منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في العبادة
مدة
قراءة المادة :
22 دقائق
.
منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في العبادة[1]عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: جاء ثلاثةُ رهْط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أُخبِروا كأنهم تقالُّوها فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم؟ قد غفَر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، قال: أحدهم: أما أنا، فإني أُصلِّي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوَّج أبدًا.
فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أنتم الذين قلتُم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأُفطِر، وأُصلِّي وأرقد، وأتزوَّج النساء، فمَن رغِب عن سنَّتي فليس مني))؛ رواه الشيخان[2].
المفردات:
الرَّهط: الجماعة من ثلاثة إلى عشرة، وفي رواية مسلم (نفر)، وهم من الثلاثة إلى التسعة.
تقالُّوها: عدُّوها قليلة.
والمراد بذنبه ما فرَط منه خلاف الأَولى بالنسبة إلى مقامه الكريم، وهو من قبيل (حسنات الأبرار سيئات المقرَّبين)، وإذا كان العِتاب على قدْر المحبة، فإن الذنب على قدْر المنزلة.
وتُطلَق السُّنَّة، ويُراد بها ما سنَّه - صلى الله عليه وسلم - لأمته مما يُقابل الفرض، وتُطلَق ويراد بها السيرة والطريقة، وهذا هو المراد هنا[3].
والرغبة هنا: العدول والإعراض، فإن كان على وجه من التأويل عُذِر صاحبه، ولكنه بسبيل الوقوع في شرَك التعمُّق والتنطع، وإن كان عن بُغضٍ وكراهية، فالله بريء من الكافرين ورسولُه، وعياذًا بالله من ذلك!
مقامان كريمان:
النبي - صلى الله عليه وسلم - خليفة الله في أرضه[4]، وأمينه على وحيه، وسفيرهُ إلى أمته، يأخذ عن ربِّه ويعلِّمهم ويستضيءُ بنوره ويرشدهم: ﴿ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 16].
مقامان كريمان: يقضي أولهما أن يكون المَثل الأعلى في القانتين، ويقضي ثانيهما أن يكون القدوة المُثلى في الهُداة المرشدين، وكذلك كان - صلوات الله وسلامه عليه.
المثل الأعلى في القانتين:
كان في مقام العبوديَّة، وهو أحبُّ مقام إليه، يَصِل ليله بنهاره في خدمة مولاه، ويقوم من الليل حتى تتورَّم قدماه، وإذا قيل له: لمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفَر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا؟))[5].
القدوة المُثلى في الهداة المرشدين:
وكان في مقام الهدى والإرشاد يترفَّق بصحابته، ويدعوهم إلى الأخذ بالأيسر من الأمور ما لم يكن إثمًا، ويُحذِّرهم التكلُّف والتعمُّق، ويقول لهم: ((خذوا من العمل ما تُطيقون؛ فإن الله لا يَمَل حتى تَملُّوا[6])).
ويقول لعبدالله بن عمرو - وقد شدَّد على نفسه -: ((صم وأفطر ونم وقم؛ فإنَّ لجسدك عليك حقًّا، وإن لعينك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا، وإن لزورك عليك حقًّا))[7].
ويشكو إليه حنظلةُ غفلتَه ومداعبتَه أهله، ويحسب ذلك نفاقًا، فيهوِّن عليه ويقول: ((ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة)) [8]، ثلاث مرات.
ثم كانوا إذا ذكروا الدنيا ذكَرها معهم، وإذا ذكروا الطعام ذكَره معهم[9]، وإذا ذكروا الآخرة ذكرها معهم، وما طلب من تاجر أن يترك تِجارته، ولا صانع أن يُهمِل صناعته، بل أقرَّهم على أسبابها، ودعاهم إلى إتقانها، وأمرهم بتقوى الله فيها، وكان يتخوَّلهم بالموعظة خشيةَ السآمة عليهم، وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل، ((فإن المُنبتَّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى))[10].
خُطَّة عملية مثلى:
ولم يكفِه - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذهم بهذا المنهج الحكيم حتى أكمله بخُطة عمليَّة مُثلى، لا تدع لمتنطِّع مجالاً، ولا لمُتعمِّق عذرًا، وذلك أنه كان يترك النافلة وهي أحب إليه، ويقتصد في الطاعة، وفي ازدياده منها قرَّة عينيه؛ إما راهبًا أن تُفرَض عليهم، وإما راغبًا أن يترفَّق بهم، وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم.
خَفِي هذا الذي جَلَوناه لك على كثير من الناس، ومنهم نفرٌ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بادئ الرأي، إذ قاسوا المنزلة عند الله والزُّلفى إليه بمقياس الجد والنَّصبِ، لا بمقياس الحَرَج والعَنت.
ذهبوا يسألون أمهات المؤمنين عن عبادته - صلى الله عليه وسلم - في السر؛ كما في رواية مسلم - فلما أُخبِروا أخذهم جانبٌ من العجب، كأنهم استقلوها بالنسبة إلى أنفسهم، وهنالك اعتذروا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الله قد غفَر له، وآتاه ما لم يؤتِ أحدًا غيره، فلا عليه ألا يزداد، وهذا مكانه من الله - عز وجل.
ثم أصرُّوا على أن يأخذوا أنفسهم بالأشقِّ من العبادة، فواحد يُلزِم نفسه قيام الليل كله لا يذوق فيه نومًا، وآخر يَفرِض على نفسه صيام الدهر كله لا يُفطِر إلا يومًا حرَّم الله صومه، وثالث يترهَّب فلا يتزوَّج أبدًا، يبغي بذلك التفرغ لعبادة ربه.
ظنوا أن هذا طريق السَّبْق إلى الدرجات العلا، وأن بُعْد الشُّقة بينهم وبين الرسول يسوِّغُ لهم ما ذهبوا إليه.
القصد في العبادة:
فما أن علِم - صلوات الله عليه - بما اعتزموا حتى اشتدَّ عليهم في العتاب الذي ترى، وأبان لهم أن القصد في العبادة أزكى للنفوس وأضمن لها في تحصيل ما تصبو إليه من سبقٍ وفضل.
القيام بواجب الشكر:
ثم نقَض حُكمَهم أن المغفور له لا يحتاج إلى مبالغةٍ في العبادة، بأنه بها أجْدر وأحق قضاء لحق النعمة، ووفاء بواجب الشكر، بَيد أنه يَقتصِد في الأعمال ليكون القدوةَ المثلى فيما يدعو إليه.
الإخلاص والصدق:
وحكمة أخرى أن يعلموا أن رِفعةَ الدرجات عند الله إنما هي بالإخلاص وصدْق الرغبة في العمل وإن قلَّ، لا بالكثرة منه والتعُّمق فيه، فكم من قائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر، وكم من صائم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش[11].
ما هو الإحسان؟
وليس الإحسان، وهو أعلى المقامات، أن تُكثِر العمل، وإنما: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك))[12].
ثم ختم عتابَهم بأشدِّ ما يكون من الزجر؛ إذ تبرَّأ من المُتنطِّعين الذين رغبوا عن سنَّته، ونكبوا عن محجَّته، ولا يَزيغ عنها إلا هالك.
حكم وأحكام:
وبعد، فلا يزال في الحديث حِكَم وأحكام، من حقِّه علينا أن نشير إلى طائفة منها:
السر في اختصاص أمهات المؤمنين بالسؤال:
فمن ذلك أنهم اختصُّوا أمهات المؤمنين بالسؤال؛ لأنهنَّ أدرى بعبادته - صلى الله عليه وسلم - في السرِّ، وهي التي يَقصِدون إليها، وأما عبادته في العلن فهي معروفة لهم، وكان هذا السؤال بعد الحجاب؛ لأنَّ حادث الرهط سبب نزول قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [المائدة: 87]، وإنما نزلت سورة المائدة في حجَّة الوداع في السنة العاشرة، وكان الحجاب في ذي القعدة من السنة الخامسة.
من الأساليب المثلى في التربية:
ومنها أنه - صلى الله عليه وسلم - واجَههم بالعتاب بعد التثبُّت ممَّا قالوا: رفقًا بهم وسَترًا عليهم، ثم حذَّر أصحابَه كافة أن يزِلُّوا في هذا التعمُّق، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ((ما بال أقوام قالوا كذا وكذا))؛ كما في رواية مسلم[13].
وهذا طريق التوفيق بين روايتَي الشيخين؛ إذ اقتصرت الأولى على اختصاص الرهط بالعتاب، واقتصرت الثانية على التعميم في الخطاب، وتلك هي الطريقة المُثلى في التربية والتعليم، ما دام في الدنيا تهذيبٌ وإرشاد.
الإقسام بالله - سبحانه - في الأمور المهمة وإظهار الفضل والمنزلة عند أمن الرياء:
ومنها الإقسام بالله - عز وجل - في الأمور المهمة ذوات البال توكيدًا وتثبيتًا.
وإن من الخير والحكمة إظهار الفضل والمنزلة تلبية لدواعي التهذيب والتقويم وبخاصة عند أمن الرياء.
التمتُّع بالطيبات لا ينافي الورع:
وفي الحديث - عدا فضْل النكاح والترغيب فيه - دعوة إلى التمتُّع بالحلال الطيب، وأنه لا يُجافي الورع والتُّقى، بل إنَّ العدول عنه هو المجافاة للورع والتقى، وللعلماء في هذا بحث طويل والحق الذي تؤيِّده الدلائل ويَشهد به الحِسُّ أن المباح في ذاته لا ضررَ فيه، ولا ذمَّ يَلحَق مُتناوليه، وإنما يَعرِض له ما يجعله ذميمًا منهيًّا عنه كما يَعرِض له ما يجعله حميدًا مندوبًا إليه.
وكيف يكون رفض ما أحلَّ الله لعباده ورعًا وتقى، وهو - جلَّت آلاؤه - يقول: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [الأعراف: 32]؟
وقد كان السلف الصالح يتناولون الطيبات ولا يتحرَّجون منها، بل كان الصحابة - رِضوان الله عليهم - لا يذمُّون المباحات ولا يرفضونها.
وهذا أزهد البشر - صلوات الله وسلامه عليه - وهديه أكمل الهدي، وطريقُه أقْومُ الطرق كان يحب الحلواء والعسل[14]، ويأكل اللحم ويختصُّ بالذراع وكانت تُعجِبه[15]، وكان يُستعذَب له الماء، ويُنقَع له الزبيب والتمر، وأخبر أنه حُبِّب إليه النساء والطيب[16]، وكان ينهى عن الترهُّب والغلو حتى عدَّ فاعلَها خارجًا عن سنَّته، والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مستفيضة.
نعم ما كان يتكلَّف من هذه المباحات شيئًا ولا يتشهَّاه، ولكنه إذا وجده لم يكن يرفضه ولا يأباه.
وفصل الخطاب أنَّ خطر المباح إنما هو من ناحية ما يَعرِض له من التوسُّع فيه والاشتغال به، وقلما نرى منغمِسًا في الترف عرَف الله حقَّ معرفته وشكَره حق شكره.
ويؤيِّد هذا ما روي عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال له: ((إياك والتنعُّم؛ فإنَّ عباد الله ليسوا بالمتنعمين))؛ رواه أحمد والبيهقي، ورواة أحمد ثقات[17].
فقصد السبيل: ألا يُسرِف المرء في الطيِّبات حتى تُفضي به إلى الترف والبَطر والوقوع في الشبهات، وألا يشدِّد على نفسه حتى يأخذ منه التنطُّع، ويزحف إليه الملل، وكلا الأمرين مجافٍ للحنيفية السمحة والمنهج الحق الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - والكيِّس من ساس نفسه وأخذها بالتي هي أقوم.
حرص الرسول وأصحابه على الخير:
وفي الحديث حرْصه - صلى الله عليه وسلم - على أمَّته، ورأفتُه بهم، وعنايته بتربيتهم وحرص أصحابه - رضي الله عنهم - على تتبُّع مناهجه، وتقصِّي سيرته، وهكذا تكون سيرة الحكماء المربِّين مع الطلاب الراشدين.
سؤال النساء وإباحة مخاطبتهنَّ:
والحديث يرفع الحرَج في سؤال النساء، ويبيح مخاطبتهنَّ والتلقِّي عنهن في أدب ووقار من وراء حجاب.
ولعلَّ في ذلك عِبرة لقوم أسرفوا في السفور ففتحوا لهن الباب، وعِظة لآخرين تنطَّعوا في الحجاب، فحرَّموا عليهنَّ ردَّ الجواب، وكلاهما ناكبٌ عن الصراط المستقيم وعن سيرة أغير الناس أجمعين.
المصدر: من ذخائر السنة النبوية؛ جمعها ورتبها وعلق عليها الأستاذ مجد بن أحمد مكي
[1] مجلة الأزهر، الجزء الثامن، المجلد الخامس عشر، شعبان (1363).
[2] أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401)، كلاهما في كتاب النكاح.
[3] أي: الطريقة المشروعة المُتَّبَعة في الدين، والمنهج النبوي، الذي يشمل الاعتقادات والعبادات والمعاملات والأخلاق والآداب وغيرها، أما معنى (السنة) بما يُقابِل الفرضَ والواجب، فهو من الألفاظ الاصطلاحية الفقهية، والفَرْق بين المعنيين والاستعمالين ظاهر، وانظر في مدلول لفظ (السنة) في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وكلام الصحابة والتابعين ما كتبه الأستاذ العلامة المحقِّق الشيخ عبدالفتاح أبو غدة - رحمه الله تعالى - في كتاب: "السنة النبوية وبيان مدلولها الشرعي".
[4] في هذه العبارة نظر؛ لأن الاستخلاف يتضمَّن معنى تفويض المستخلِف لخليفته فيما هو من خصائصه، والنبي مُنبَّأ من علوم ربانية بالوحي، والرسول مكلَّف أن يبلِّغ رسالة ربه، والخلافة فيها معنى التوكيل والإنابة، والله - عز وجل - هو الوكيل على كل حي، وقد خاطَب نبيَّه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [هود: 12]، ﴿ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 107]، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس وكيلاً على الناس، بأي معنى من معاني الوكالة، أفيكون خليفة عن الله، والخلافة أوسع في صلاحيتها من الوكالة؟ وهذا كله بالنسبة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل خلْق الله وخاتم رسله، فكيف يكون حال سائر الناس؟!
[5] أخرجه البخاري (1130) في التهجد، ومسلم (2819) و(2820) في صفة القيامة والجنة والنار.
[6] أخرجه البخاري (1970)، ومسلم (782).
[7] أخرجه البخاري (1975) (1976)، ومسلم (1159).
[8] أخرجه مسلم (2750).
[9] روى الترمذي في "الشمائل النبوية" (343) عن خارجة بن زيد بن ثابت قال: دخل نفر على زيد بن ثابت، فقالوا: حدِّثنا أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ماذا أُحدِّثكم؟ كنت جاره فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إليَّ فكتبتُه له، فكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، فكل هذا أحدِّثكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
[10] اقتباس من حديث عزاه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (291)، و"الأجوبة المرضية" (1: 10 - 15) للبزار (74) والحاكم في "علومه" (ص: 314) (220)، والبيهقي في "سننه" (3: 18، 19)، وغيرهم، كلهم من طريق محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعًا بلفظ: ((إن هذا الدين متين، فأَوغِل فيه برفق، ولا تُبغِّض إلى نفسك عبادة الله، فإن المُنبتَّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى)).
ثم قال السخاوي: "وهو مما اختلف فيه على ابن سوقة في إرساله ووصْله، وفي رفْعه ووقفه، ثم في الصحابي: أهو جابر أو عائشة أو عمر؟ وقال الدارقطني: ليس فيها حديث ثابت، ورجَّح البخاري في "تاريخه" (1: 102 - 103) من حديث ابن المنكدر الإرسال.
وأخرجه البيهقي أيضًا (3: 199)، والعسكري من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص فيه، لكن بلفظ: ((فإن المُنبتَّ لا سفرًا قطع، ولا ظهرًا أبقى))، وسنده ضعيف أيضًا، وهو عند ابن المبارك في "الزهد"(1334) من حديث عبدالله بن عمرو، ولكن وقفه، ولفظه: ((إن دينكم دين متين، فأَوغِلوا فيه برفق، ولا تُبغِّضوا إلى أنفسكم عبادة الله، فإن المنبتَّ ....))، ولهما شاهد عند العسكري من حديث الفرات بن السائب عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رفعه: ((إن دينكم دين متين فأَوغِل فيه برفق، فإن المنبتَّ لا ظهرًا أبقى ولا أرضًا قطع))، وفرات ضعيف، وهو عند أحمد (3: 199) (13052)، من حديث أنس رفعه، لكن ليس فيه جملة الترجمة، وهو على اختصاره أجود مما قبله"، انتهى.
ولفظه في "مسند أحمد" من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن هذا الدين متين، فأَوغِلوا فيه برفق))، وهو حسنٌ بشواهده، وانظر شواهده في التعليق على "المسند" (20: 346، 347).
[11] اقتباس من حديثٍ رواه أحمد في "المسند" (2: 373) (8856)، وأبو يعلى (6551)، وابن خزيمة (1997) وهو حديث إسناده جيد، ولفظه عند أحمد من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وربَّ قائم حظُّه من قيامه السهر)).
[12] أخرجه البخاري (50)، ومسلم (8) (9) (10) من حديث طويل في سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم.
[13] أخرجه مسلم (1401).
[14] أخرجه البخاري (5268)، ومسلم (1474)، والترمذي (1831) من حديث عائشة.
[15] أخرجه البخاري (3340)، ومسلم (194)، والترمذي (1837) من حديث أبي هريرة.
[16] أخرج أحمد (3: 128) (12318) (13088)، والنسائي في سننه (3939) من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((حُبِّب إليَّ من الدنيا: النساء والطيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة))، ومما يُنبَّه إليه: أنه اشتهر الحديث على الألسنة بزيادة، "ثلاث" عَقِب قوله: ((حُبِّب إليَّ من دنياكم)) وهذه الزيادة شاذَّة غير محفوظة، ولم تَرِد في شيء من طرق الحديث، وهي زيادة مُفسِدة للمعنى؛ لأن الصلاة ليست من أمور الدنيا، وإنما هي من أهم شؤون الآخرة.
[17] أخرجه أحمد (5: 243) (22105)، وقول المؤلف: رواة أحمد ثقات، فيه نظر؛ لأن فيه بقية بن الوليد، وهو مدلِّس تدليس تسوية، وقد عنعن، فإسناده ضعيف، وانظر التعليق على المسند (36: 42).
نعم ورد من حديث أبي عثمان عبدالرحمن بن ملّ الهندي قال: "جاءنا كتاب عمر ونحن بأذربيجان، يا عتبة بن فرقد، إياكم والتنعم، وزيَّ أهل الشرك"؛ رواه أحمد (1: 16) (92) بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وأبو يعلى (213) و(214)، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (10: 128) (20199).