أرشيف المقالات

غزوة بدر الكبرى ( عرض إجمالي )

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
غزوة بدر الكبرى
( العَرْض الإجمالي )

لم يَقنَع الكفارُ بما نالوه من عباد الله المؤمنين في مكة، وما فعلوه من الإيذاء والتنكيل، وكادهم فشلُهم في النيل من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ فلم يُوقِفوا حربَهم على المسلمين، واستحلوا نَهْب أموالهم، ولوَّحوا برغبتهم في صدِّهم عن المسجد الحرام؛ حَيث قال أبو جهل لسعد بن معاذ حين رآه يطوف بالبيت ومعه أبو صفوان: أمَا والله لولا أنك مع أبي صفوان، ما رجعتَ إلى أهلك سالمًا، فأجابه سعد: أمَا والله لئن منعتَني هذا، لأمنعنَّك ما هو أشد عليك: طريقك على أهل المدينة [1].

ولم يقف الأمر عند ذلك الحد؛ بل كتبوا إلى عبدالله بن أُبي ابن سلول بصفته رئيس الأنصار قبل الهجرة كتابًا جاء فيه: "إنكم آويتم صاحبَنا، وإنا نُقسِم بالله لتقاتلنه أو لتُخرِجنَّه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلكم، ونستبيح نساءكم"[2].

واستمرَّت قريش تُهدِّد المؤمنين ورسولهم صلى الله عليه وسلم، حتى اضطر الرسول إلى اتخاذ حارس من الصحابة[3]، حتى نزل قول الله - عز وجل -: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67] فصرف الحراس [4].

في هذه الظروف الخطيرة التي كانت تُهدِّد كِيان المسلمين في المدينة، وتؤكِّد أن الكافرين لن يفيقوا من غيِّهم، ولن يمتنعوا عن تَمرُّدهم، أنزل الله تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ [الحج: 39][5].

وإزاء ذلك قام المسلمون بإرسال جملة من السرايا والغزوات التي تَدعَم موقف الدولة الوليدة وتدفع عنها، حيث حرَص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يبسط سيطرته على الطريق الرئيس الذي تَسلُكه قريش في تجارتها من مكة إلى الشام.

وشكَّلت هذه السرايا تهديدًا لتجارة قريش، التي شرعت في اتخاذ احتياطات زائدة لحماية هذه القوافل، وحانت للمسلمين فرصة لاسترداد جزء من أموالهم المنهوبة من جهة، وتوجيه ضربة اقتصادية قاصمة لقريش تُعجِزها عن مواصلة اعتداءاتها واستفزازاتها من جهة أخرى.

وكان ذلك في عِيرٍ (قافلة) تحمل أموالاً طائلة لرؤساء قريش لا تَقِل عن خمسين ألف دينار ذهبي، ولم يكن معها من الحرس إلا نحو أربعين رجلاً فقط.

وحرص الرسول صلى الله عليه وسلم على الخروج بسرعة لإدراك القافلة، ولم يخرج معه إلا من تَجهَّز سريعًا، وكانوا نحو ثلاثمائة وسبعة عشر رجلاً لم يكن معهم إلا فرس أو فرسان، وسبعون بعيرًا يعتَقِب الرجلان والثلاثة على بعير واحد، قاصدين العيرَ لا النفير.

وصلت الأنباء إلى قريش، فخرجت في ألف وثلاثمائة رجل لحماية القافلة التي كان على رأسها أبو سفيان، والذي استطاع تغيير مسار القافلة والنجاة بها من قبضة المسلمين بعد أن علِم بتحركاتهم.

أراد جيش قريش العودة، لكن أبا جهل أراد الوصول إلى بدرٍ؛ لتأديب المسلمين وإرهابهم، فأطاعوه إلا بني زهرة الذين اتَّبعوا زعيمهم الأخنس بن شريق الذي أشار بالرجوع، وكان عددهم ثلاثمائة رجل، في حين سار بقية الجيش وقِوامه ألف مقاتل يَقصِدون بدرًا ونزلوا قريبًا منها.

وبعد مجلس عسكري استشاري قرَّر المسلمون بقيادة نبيهم صلى الله عليه وسلم المواجهة، وارتحلوا إلى بدر ونزلوا قريبًا منها، وعبَّأ الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه، وأقام عددًا من الاستحكامات العسكرية، وبات المسلمون ليلتهم هادئةً نفوسُهم، متوثِّبةً عزائمُهم، وكان ذلك في الليلة السابعة عشرة من رمضان في السنة الثانية من الهجرة.

فلما أصبحوا تراءى الجمعان، والتقى الجيشان، بعد مبارزة انتصر فيها ثلاثة فرسان من المسلمين على مِثْلهم من الكفار.

وحمي وطيسُ المعركة بعد هجوم جيش المشركين غضبًا على موت فرسانهم، وأظهر المسلمون ثباتًا وبطولة وجسارة عجيبة، واستطاعوا رغم قلة عددهم وُعدَّتهم أن يقهروا جيش الكفار؛ فيقتلون سبعين منهم ويأسرون مِثْلهم، وانهارت عزائم المشركين وتجرَّعوا مرارة الهزيمة، وأخذت جموعهم في الفرار والانسحاب، بعد مقتل جملة من زعمائهم وأسيادهم.

وبذلك انتهت غزوة بدر بانتصار ساحق للمسلمين على عدوهم في أول مواجهة عسكرية مُسلَّحة بينهم، رغم تفوُّق الكافرين الظاهر في العدد والعدة والاستعداد، ولكنه نصر الله يؤتيه من يشاء [6].



[1] أخرجه البخاري (3656)، وأحمد (3605).


[2] أخرجه أبو داود (2610).


[3] أخرجه البخاري (2672)، ومسلم (4427) من حديث عائشة رضي الله عنها.



[4] الترمذي (2972) من حديث عائشة رضي الله عنها.



[5] الرحيق المختوم ص : 216.


[6] انظر أحداث الغزوة في: سيرة ابن هشام (2: 590 - 700)، زاد المعاد؛ لابن قيم الجوزية، (3: 171 - 189)، دار الرسالة، بيروت، البداية والنهاية (3: 3- 83)، السيرة النبوية الصحيحة (2: 354 - 374) الرحيق المختوم (ص: 224 -240)، السيرة النبوية في ضوء الكتاب والسنة؛ لمحمد أبو شهبة (2: 123 - 170) دار القلم، سوريا.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير