سؤال وجواب في الرضاعة
مدة
قراءة المادة :
12 دقائق
.
سؤال وجواب في الرضاعةإنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِل لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أمَّا بَعْدُ:
فإنَّ رضاعة المولود مِنَ الأمور المهمة التي يحتاج كثيرٌ مِنَ المسلمين إلى معرفتها، وقد قمت بإعدادها في صورة سؤال وجواب؛ ليسهل على الناس فهمها، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
س 1: ما تعريف الرضاعة؟
جـ 1: الرَّضَاعَةُ: معناها: مَصُّ الطفل الرضيع مِن ثدي المرأة في مدة الرضاعة؛ (التعريفات للجرجاني صـ148).
* * *
س 2: ما الحكمة من التحريم بالرضاعة؟
جـ 2: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا وَهُوَ اللَّبَنُ، فَإِذَا اغْتَذَى بِهِ الرَّضِيعُ صَارَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِمَا فَانْتَشَرَ التَّحْرِيمُ بَيْنَهُمْ؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ9 صـ45).
* * *
س 3: ما سن الرضاعة الذي يثبت به التحريم؟
جـ3: الرضاعة التي يثبت بها التحريم هي ما كانت في السنتين الأوليين مِن ولادة الطفل؛ قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) (البقرة: 233)، وروى الترمذيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 921)، (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ6 رقم 955 صـ2167).
* * *
س 4: ما صفة الرضعة الواحدة؟
جـ4: الْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَةِ الرَّضْعَةِ إلَى الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهَا مُطْلَقًا، وَلَمْ يَحُدَّهَا بِزَمَنِ وَلَا مِقْدَارٍ، فإذا التقم الرضيع الثدي فامتص منه، ثم تركه باختياره من غير عارض، كان ذلك رضعة واحدة، فإذا عاد والتقم الثدي كانت رضعة ثانية، وأَمَّا إنْ قَطَعَ الرضاعة لِضِيقِ نَفَسٍ، أَوْ لِلِانْتِقَالِ مِنْ ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ، أَوْ لَشَيْءٍ يُلْهِيه، أو استراحة يسيرة، ثم يعود، فإن هذا لا يخرجه عن كونه رضعة واحدة، كما أن الإنسان إذا قَطَعَ أكلته لِشُرْبِ الْمَاءِ أَوْ انْتِقَالٍ مِنْ لَوْنٍ إلَى لَوْنٍ، أَوْ انْتِظَارٍ لِمَا يُحْمَلُ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ، لَمْ يُعَدَّ إلَّا أَكْلَةً وَاحِدَةً؛ (المغني لابن قدامة جـ11 صـ312: صـ313).
* * *
س 5: هل يُشترط في الرضاعة المص من ثدي المرأة؟
جـ 5: لبنُ المرأة المرضعة يثبت به التحريم، سواءٌ مَصَّه الرضيع من ثدي مرضعته، أو حُلبَ له في إناء وشربه، أو وُضِعَ له في فمه، أو وُضِعَ له عن طريق الأنف، بحيث يحصل له به الغذاء ويسد جوعه وينبت لحمه؛ المغني لابن قدامة جـ11 صـ313.
* * *
س 6: ما حكْم لبن الرضاعة المختلط بغيره؟
جـ 6: إذا اختلط لبن المرأة بطعام أو شراب أو دواء، أو لبن شاة أو غيره، وتناوله الرضيع، فإن كان الغالب لبن المرأة ثبَت التحريم، وإن لم يكن غالبًا لم يثبت التحريم؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ6 رقم 659 صـ2174).
* * *
س 7: ما عدد الرضعات الذي يثبُت به التحريمُ؟
جـ7: خمس رضعات معلومات أو أكثر في مدة الرضاعة، وهي السنتان الأوليان مِن ولادة الطفل؛ روى مسلمٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ؛ ( مسلم حديث 1452 )، وروى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «لَا يُحَرِّمُ دُونَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ»، ( إسناده صحيح ) ( مصنف عبد الرزاق جـ7 صـ466 )، ( الأم للشافعي جـ5 صـ27 )، و( المحلى لابن حزم جـ10 صـ9 رقم 1868 )، و(شرح السنة للبغوي جـ5صـ82:81)، و(المغني لابن قدامة جـ11 صـ309: صـ310 )، و(فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ9 رقم 1236، صـ3265: صـ3266 )، و(فتاوى اللجنة الدائمة جـ21 رقم 6360 صـ30).
* * *
س 8: ما حكْم الشك في عدد الرضعات؟
جـ 8: إِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُجُودِ الرَّضَاعَةِ، أَوْ فِي عَدَدِ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ، هَلْ كَمُلَ أَوْ لَا؟ لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، فَلَا نُزُولَ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ، (المغني لابن قدامة جـ11 صـ312)، و(فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ2 رقم 345 صـ691: صـ692).
* * *
س 9: ما حكْم شهادة المرأة الواحدة على الرضاعة؟
جـ9: شهادة المرأة الواحدة مقبولةٌ في الرضاعة إذا كانت معروفة بالصدق.
روى البخاريُّ عن عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ، قَالَ: فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْرَضَ عَنِّي، قَالَ: فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا، فَنَهَاهُ عَنْهَا، (البخاري حديث 2659)، (المغني لابن قدامة جـ11 صـ340).
* * *
س 10: مَن المحرَّمات بسبب الرضاعة؟
جـ10: يجب أن يكون مِنَ المعلوم أنه يَحرمُ مِن الرضاعة ما يَحرمُ مِن النَّسَب؛ قال اللهُ تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) (النساء: 23).
روى الشيخانِ عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ؛ (البخاري حديث 5099 / مسلم حديث 1444)، وروى البخاريُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تَتَزَوَّجُ ابْنَةَ حَمْزَةَ؟ قَالَ: إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ؛ (البخاري حديث 5100).
إذا رضع شخصٌ من امرأة فإنه يحرم عليه ما يلي:
(1) المرأة المرضعة لأنها أصبحت أمًّا له من الرضاعة.
(2) أم المرضعة؛ لأنها أصبحت جدة للرضيع.
(3) أم زوج المرضعة الذي جاء لبنها بسبب الحمل منه؛ لأنها صارت جدة للرضيع.
(4) أخت المرضعة؛ لأنها أصبحت خالة للرضيع.
(5) أخت زوج المرضعة؛ لأنها أصبحت عَمةً للرضيع.
(6) بنات المرضعة، سواء من وُلدنَ قبله أو بعده؛ لأنهنَّ أصبحن أخوات للرضيع.
(7) بنات أبناء المرضعة؛ لأنهن أصبحن بنات إخوته من الرضاع، وهو عمُّهم، وكذلك بنات بنات المرضعة؛ لأنهن أصبحن بنات أخواته، وهو خالهم.
(8) بنت زوج المرضعة ولو مِن امرأة أخرى؛ لأنها أصبحت أخت الرضيع من الأب.
(9) الزوجة الأخرى لزوج المرضعة؛ لأنها أصبحت زوجة أبيه من الرضاع.
(10) زوجة الرضيع تَحرُمُ على زوج المرضعة؛ لأنها زوجة ابنه من الرضاع؛ (تفسير القرطبي جـ5 صـ109)، و(المغني لابن قدامة جـ11 صـ309).
* * *
س 11: هل التحريم بالرضاعة خاص بالرضيع فقط؟
جـ11: لَا يَتَعَدَّى التَّحْرِيمُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ قَرَابَةِ الرَّضِيعِ فَلَيْسَتْ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ أُخْتًا لِأَخِيهِ وَلَا بِنْتًا لِأَبِيهِ إِذْ لَا رَضَاعَ بَيْنَهُمْ.
ولذا، فإن من اجتمعوا على ثدي واحد صاروا إخوة، وعلى ذلك فأخو الرضيع الذي لم يشترك في الرضاعة، يجوز له أن يتزوج بنت مرضعة أخيه؛ لأنها أجنبية عنه، وإن كانت أختًا لأخيه من الرضاعة، (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ9 صـ45).
* * *
س 12: ما الأحكام التي تترتب على الرضاعة التي يثبت بها التحريم؟
جـ12: الرضاعُ الذي يثبتُ به التحريم يُباحُ به النظرُ إلى من رضع مع الشخص (ما عدا ما بين السُّرة والركبة)، والمصافحة والخلو والسفر، بشرط عدم الفتنة، ولا يجوز به التوارث، ولا يجب به الإنفاق، (سبل السلام للصنعاني جـ3 صـ291).
* * *
س:13: هل يجوز لامرأة مسلمة أن ترضع طفلًا نصرانيًّا، وهل يجوز لامرأة نصرانية أن ترضع طفلًا مسلمًا، وما حكْم هذا الطفل بالإسلام إذا تم إرضاعه فعلًا؟
جـ13: أولًا: يجوز للمسلمة أن ترضع طفلًا نصرانيًّا، ويجوز للنصرانية أن ترضعَ طفلًا مسلمًا؛ لأن الأصل في مثل ذلك الإباحة، ولم يوجد دليلٌ ينقل عنها، بل ذلك من باب الإحسان، وقد كتبَ اللهُ الإحسانَ على كل شيء؛ روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ؛ (البخاري حديث:2363/مسلم حديث:2244).
ثانيًا: إذا تَمَّ إرضاعهما فحكْم كل منهما في الإسلام لم يتغير عما كان عليه بهذا الإرضاع، فمن كان منهما محكومًا له بالإسلام قبل الإرضاع، فهو مسلم بعده، ومن كان محكومًا له بالنصرانية قبل الإرضاع، فهو محكوم له بها بعده؛ (فتاوى اللجنة الدائمة جـ21 صـ 61فتوى رقم: 4668).
* * *
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًَا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:89:88)، كما أسأله سُبْحَانَهُ أن ينفعَ به طلابَ العِلْمِ الكرامِ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.