شرح حديث أنس: إنكم تعملون أعمالًا هي أدق في أعينكم من الشعر
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
شرح حديث أنس: إنكم تعملون أعمالًا هي أدق في أعينكم من الشعرعن أنسٍ - رضي اللهُ عنه - قال: «إنَّكمْ لتَعْملونَ أعْمالًا هِي أَدَقُّ في أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ، كنّا نَعُدُّهَا علَي عَهْدِ رسولِ اللهِ صلَّي اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الموبِقات».
رواه البخاري؛ وقال: «الموبِقات»: المُهْلِكاتُ.
قال العلَّامةُ ابنُ عثيمين - رحمه الله -:
أنسُ بن مالكٍ رضي الله عنه من المُعمرين، فبقي بعد النبي صلي الله عليه وسلم حوالي تسعين سنة.
فتغيَّرتِ الأمورُ في عهدِه رضي الله عنه واختلفتْ أحوال الناس، وصاروا يتهاونون في بعض الأمورِ العظيمة في عهد الصحابة رضي الله عنهم؛ مثل صلاةِ الجماعة، فقد كان الصحابةُ رضي الله عنهم لا يتَخلَّفُ أحد عنها إلَّا منافقٌ أو مريضٌ معذور، ولكنَّ الناس تهاونوا بها ولم يكونوا على ما كان عليه الصحابةُ رضي الله عنهم في عهدِ النبي صلي الله عليه وسلم.
بل إنَّ الناس في عهدنا صاروا يتهاونون بالصلاة نفسِها لا بصلاة الجماعةِ فقط، فلا يُصلُّون، أو يُصلُّون ويتركون، أو يؤخِّرون الصلاة عن وقتها، كلُّ هذه أعمال يسيرة عند بعض الناس، لكنَّها في عهد النبي صلي الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم كانت تُعَدُّ من الموبِقات.
وكذلك أيضًا الغشُّ في عهد النبي عليه الصلاة والسلام قال: «مَنْ غَشَّ فليْسَ منِّي».
لكنِ انظرْ إلى النّاس اليوم تجدْ أنَّ الغِشَّ عندهم أهونُ من كثيرٍ من الأشياء، بل إنَّ بعضَهم - والعياذ بالله - يعُدُّ الغشَّ من الشطارة في البيع والشراءِ والعقود، ويرى أنَّ هذا من باب الحِذْق والذَّكاءِ والدَّهاء نسألُ الله العافية - مع أنَّ النبي صلي الله عليه وسلم تَبَرَّأ من الإنسان الذي يغشُّ النّاس.
ومِنْ ذلك الكذب: والكذبُ من الأشياءِ العظيمةِ في عهد الصحابة - رضي الله عنهم - فيرونَه من الموبقات، لكنَّ كثيرًا من الناس يعدُّه أمرًا هيِّنًا، فتجدُه يكذبُ ولا يُبالي بالكذبِ، مع أنَّ النبي صلي الله عليه وسلم قال: «لا يزالُ الرَّجلُ يكذِبُ ويتحرَّى الكذبَ حتى يُكتبَ عند اللهِ كذَّابًا».
وربَّما يكذبُ في أمورٍ أخطرَ فيجْحدَ ما يجبُ عليه للناس، أو يدَّعي ما ليس له ويحاكمهم عند القاضي ويحلفُ على ذلك، فيكون - والعياذُ بالله - ممن يلقي اللهَ وهو عليه غضبان.
إلى غير ذلك من المسائلِ الكثيرة التي يَعدُّها الصحابةُ من المهْلكاتِ، ولكنَّ النّاس اختلفوا فصارتْ في أعينهم أدَقَّ مِنَ الشَّعْرِ، وذلك لأنه كلما قوي الإيمان عَظُمتِ المعصيةُ عند الإنسان، وكلَّما ضعف الإيمان خَفَّتِ المعصية في قلب الإنسانِ ورآها أمرًا هيِّنًا، يتهاون ويتكاسلُ عن الواجبِ ولا يبالي، لأنَّه ضعيف الإيمان.
المصدر: «شرح رياض الصالحين»