حديث: أحصوا لي كم يلفظ الإسلام
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
حديث: أحصوا لي كم يلفظ الإسلامعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الإِسْلاَمَ" قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَة إِلَى السَّبْعِمائَة؟ قَالَ: "إِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ.
لَعَلَّكُمْ أَنْ تُبْتَلَوْا" قَالَ، فَابْتُلِينَا.
حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لاَ يصَلِّي إِلاَّ سِرًّا.
ترجمة راوي الحديث:
حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، تقدمت ترجمته في الحديث الثالث والسبعين من كتاب الإيمان.
تخريج الحديث:
أخرجه مسلم حديث (149)، وأخرجه البخاري في " كتاب الجهاد " " باب كتابة الإمام " حديث (3060)، وأخرجه ابن ماجهْ في كتاب الفتن "باب الصبر على البلاء" حديث (4029).
شرح ألفاظ الحديث:
• (أَحْصُوا): أي عدّوا، وجاء عند البخاري (اكتبوا).
• (كَمْ يَلْفِظُ الإِسْلاَمَ): أي كم شخصاً يتلفظ بكلمة الإسلام.
• (أَتَخَافُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ مَا بَيْنَ السِّتِّمِائَة إِلَى السَّبْعِمائَة؟): جاء عند البخاري:" فكتبنا ألفاً وخمسمائة، فقلنا نخاف ونحن ألف وخمسمائة" وفي رواية أخرى للبخاري " فوجدناهم خمسمائة".
قال النووي رحمه الله في الجمع بين الروايات:" والجواب الصحيح إن شاء الله تعالى أن يقال: لعلهم أرادوا بقولهم:" ما بين الستمائة إلى السبعمائة " رجال المدينة خاصة، وبقولهم:" فكتبنا له ألفاً وخمسمائة هم مع المسلمين حولهم" [شرح النووي لصحيح مسلم (2 /357)].
وقيل: الاختلاف سببه تعدد كتابة العدد في أكثر من موطن.
[انظر الفتح (6/ 178)].
• (فَابْتُلِينَا، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لاَ يصَلِّي إِلاَّ سِرًّا): أي وقع لهم الابتلاء حتى وصل الحال بهم إلى إخفاء الصلاة خشية الضرر.
من فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث دليل على جواز الاستسرار في الدين للخائف على نفسه، سواء كان ذلك في الدعوة إلى الله، أو في شعيرة من شعائر الدين كالصلاة مثلاً كما في حديث الباب، قال حذيفة رضي الله عنه:" حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا لاَ يصَلِّي إِلاَّ سِرًّا".
واختلف متى كان هذا:
قال النووي رحمه الله:" فلعله كان في بعض الفتن التي جرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان بعضهم يخفي نفسه ويصلي سراً مخافة من الظهور والمشاركة في الدخول في الفتنة والحروب والله أعلم" [شرح النووي لصحيح مسلم (2/ 357)].
وقال القرطبي رحمه الله:" يعني بذلك والله أعلم ما جرى لهم أول الإسلام بمكة حين كان المشركون يؤذونهم ويمنعونهم من إظهار صلاتهم حتى كانوا يصلون سرا" [المفهم (1/ 365)].
ويردّ قول القرطبي رحمه الله ظاهر الرواية أن ابتلاءهم كان بعد صدر الإسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم:" لَعَلَّكُمْ أَنْ تُبْتَلَوْا "وأيضاً روايات الحديث في ذكر العدد فهو كثير على أول الإسلام.
قال ابن حجر رحمه الله ": أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه من ولاية بعض أمراء الكوفة كالوليد بن عقبة حيث كان يؤخر الصلاة أو لا يقيمها على وجهها، وكان بعض الورعين يصلي وحده سراً ثم يصلي معه خشية من وقوع الفتنة، وقيل: كان ذلك حين أتمَّ عثمان رضي الله عنه الصلاة في السفر وكان بعضهم يقصر سراً وحده خشية الإنكار عليه، ووهم من قال أن ذلك كان أيام قتل عثمان رضي الله عنه لأن حذيفة رضي الله عنه لم يحضر ذلك" [الفتح (6 /178)].
الفائدة الثانية: الحديث دليل على علم من أعلام النبوة حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمر مستقبلي وقد وقع.
قال ابن حجر رحمه الله:" وفي ذلك علم من أعلام النبوة من الإخبار بالشيء قبل وقوعه، وقد وقع أشد من ذلك بعد حذيفة رضي الله عنه في زمن الحجاج وغيره" [انظر الفتح (6/ 178)].
الفائدة الثالثة: في الحديث الحذر من الإعجاب بالكثرة فإن العبد لا يعلم بما سيؤول له أمره وأنه قد يبتلى، وهو يظن أنه لن يبتلى ولربما استهان بموضع من مواضع الفتنة ظناً منه أنه يستطيع الاحتراز منه فيبتلى ويقع في الفتنة، ومن تأمل واقعه والناس من حوله وجد شيئاً من ذلك.
مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)