أرشيف المقالات

آيات منيرة في أحداث السيرة (9)

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
آيات منيرة في أحداث السيرة (9)

يقول الله - عز وجل -: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23].
 
جاء في "تفسير الآلوسي":
عن مجاهد: ﴿ إلى مَا عَمِلُوا ﴾ في الدنيا ﴿ مِنْ عَمَلٍ ﴾ فخيم؛ كصِلة رحم، وإغاثة ملْهوف، وقرى ضيف، ومنٍّ على أسير، وغير ذلك من مكارمهم ومحاسنهم، التي لو كانوا عملوها مع الإيمان لنالوا ثوابها.
 
وورد في "تفسير الطبري" عن مجاهد مثله، وقوله: ﴿ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾، يقول: فجعلناه باطلاً؛ لأنهم لَم يعملوه لله، وإنما عملوه للشيطان.
 
والهباء: هو الذي يُرى كهيئة الغبار إذا دخل ضوء الشمس من كوّة، يحسبه الناظر غبارًا وليس بشيء، تقبض عليه الأيدي ولا تمسه، ولا يرى ذلك في الظل.
 
وكذلك لا ينفع الكافر عمله ما لَم يقترن بالإسلام.
 
خديجة - رضي الله عنها - وأبو طالب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- كلاهما قدَّم المساعدات لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكن خديجة قرنتْ عملها بالإسلام، فكان جزاؤها: ((هذه خديجة أتتك بإناء فيه طعام، أو إناء فيه شراب، فأَقْرِئْها من ربها السلام، وبشِّرها ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب))؛ رواه البخاري.
 
وأما أبو طالب، فجزاؤه: ((هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار))؛ رواه البخاري.
 
ساعد أبو طالب الرسولَ وحماه، ودافَعَ عنه دفاعًا كبيرًا، فقد أتتْ قريش أبا طالب يساومونه على قتْل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأتوه بعمارة بن الوليد قائلين له: يا أبا طالب، هذا أجمل فتى في قريش، فخذه وادْفع إلينا هذا الذي خالَف دينك ودين آبائك، فنقتله؛ فإنما هو رجل برجل.
 
فقال: بئسما تساومونني؛ تعطوني ابنكم أربِّيه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه؟!
 
فقالوا: إما أن تخلي بيننا وبينه فنكفيكه، فإنك على مثل ما نحن عليه، أو اجمع لحربنا؛ فإنا لسنا بتاركي ابن أخيك على هذا حتى نهلكه أو يكف عنا.
 
فحماه أبو طالب ودعا أقاربه إلى نصرته، فأجابوه غير أبي لهب، وثبت أبو طالب على موقفه المدافع عن ابن أخيه.
 

وَاللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ
حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينَا

فَاصْدَعْ بِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ
وَابْشِرْ وَقَرَّ بِذَاكَ مِنْكَ عُيُونَا

وَدَعَوْتَنِي وَعَرَفْتُ أَنَّكَ نَاصِحِي
وَلَقَدْ صَدَقْتَ وَكُنْتَ ثَمَّ أَمِينَا

وَعَرَضْتَ دِينًا قَدْ عَرَفْتُ بِأَنَّهُ
مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ البَرِيَّة دِينَا

لَوْلاَ المَلامَةُ أَوْ حِذَارُ مَسَبَّةٍ
لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينَا

 
واشتد موقفه -صلى الله عليه وسلم- بعد إسلام حمزة - رضي الله عنه - فزاد غيظ قريش وحقدهم عليه؛ ففكروا في وسيلة للتَّضييق عليه وعلى أصحابه.
 
فأجمعوا أمرهم على منْع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فلا يُجالسونهم، ولا يبايعونهم، ولا يدخلون بيوتهم، وكتبوا بذلك صحيفتهم الغاشمة.
 
فأمرهم أبو طالب أن يدخلوا شِعبه ويَحتَموا به، فلبثوا فيه ثلاث سنين وقريش لا تترك لهم طعامًا، وقد منعوا عنهم كلَّ سبل العيش، حتى كان يُسمع صوت أطفالهم من وراء الشعب وهم يتضورون من الجوع.
 
وكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم، أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يضطجع على فراشه، وأمر أحد بنيه أن يضطجع على فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حماية له.
 

وَلَمَّا رَأَيْتُ القَوْمَ لاَ وُدَّ فِيهِمُ
وَقَدْ قَطَعُوا كُلَّ العُرَى وَالوَسَائِلِ

وَقَدْ صَارَحُونَا بِالعَدَاوَةِ وَالأَذَى
وَقَدْ طَاوَعُوا أَمْرَ العَدُوِّ المُزَايِلِ

صَبَرْتُ لَهُمْ نَفْسِي بِسَمْرَاءَ سَمْحَةٍ
وَأَبْيَضَ عَضْبٍ مِنْ تُرَاثِ المقَاوِلِ

وَأَحْضَرْتُ عِنْدَ البَيْتِ رَهْطِي وَأُسْرَتِي
وَأَمْسَكْتُ مِنْ أَثْوَابِهِ بِالوَصَائِلِ

 
إلى نهاية قصيدته.
 
وبعد مرور ثلاث سنوات من البلاء العظيم والحصار في هذا الشِّعب، ذهب هشام بن عمرو، وزهير بن أبي أمية المخزومي، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، والمطعم بن عدي، وتعاقدوا جميعًا على نقض الصحيفة، فذهبوا إلى الكعبة على مرأى ومسمع من قريش، وصاح زهير: يا أهل مكة، إنا نأكل الطعام، ونشرب الشراب، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى؟!
 
والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة.
 
فردَّ عليه أبو جهل: كذبتَ، والله لا تشق.
 
فأجابه زمعة: أنت الكاذب، وصدَّقه أبو البختري وهشام والمطعم.
 
فقال أبو جهل: هذا أمر قُضي بليلٍ.
 
ولما رأت قريش ما فعلت الأرَضة بها من إزالة اسم الله منها، وقال لهم أبو طالب: إن الله بريء من هذه الصحيفة الغاشمة، فخرج بنو هاشم ومن كان معهم من الشعب وعادوا إلى الناس وخالطوهم.
 
وبعد ستة أشهر من خروجهم، مرض أبو طالب مرضًا شديدًا، واشتد عليه المرض في رجب من السنة العاشرة بعد البعثة.
 
جاء في "صحيح البخاري" عن سعيد بن المسيب، عن أبيه:
لما حضرتْ أبا طالب الوفاةُ، جاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: ((أي عمِّ، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله))، فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبدالمطلب؟
 
فلم يزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرضها عليه، ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبدالمطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله.
 
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((والله لأستغفرن لك، ما لَم أُنه عنك)).
 
فأنزل الله -تعالى- آية ينهاه فيها عن الاستغفار له.
 
فما الآية التي نزلت؟ وفي أي جزء من القرآن؟
أدع الجواب للقراء رغبة في تفعيل مشاركاتهم في الموضوع.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن