حدث في السنة الخامسة من الهجرة (4)
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
حدث في السنة الخامسة من الهجرة (4)10- وفي ذي الحجة من هذه السنة: قتلت الخزرج أبا رافع سلام بن أبي الحُقيق اليهودي بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
كان مما صنع الله به لرسوله - صلى الله عليه وسلم - أن هذين الحيَّين من الأنصار، الأوس والخزرج كانا يتصاولان[1] مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصاول الفحلين لا تصنع الأوس شيئًا فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غناء[2] إلا قالت الخزرج: والله لا تذهبون بهذه فضلاً علينا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي الإسلام قال: فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها، وإذا فعلت الخزرج شيئًا قالت الأوس مثل ذلك[3].
ولما انقضى شأن الخندق، وأمر بني قريظة، وكان سلام بن أبي الحُقيق - وهو أبو رافع- فيمن حزب الأحزاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت الأوس قبل أُحُد قد قتلت كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحريضه عليه استأذنت الخزرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتل سلام بن أبي الحُقيق، وهو بخيبر فأذن لهم[4].
عن الْبَرَاءِ بن عَازِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى أبي رَافِعٍ، عبدالله بن عَتِيكٍ وَعبدالله بن عُتْبَةَ فِي نَاسٍ مَعَهُمْ فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَنَوْا مِنْ الْحِصْنِ، فَقَالَ لَهُمْ عبد الله بن عَتِيكٍ: امْكُثُوا أَنْتُمْ حَتَّى أَنْطَلِقَ أَنَا فَأَنْظُرَ، قَالَ: فَتَلَطَّفْتُ أَنْ أَدْخُلَ الْحِصْنَ، فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ - وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم[5] - فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ[6] يَطْلُبُونَهُ، قَالَ: فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ، قَالَ: فَغَطَّيْتُ رَأْسِي وَجَلَسْتُ كَأَنِّي أَقْضِي حَاجَةً، ثُمَّ نَادَى صَاحِبُ الْبَابِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَهُ، فَدَخَلْتُ ثُمَّ اخْتَبَأْتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ، فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أبي رَافِعٍ وَتَحَدَّثُوا حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ، فَلَمَّا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ، وَلَا أَسْمَعُ حَرَكَةً خَرَجْتُ، قَالَ: وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْبَابِ حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ فِي كَوَّةٍ، فَأَخَذْتُهُ فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الْحِصْنِ، قَالَ: قُلْتُ: إِنْ نَذِرَ بِي الْقَوْمُ انْطَلَقْتُ عَلَى مَهَلٍ ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ فَغَلَّقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى أبي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ فَإِذَا الْبَيْتُ مُظْلِمٌ قَدْ طَفِئَ سِرَاجُهُ فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ الرَّجُلُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: فَعَمَدْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ وَصَاحَ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ كَأَنِّي أُغِيثُهُ، فَقُلْتُ: مَالَكَ يَا أَبَا رَافِعٍ؟ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي، فَقَالَ: أَلَا أُعْجِبُكَ لِأُمِّكَ الْوَيْلُ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ، قَالَ: فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضًا فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُغِيثِ فَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أَنْكَفِئُ عَلَيْهِ - حتى أخذ في ظهره- حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ الْعَظْمِ، ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشًا حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ فَأَسْقُطُ مِنْهُ فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي فَعَصَبْتُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُ أصحابي أَحْجُلُ، فَقُلْتُ: انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَإِنِّي لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ، فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ صَعِدَ النَّاعِيَةُ، فَقَالَ: أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ، قَالَ: فَقُمْتُ أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ فَأَدْرَكْتُ أصحابي قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَشَّرْتُهُ، فَقَالَ: "ابْسُطْ رِجْلَكَ"، فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ[7].
11- وفي هذه السنة: تسرَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برَيحانة، وهي من سبي بني قريظة بعدما أسلمت وظلت معه حتى ماتت في السنة العاشرة للهجرة.
الشرح:
قال ابن إسحاق - رحمه الله -:
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن جُنافة، إحدى نساء بني عمرو بن قريظة، فكانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تُوفي عنها وهي ملكه[8].
12- وفي هذه السنة: قدم وفدُ أشجع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
الشرح:
قال ابن سعد - رحمه الله -:
وقدمتْ أشجع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الخندق، وهم مائة - على- رأسهم مسعود بن رخيلة، فنزلوا شعب سَلْع، فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمرهم بأحمال التمر، فقالوا: يا محمد لا نعلم أحدًا من قومنا أقرب دارًا منك منَّا، ولا أقلَّ عددًا، وقد ضقنا بحربك وبحرب قومك، فجئنا نوادعك، فوادعهم، ويقال: بل قدمت أشجع بعدما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بني قريظة وهم سبعمائة، فوادعهم ثم أسلموا بعد ذلك[9].
13- وفي هذه السنة: سابق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الخيل.
الشرح:
عن ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ[10] مِنْ الْحَفْيَاءِ إلى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ[11]، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بني زُرَيْقٍ[12] وَكان ابْنُ عُمَرَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا[13].
وذكر ابن سيد الناس ذلك ضمن أحداث السنة الخامسة، فقال: وفيها سابق - النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الخيل[14].
14- وفي هذه السنة: زُلزلت المدينة.
الشرح:
قال ابن سيد الناس - رحمه الله -: وفيها - أي: في السنة الخامسة- زلزلت المدينة[15].
(الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية)
[1] أي: يتنافسان.
[2] غَناء: أي دفع مكروه، وجلب منفعة.
[3] "سيرة ابن هشام" 3/158.
[4] "سيرة ابن هشام" 3/157.
[5] أي: بمواشيهم.
[6] أي: شعلة من نار.
[7] صحيح: أخرجه البخاري (4040)، كتاب: المغازي، باب: قتل أبي رافع عبدالله بن أبي الحُقيق، ويقال: سلام بن أبي الحقيق.
[8] "سيرة ابن هشام" 3/133.
[9] "الطبقات" 1/306.
[10] يقال: أُضمرت الخيل، وهو أن يُقلل علفها مدة، وتدخل بيتًا، وتُجلل فيه لتعرق ويجف عرقها، فيخف لحمها وتقوىٰ علىٰ الجري.
[11] بين ثنية الوداع والحفياء خمسة أميال أو ستة.
[12] وبين ثنية الوداع ومسجد بني زريق ميلٌ واحد.
[13] متفق عليه: أخرجه البخاري (2868)، كتاب: الجهاد والسير، باب: السبق بين الخيل، ومسلم (1870)، كتاب: الإمارة، باب: المسابقة بين الخيل وتضميرها.
[14] "عيون الأثر" 2/373.
[15] المصدر السابق.