوارد في ذلك فهو ما رُوي عن عمر بن الخطاب أنه قال: أيُّما رجل تزوج امرأة وبها جُذام أو جنون أو برص، وفي بعض الروايات: أو قرن، فلها صداقها كاملًا، وذلك غُرم لزوجها على وليها[39].
وأما القياس على البيع فإن القائلين بموجب الخيار للعيب في النكاح قالوا: النكاح في ذلك شبيه البيع، وقال المخالفون لهم: ليس شبيهًا بالبيع؛ لاجتماع المسلمين على أنه لا يُرد النكاح بكلِّ عيب يُرد به البيع.
وأما الموضع الثاني في الرد بالعيوب: فإنهم اختلفوا في أيِّ العيوب يُرد بها، وفي أيِّها لا يُرد وفي حكم الرد.
فاتفق مالك[40] والشافعي[41] على أن الردَّ يكون من أربعة عيوب: الجُنون، والجُذام، والبَرَص، وداءُ الفرج الذي يمنع الوطء، إما قَرْن أو رَتْق في المرأة، أو عُنَّة في الرجل، أو خصاء.
واختلف أصحاب مالك[42] في أربعٍ: في السواد والقَرَع، وبَخْرِ الفرج، وبَخْرِ الأنف[43]، فقيل: تُرد بها، وقيل: لا تُرد.
وقال أبو حنيفة وأصحابه[44] والثوري: لا تُرد المرأة في النكاح إلا بعيبين فقط: القَرْن والرَّتَق.
فأما أحكام الرد: فإن القائلين بالرد اتفقوا على أن الزوج إذا علم بالعيب قبل الدخول طلَّق ولا شيء عليه[45].
واختلفوا إن علم بعد الدخول والمَسِيسِ:
فقال مالك[46]: إن كان وَليُّها الذي زوجها ممن يظن به لقربه منها أنه عالم بالعيب، مثل الأب والأخ فهو غارٌّ يرجع عليه الزوج بالصَّدَاق، وليس يرجع على المرأة بشيءٍ، وإن كان بعيدًا رجع الزوج على المرأة بالصَّدَاق كله إلا ربع دينار فقط.
وقال الشافعي[47]: إن دخل لزمه الصَّداق كله بالمَسِيسِ، ولا رجوع له عليها، ولا على ولي.
وسبب اختلافهم: تردُّد تشيبه النكاح بالبيع، أو بالنكاح الفاسد الذي وقع فيه المَسِيس، أعني: اتفاقهم على وجوب المهر في الأنكحة الفاسدة بنفس المَسِيسِ[48]؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (أيُّمَا امرأة نَكَحت بغير إذن سيدها فنكاحها باطل، ولها المهر بما استحلَّ منها)[49].
فكان موضع الخلاف: تردُّد هذا الفسخ بين حكم الردِّ بالعيب في البيوع، وبين حُكم الأنكحة المفسوخة، أعني: بعد الدخول.
واتفق الذين قالوا بفسخ نكاح العِنِّين: أنه لا يُفسخ حتى يُؤَجَّل سَنة، يُخلى بينه وبينها بغير عائق[50].
واختلف أصحاب مالك في العِلَّة التي مِن أجلها قصر الردّ على هذه العيوب الأربعة:
فقيل: لأن ذلك شرع غير مُعلل.
وقيل: لأن ذلك مما يخفى، ومحمل سائر العيوب على أنها مما لا تخفى.
وقيل: لأنها يخاف سرايتها إلى الأبناء، وعلى هذا التعليل يُردُّ بالسَّواد والقَرَعِ، وعلى الأول: يُرَدُّ بكل عيبٍ إذا علم أنه مما خفي على الزوج»[51].
وقال في «الاختيارات»: «فصل: في العيوب المُثْبِتَة للفسخ، والاستحاضة عيبٌ به فسخ النكاح في أظهر الوجهين.
وإذا كان الزوج صغيرًا أو به جنون أو جذام أو بَرَصٌ فالمسألة التي في الرضاع تقتضي أن لها الفسخ في الحال، ولا تنتظر وقت إمكان الوطء، وعلى قياسه: الزوجة إذا كانت صغيرة أو مجنونة أو عَفْلَاء أو قَرْنَاء.
ويتَوَجَّه أن لا فسخ إلا عند عدم إمكان الوطء في الحال، وإذا لم يُقر بالعُنَّة ولم يُنكر، أو قال: لست أدري أعنِّين أنا أم لا؟ فينبغي أن يكون كما لو أنكر العُنَّة ونكل عن اليمين، فإن النُّكول عن الجواب كالنكول عن اليمين، فإن قلنا: يُحبس الناكل عن الجواب فالتأجيل أيسر من الحبس.
ولو نَكَلَ عن اليمين فيما إذا ادَّعى الوطء قبل التأجيل، فينبغي أن يُؤَجَّل هنا، كما لو نَكَلَ عن اليمين في العُنَّة، والسَّنَة المُعْتَبَرة في التأجيل هي الهلالية، هذا هو المفهوم من كلام العلماء، لكن تعليلهم بالفصول يُوْهِم خلاف ذلك، لكن ما بينهما مُتقارب.
ويتخرج إذا علمت بعُنَّته أو اختارت المقام معه [بعد علمها أن لها الفسخ إذا شاءت مما إذا علمت بعسرته فاختارت المقام معه][52] على عسرته هل لها الفسخ؟ على روايتين[53]، ولو خرج هذا في جميع العيوب لتَوَجَّه.
وتُرد المرأة بكلِّ عيبٍ يُنَفِّر عن كمل الاستمتاع، ولو بان الزوج عقيمًا فقياس قولنا: ثبوت الخيار للمرأة؛ لأن لها حقًّا في الولد؛ ولهذا قلنا: لا يَعزِل عن الحُرَّة إلا بإذنها، وعن الإمام أحمد[54] ما يقتضيه، ورُوي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضًا.
وتعليل أصحابنا: توقف الفسخ على الحاكم باختلاف أهل العلم، فإنه إن أُريد كل خيارٍ مُختلف في وقوعه يتوقف على الحاكم، فخيار المُعْتَقَة تحت حُرٍّ مُختلف فيه، وخيارها بعد الثلاث مُختلف فيه، وهما لا يتوقفان على الحاكم، ثم خيار امرأة المَجْبُوبِ متفق عليه[55]، وهو من جملة العيوب التي قالوا: تتوقف على الحاكم، ولا يغني الاعتذار بأن أصل خيار العيب والشرط مُختلف فيه بخلاف أصل خيار المُعْتَقَة؛ لأن أصل خيار العيب مُتفق عليه وهو المَجْبُوب، وأي فرق بين الاختلاف في جنس الخيار والاختلاف في الصورة المعنية، ثم خيارات البيع لا تتوقف على الحاكم مع الاختلاف، والواجب أولًا: التفريق في النكاح والبيع، ثم لو علل بخفاء الفسخ وظهوره فإن العيوب وفوات الشرط[56] قد تخفى، وقد يتنازع فيها بخلاف إعتاق السيد لكان أولى من تعليله بالاختلاف، ولو قيل: إن الفسخ يثبت بتراضيهما تارةً وبحكم الحاكم أُخرى، أو بمجرد فسخ المستحق ثم الآخر إن أمضاه، وإلا أمضاه الحاكم لتوجه وهو الأقوى، ومتى أذن الحاكم أو حكم لأحد باستحقاق عقدٍ، أو فسخٍ فعقد أو فسخ المأذون له لم يحتج بعد ذلك إلى حكم بصحته بلا نزاع، لكن لو عقد الحاكم، أو فسخ فهو فعله، والأصح: أنه حكم، وإذا اعتبر تفريق الحاكم ولم يكن في الموضع حاكم يُفَرِّق فالأشبه: أن لها الامتناع، وكذلك تملك الانتقال من منزله، فإن من ملك الفسخ للعقد ملك الامتناع من التسليم، وينبغي أن تملك النفقة في هذه المُدَّة؛ لأن المانع منه، وإذا أُعْتِقَت الأمةُ تحت عبدٍ ثبت لها الخيار اتفاقًا[57]، وكذلك تحت حُرٍّ، وهو رواية عن الإمام أحمد[58]، ومذهب أبي حنيفة[59]»[60].
وقال البخاري: «(باب خيار الأمة تحت العبد).
حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة وهمام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: رأيته عبدًا، يعني: زوج بَرِيرَة[61].
حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ذاك مُغِيث عبد بني فلان - يعني: زوج بريرة - كأني أنظر إليه يتعبها في سِكَكِ المدينة يبكي عليها[62].
حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد الوهاب عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان زوج بَرِيرَة عبدًا أسودَ يُقال له: مُغِيث - عبدًا لبني فلان - كأني أنظر إليه يطوف وراءها في سِكَكِ المدينة[63]».
قال الحافظ: «قوله: باب خيار الأمة تحت العبد.
يعني: إذا عتقت.
وهذا مصير من البخاري إلى ترجيح قول من قال: إن زوج بَرِيرَة كان عبدًا...
إلى أن قال: واقتضت الترجمة بطريق المفهوم: أن الأمة إذا كانت تحت حُرٍّ فعُتِقَت لم يكن لها خيار.
وقد اختلف العلماء في ذلك، فذهب الجمهور إلى ذلك[64].
وذهب الكوفيون[65] إلى إثبات الخيار لمن عُتِقت، سواء كانت تحت حُرٍّ أو عبدٍ، وتمسكوا بحديث الأسود بن يزيد عن عائشة: أن زوج بَرِيرَة كان حُرًّا.
وقد اختُلف فيه على راويه...
إلى أن قال: وإذا عُتقت الأمة تحت الحُرِّ فعقدها المتفق على صحته لا يُفسخ بأمرٍ مُختلف فيه.
قال ابن بطَّال[66]: أجمع العلماء أن الأمة إذا عتقت تحت عبدٍ فإن لها الخيار[67]، والمعنى فيه ظاهر؛ لأن العبد غير مُكافئ للحُرَّة في أكثر الأحكام، فإذا عُتِقت ثبت لها الخيار من البقاء في عصمته أو المفارقة؛ لأنها في وقت العقد عليها لم تكن من أهل الاختيار، واحتجَّ من قال: إن لها الخيار ولو كانت تحت حُرٍّ بأنها عند التزويج لم يكن لها رأي؛ لاتفاقهم على أن لمولاها أن يُزوجها بغير رضاها[68]، فإذا عتقت تجدد لها حال لم يكن قبل ذلك.
وعارضهم الآخرون: بأن ذلك لو كان مُؤثرًا لثبت الخيار للبكر إذا زوجَّها أبوها ثم بلغت رشيدة، وليس كذلك، فكذلك الأمة تحت الحُرِّ فإنه لم يحدث لها بالعتق حال ترتفع به عن الحُرِّ، فكانت كالكتابية تُسْلِم تحت المسلم»[69].
وقال البخاري أيضًا: «(باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بَرِيرَة)، وذكر الحديث، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو راجعته)، قالت: يا رسول الله، تأمرني؟ قال: (إنما أنا شافع)، قالت: فلا حاجة لي فيه[70]».
قال الحافظ: «قوله: باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بَرِيرَة، أي: عند بَرِيرَة لترجع إلى عصمته.
قال ابن المنيِّر[71]: موقع هذه الترجمة من الفقه: تسويغ الشفاعة للحاكم عند الخصم في خصمه أن يحط عنه أو يُسقط ونحو ذلك»[72].
قال الحافظ: «وفيه: أن خيار الأمة يكون على الفور؛ لقوله في بعض طرقه: إنه عُتِقت، فدعاها فخيرها فاختارت نفسها، وللعلماء في ذلك أقوال:
أحدها وهو قول الشافعي[73]: إنه على الفور.
وعنه[74]: يمتد خيارها ثلاثًا.
وقيل: بقيامها من مجلس الحاكم.
وقيل: من مجلسها، وهما عن أهل الرأي[75].
وقيل: يمتد أبدًا، وهو قول مالك[76] والأوزاعي وأحمد[77]، وأحد أقوال الشافعي[78].
واتفقوا على أنه إذا أمكنته من وطئها سقط خيارها[79]، وتمسك من قال به بما جاء في بعض طُرُقِهِ، وهو عند أبي داود من طريق ابن إسحاق بأسانيد عن عائشة: أن بَرِيرَة أُعتقت...
فذكر الحديث، وفي آخره: (إن قَرِبَكِ فلا خيار لك)[80].
وروى مالك بسندٍ صحيحٍ عن حفصة: أنها أفتتْ بذلك[81].
وأخرج سعيد بن منصور، عن ابن عمر مثله[82].
قال [ابن عبد البر][83]: لا أعلم لهما مُخالفًا من الصحابة[84].
وقال به جمعٌ من التابعين، منهم: الفقهاء السبعة.
واختُلف فيما لو وطئها قبل علمِهَا بأن لها الخيار هل يَسْقُط أو لا؟ على قولين: أصحهما عند الحنابلة[85]: لا فرق، وعند الشافعية[86]: تُعذَر بالجهل.
وفي رواية الدارقطني: (إن وَطِئَكِ فلا خيار لك)[87]، ويُؤخذ من هذه الزيادة: أن المرأة إذا وجدت بزوجها عيبًا ثم مكَّنته من الوطء بطل خيارها.
وفيه: أن الخيار فسخٌ لا يملك الزوجُ فيه رجعة، وتمسك من قال: له الرجعة، بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو راجعته)، ولا حجة فيه، وإلا لما كان لها اختيار، فتعين حمل المراجعة في الحديث على معناها اللغوي، والمراد:
رجوعها إلى عصمته، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا ﴾ [البقرة: 230] مع أنها في المُطَلِّق ثلاثًا.
وفيه: اعتبار الكفاءة في الحُرِّية.
وفيه: أن من خَيَّر امرأته فاختارت فراقه وقع وانفسخ النكاح بينهما، وأنها لو اختارت البقاء معه لم ينقص عدد الطلاق»[88].
«وفيه: أن العِدَّة بالنساء؛ لما تقدم من حديث ابن عباس: أنها أُمِرَت أن تعتد عِدَّة الحُرَّة، ولو كان بالرجال لأُمرت أن تعتد بعِدَّة الإماء.
وفيه: أن عِدَّة الأَمة إذا عُتقت تحت عبدٍ فاختارت نفسها ثلاثة قروء، وأما ما وقع في بعض طُرقه: تَعْتَد بحيضةٍ، فهو مرجوح، ويحتمل أن أصله: تَعْتَد بحيضٍ، فيكون المراد: جنس ما تَسْتَبْرِئ به رحمها لا الواحدة.
وفيه: تنبيه صاحب الحقّ على ما وجب له إذا جهله»[89] انتهى مُلخَّصًا.
[1] الروض المربع ص390.
[2] المقنع 3/ 50.
[3] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 20/ 430.
[4] المهذب 2/ 64 – 65، ونهاية المحتاج 6/ 316 – 317.
[5] فتح القدير 2/ 419 – 420، وحاشية ابن عابدين 3/ 91.
[6] شرح منتهى الإرادات 5/ 190 – 191، وكشاف القناع 11/ 382.
[7] حاشية المقنع 3/ 50، وانظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 20/ 429 – 430.
[8] هكذا في الأصل، وفي المطبوع: «ثيباً».
[9] شرح منتهى الإرادات 5/ 190 – 191، وكشاف القناع 11/ 382.
[10] تحفة المحتاج 7/ 356، ونهاية المحتاج 6/ 317.
[11] الاختيارات الفقهية ص219.
[12] شرح منتهى الإرادات 5/ 195، وكشاف القناع 11/ 389.
[13] المقنع 3/ 52 – 53.
[14] الدراري المضية شرح الدرر البهية 2/ 207.
[15] الروض المربع ص390 – 391.
[16] شرح منتهى الإرادات 5/ 209، وكشاف القناع 11/ 401 – 402.
[17] الاختيارات الفقهية ص222.
[18] فتح القدير 3/ 267، وحاشية ابن عابدين 3/ 527.
[19] فتح القدير 3/ 268، وحاشية ابن عابدين 3/ 520.
[20] الشرح الصغير 1/ 424 – 425، وحاشية الدسوقي 2/ 277 – 278.
[21] تحفة المحتاج 7/ 345 – 347، ونهاية المحتاج 6/ 308 – 310.
[22] شرح منتهى الإرادات 5/ 201 – 202و 206 – 207، وكشاف القناع 11/ 397و 405 – 406.
[23] المشهور عند المالكية أن للزوج الرد بسبب إفضاء الزوجة وهو اختلاط مسلك البول والذكر، انظر: الشرح الصغير 1/ 425، وحاشية الدسوقي 2/ 278.
[24] تحفة المحتاج 7/ 347، ومغني المحتاج 3/ 203.
[25] تحفة المحتاج 7/ 349، ونهاية المحتاج 6/ 311.
[26] شرح منتهى الإرادات 5/ 208، وكشاف القناع 11/ 409.
[27] الشرح الصغير 1/ 425، وحاشية الدسوقي 2/ 278.
[28] تحفة المحتاج 7/ 349، ومغني المحتاج 2/ 203 – 204.
[29] في الأصل: «به ولا يثبت»، والمثبت من الإفصاح.
[30] الشرح الصغير 1/ 425، وحاشية الدسوقي 2/ 278 – 279.
[31] تحفة المحتاج 7/ 349، ونهاية المحتاج 6/ 311.
[32] شرح منتهى الإرادات 5/ 208، وكشاف القناع 11/ 408.
[33] الإفصاح 3/ 181 – 183.
[34] فتح القدير 3/ 263، وحاشية ابن عابدين 3/ 522 – 523.
والشرح الصغير 1/ 426، وحاشية الدسوقي 2/ 281 – 282.
وتحفة المحتاج 7/ 352، ونهاية المحتاج 6/ 314.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 203، وكشاف القناع 11/ 399.
[35] الإفصاح 3/ 185.
[36] الشرح الصغير 1/ 424 – 425، وحاشية الدسوقي 2/ 277 – 278.
[37] تحفة المحتاج 7/ 345 – 348، ونهاية المحتاج 6/ 308 – 310.
[38] المحلى 10/ 114.
[39] أخرج البيهقي 7/ 135و 214.
[40] الشرح الصغير 1/ 424 – 425، وحاشية الدسوقي 2/ 277 – 278.
[41] تحفة المحتاج 7/ 345 – 346، ونهاية المحتاج 6/ 308 – 309.
[42] الشرح الصغير 1/ 425، وحاشية الدسوقي 2/ 280 – 281.
[43] كذا في الأصل، وفي بداية المجتهد: «الفم».
[44] عند أبي حنيفة وأصحابه: إذا كان بالزوجة عيب فلا خيار للزوج، انظر: فتح القدير 3/ 267، وحاشية ابن عابدين 3/ 527.
[45] الشرح الصغير 1/ 427، وحاشية الدسوقي 2/ 285 – 286.
وتحفة المحتاج 7/ 350، ونهاية المحتاج 6/ 312.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 210، وكشاف القناع 11/ 413.
[46] الشرح الصغير 1/ 427 – 428، وحاشية الدسوقي 2/ 286 – 287.
[47] تحفة المحتاج 7/ 351، ونهاية المحتاج 313 – 314.
[48] فتح القدير 2/ 468، وحاشية ابن عابدين 3/ 139.
والشرح الصغير 1/ 419، وحاشية الدسوقي 2/ 317.
وتحفة المحتاج 7/ 400، ونهاية المحتاج 6/ 353.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 279، وكشاف القناع 11/ 511 – 512.
[49] أخرجه أبو داود (2083)، والترمذي (1102)، والنسائي في الكبرى 3/ 285 (5394)، وابن ماجه (1879)، وابن حبان 9/ 384 (4074)، والدارقطني 3/ 221، والحاكم 2/ 168، والبيهقي 7/ 105و 113و 138، من طرق ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، به.
صحح هذا الحديث: يحيى بن معين، وأبو عوانة، وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم، والبيهقي، والذهبي، وابن الجوزي.
وحسَّنه: الترمذي، والسمعاني، وابن عساكر، وابن حجر.
انظر: معجم الشيوخ للسمعاني 1/ 513، ومعجم الشيوخ لابن عساكر 1/ 205، وتنقيح التحقيق 1/ 186، وفتح الباري 9/ 191، وموافقة الخُبر الخَبر 2/ 205.
وأعل هذا الحديث بأن إسماعيل بن علية، رواه عن ابن جريج، به، ثم قال: قال ابن جريج: فلقيت الزهري، فسألته عن هذا الحديث، فلم يعرفه!
وأجيب:
أ – أن هذه القصة ضعيفة، قال يحيى بن معين: سماع إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج ليس بذاك.
ب – أن الحافظ الثقة قد يُحدِّث بالحديث ثم ينساه، فيُسأل عنه فلا يعرفه، فليس نسيانه دليل على بطلان الخبر.
انظر: صحيح ابن حبان 9/ 385، والمستدرك 2/ 168، والتحقيق لابن الجوزي 21/ 256.
[50] فتح القدير 3/ 263، وحاشية ابن عابدين 3/ 522 – 523.
والشرح الصغير 1/ 426، وحاشية الدسوقي 2/ 281.
وتحفة المحتاج 7/ 352، ونهاية المحتاج 6/ 314.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 203، وكشاف القناع 11/ 399.
[51] بداية المجتهد 2/ 47 – 48.
[52] ما بين المعقوفين غير موجود في الأصل ولا في الاختيارات، واستدركه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بخطه.
[53] كشاف القناع 11/ 401 – 402.
[54] شرح منتهى الإرادات 5/ 209، وكشاف القناع 12/ 82.
[55] فتح القدير 3/ 263، وحاشية ابن عابدين 3/ 520.
والشرح الصغير 1/ 424 – 425، وحاشية الدسوقي 2/ 277و 278.
وتحفة المحتاج 7/ 345 – 347، ونهاية المحتاج 6/ 308 – 310.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 201، وكشاف القناع 11/ 397.
[56] كذا في الأصل والاختيارات، وصححها الشيخُ ابنُ عثيمين رحمه الله بخطه إلى: «الشروط».
[57] فتح القدير 2/ 495، وحاشية ابن عابدين 3/ 186.
والشرح الصغير 1/ 430، وحاشية الدسوقي 2/ 291، وتحفة المحتاج 7/ 359 – 360، ونهاية المحتاج 6/ 320 – 321.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 195، وكشاف القناع 11/ 390.
[58] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 20/ 453.
[59] فتح القدير 2/ 495، وحاشية ابن عابدين 3/ 186.
[60] الاختيارات الفقهية 221 – 223.
[61] البخاري: (5280).
[62] البخاري (5281).
[63] البخاري (5282).
[64] فتح القدير 2/ 495، وحاشية ابن عابدين 3/ 186.
والشرح الصغير 1/ 430، وحاشية الدسوقي 2/ 291.
وتحفة المحتاج 7/ 359 – 360، ونهاية المحتاج 6/ 320 – 321.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 195، وكشاف القناع 11/ 389.
[65] فتح القدير 2/ 495، وحاشية ابن عابدين 3/ 186.
[66] شرح صحيح البخاري 7/ 430.
[67] فتح القدير 2/ 495، وحاشية ابن عابدين 3/ 186.
والشرح الصغير 1/ 430، وحاشية الدسوقي 2/ 291.
وتحفة المحتاج 7/ 359 – 360، ونهاية المحتاج 6/ 320 – 321.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 195، وكشاف القناع 11/ 390.
[68] فتح القدير 2/ 491، وحاشية ابن عابدين 3/ 181.
والشرح الصغير 1/ 380، وحاشية الدسوقي 2/ 221.
وتحفة المحتاج 7/ 294، ونهاية المحتاج 6/ 269.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 128، وكشاف القناع 11/ 249.
[69] فتح الباري 9/ 407 – 408.
[70] البخاري (5283)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[71] المتواري على أبواب البخاري ص140.
[72] فتح الباري 9/ 408.
[73] تحفة المحتاج 7/ 360، ونهاية المحتاج 6/ 321.
[74] المهذب 2/ 65، ونهاية المحتاج 6/ 321.
[75] فتح القدير 2/ 411، وحاشية ابن عابدين 3/ 188.
[76] الشرح الصغير 1/ 430 – 431، وحاشية الدسوقي 2/ 292.
[77] شرح منتهى الإرادات 5/ 196، وكشاف القناع 11/ 391.
[78] المهذب 2/ 65، ونهاية المحتاج 6/ 321.
[79] فتح القدير 2/ 496 – 497، وحاشية ابن عابدين 3/ 188.
والشرح الصغير 1/ 430، وحاشية الدسوقي 2/ 292.
ومغني المحتاج 3/ 210، ونهاية المحتاج 6/ 321.
وشرح منتهى الإرادات 5/ 197، وكشاف القناع 11/ 392.
[80] أبو داود (2236)، والدارقطني 3/ 294 بلفظ: «إن وطئك ...».
قال ابن الملقن في البدر المنير 7/ 646: في إسناده عنعنة ابن إسحاق.
[81] مالك 2/ 563.
[82] سعيد بن منصور 1/ 297 – 298 (1250).
[83] في الأصل: «ابن المنذر»، والمثبت من الفتح، وهو الصواب.
[84] التمهيد 3/ 52.
[85] شرح منتهى الإرادات 5/ 197، وكشاف القناع 11/ 392.
[86] تحفة المحتاج 7/ 360، ونهاية المحتاج 6/ 321.
[87] سنن الدارقطني 3/ 294، وقد تقدم الكلام عليه تعليق (1).
[88] فتح الباري 9/ 413.
[89] فتح الباري 9/ 416.