أرشيف المقالات

البشارات المحمدية ( أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة )

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
البشارات المحمدية
( أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة )


جاء في سِفر أشعياء، الإصحاح (29) الأعداد (12): "أو يُدفع الكِتاب لمَن لا يَعرِفُ الكتابةَ ويقال له: اقرأ هذا، فيقول: لا أعرف الكتابة".

هذه بِشارة واضحة بالنبيِّ محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي كان أميًّا لا يعرف الكتابة، ولا القراءةَ من كتاب.

قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 157، 158].

وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّا أُمَّة أميَّة لا نَكتُب ولا نحسب))[1].

وقد جاءت هذه البِشارة مُوافقة تمامًا لما جاء في الروايات المُستفيضة في بَدء الوحي، حين جاء الملَك جبريل - عليه السلام - إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال له: اقرأ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أنا بقارئ))؛ فعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "أول ما بُدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرُّؤيا الصالِحة في النَّوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبحِ، ثم حُبِّب إليه الخلاء، وكان يَخلو بغار حراء فيتحنَّث فيه - وهو التعبُّد - اللياليَ ذوات العدد قبل أن يَنزع إلى أهله ويتزوَّد لذلك ثمَّ يرجع إلى خديجة فيتزوَّد لمِثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملَكُ فقال: اقرأ، قال: ((ما أنا قارئ))، قال: ((فأخذَني فغطَّني حتى بلغ مني الجَهْد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلتُ: ما أنا بقارئ، فأخذَني فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني، فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]))[2]، وكان هذا هو أول ما نزَل من القرآن الكريم.

وعند التأمُّل في نصِّ أشعياء نلحَظُ شيئًا من الاضطِراب؛ ربما جاء بسبب مُحاوَلة أهل الكتاب إخفاء هذه البشارة بتحريف النص من: "لا أعرف القراءة" - وهو الموافق للسياق - إلى "لا أعرف الكتابة"، التي لا تتَّفق مع السياق.

فمن الطبيعي إن قلت لشخص أميٍّ: اقرأ فسيَقولُ لك: لا أعرف القراءة.

أما إن قلتَ له: اكتب، فستكون الإجابة المنطقية: لا أعرف الكِتابة.

وقد جاء في نص أشعياء: "أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له: "اقرأ هذا"، فيقول: "لا أعرف الكتابة".

فالكتاب يُدفع لشخص أمِّيٍّ ويُقال له: اقرأ؛ أي يُطلب منه القراءة، وكان المنطقي أن تكون الإجابة: لا أعرف القراءة، ولكنه قال: لا أعرف الكتابة؛ رغم أن المطلوب منه هو القراءة لا الكتابة.

وهذا التغيير الذي حدث في النص لا يؤثِّر على انطِباق تلك البشارة على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من الناحية المعنوية، وإنما تُحدِث شيئًا من الاختلاف اللفظي فقط، وهذا يُمكن تجاوُزُه.

ويُمكِن تأويل هذا النص بأن يكون المقصود من قوله: "لا أعرف الكتابة" هو: "لا أعرف القراءة مِن المَكتوب"؛ حيث إن القراءة قد تكون من شيء مكتوب أمامك، وقد تكون من حفظ الذِّهن ونحوه.

فجاء النصُّ "لا أعرف الكتابة" ليدلَّ على عدم معرفته القراءة من المكتوب؛ لكون المُخاطب أميًّا، وبهذا يَستقيمُ المعنى ويتَّفق السياق، والحمدُ للهِ ربِّ العالَمين.

[1] البخاري (1780)، مسلم (1806).

[2] البخاري (3)، مسلم (231).

شارك الخبر

المرئيات-١