شرح حديث : ( إن مثلي ومثل ما بعثني الله به.. )
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
شرح حديث((إن مَثَلي ومَثَل ما بعثني الله به...))
عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن مَثَلي ومَثَل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم، إني رأيتُ الجيش بعيني، وإني أنا النذير العُريان، فالنجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا، فانطلقوا على مهلتهم، وكذَّبتْ طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبَّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني واتَّبَع ما جئتُ به، ومثل من عصاني وكذب ما جئتُ به من الحق)).
المفردات والجمل:
• إن مثلي ومثل ما بعثني الله به:
المَثَل: في أصل اللغة معناه النظير، وكذلك المِثل والمثيل، كشَبَه وشِبه وشبيه وزنًا ومعنى، ثم قيل للقول السائر الممثَّل مضربه بمورده، ثم استعير لكل حال أو قصة لها شأن وفيها غرابة، ومنه قوله تعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الرعد: 35]، وقوله - جل شأنه -: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾ [النحل: 60]، ومنه المَثَل هنا في هذا الحديث.
ومَثَل: معطوف على مثلي، وما اسم موصول بمعنى الذي، والجملة بعدها صِلة الموصول، والعائد الضمير المجرور بالباء، والذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم هو الهدى والعلم، ووجوب طاعته صلوات الله وسلامه عليه، كما بيَّن في حديث أبي موسى السابق، وكما يشير إليه هذا الحديث.
• كمَثَل رجلٍ أتى قومه:
التنوين في رجل للتعظيم، والقوم - كما تقدَّم في الحديث الثالث -: جماعة الرجال ليس فيهم امرأة، والرجل: واحد القوم من غير لفْظه، وإضافة قومه إليه تُشعِر بنصحه لهم، وخوفه عليهم، واهتمامه بأمرهم، كما سيأتي بمزيد من الإيضاح.
• إني رأيتُ الجيش بعيني:
اللام في الجيش للعهد، والمراد الجيش المعهود عداوته للمخاطبين، وفي ذِكْر العينين تأكيدٌ لما رآه، وأخبر عنه بعد أن تَحقَّق عنده تحقيقًا لا يَعْتريه وهم، ولا يُخالِجه شك.
• وإني أنا النذير العُريان:
هذا القول مَثَل في الإنذار عند المخافة، وأصله - كما قال الشارح -: أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يُوجِب المخافةَ نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدًا منهم؛ ليُخبِرهم بما دهمهم، وأكثر ما يفعل هذا ربيئة القوم، وهو طليقهم ورقيبهم، وإنما يفعل ذلك؛ لأنه أبين للناظر وأغرب وأشنع منظرًا، فهو أبلغ في استحثاثهم على التأهب للعدو، وقيل: معناه أنا النذير الذي أدركني جيش العدو فأخذ ثيابي، فأنا أُنذرِكم عريانًا.
• فالنجاء:
منصوب على المصدرية؛ أي: فانجوا النجاء، أو منصوب على الإغراء؛ أي فاطلبوا النجاء وأَسرِعوا في الهرب، وفي هذا إشارة إلى أنهم لا يُطيقون مقاومةَ ذلك الجيش! وفي كلامه هذا أنواع من التأكيدات: إن واسمها المؤكَّد بالضمير المنفصِل، وتعريف الخبر ولفْظ النذير ووصفه بالعريان الذي يَصدُق في إنذاره كلَّ الصدق، ولا يدَّخِر في النُّصْح جهدًا، وترتيب طلب النجاة المؤكَّدة على هذا الإنذار.