الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررةعن عائشة رضي اللَّه عنها قالَتْ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ)).
وفي رواية: ((والذي يقرَؤُه وهو يشتدُّ عليه فله أجرانِ))[1].
الشرح:
الماهر: مبتدأ مرفوع،
بالقرآن: جار ومجرور متعلق به؛ لأنه اسم فاعل،
مع السَّفَرَةِ: ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف خبر المبتدأ: أي الحاذق بالقرآن، العالم بمعانيه، العامل به كائنٌ مع السفرة من الملائكة الكرام البررة الذين يؤدون رسالات الله تعالى إلى أنبيائه.
والكلام على التشبيه أي كأنه معهم وهي مَعِيَّةُ تشريف وتكريم، وقد بينها الشارح نقلًا عن القاضي عياض ...
الكرام الْبَرَرَةِ: وَصْفان للسفرة ...
الكرام جمع كريم، والْبَرَرَة جمع بَرّ،
والكريم هو الجواد الذي يعطي وينفق،
والبَرّ: هو المطيع الذي يتوسع في الطاعة ولا يتوقف فيها ولا يتردَّد.
وقد اجتمعت في هؤلاء الملائكة الذين يصاحبهم الماهرون في القرآن العاملون بما فيه، اجتمعت فيهم جملة أوصاف عظيمة: شرف المَلَكِيَّة، وشرف السِّفارة، وشرف الأمانة على الكتب المُنزلة وتأديتها إلى المرسلين، وشرف الكتابة لأعمال العباد ورفعها إلى رب العالمين.
ففي ذكر هذه الأوصاف للملائكة تنبيه على أنه لا يستحق شرف صحبتهم إلا من يَمْهَر في صفاتهم: فيحفظ القرآن الكريم، ويمهَر في حفظه، ويمهَر في تدبره والعمل به، ويمهَر في أنواع البر والخير والطاعة، ويؤدي ذلك- ما استطاع- إلى عباد الله تعليمًا وهدايةً وإرشادًا.
والذي يقرأ القرآن: الاسم الموصول مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول
وَيَتَتَعْتَعُ فيه: (أي: يتردد فيه لضعف حفظه) جملة معطوفة على جملة الصلة لا محل لها من الإعراب أيضًا،
وهو عليه شاق أي: شديد، جملة اسمية حَاليَّة من ضمير يقرأ العائد إلى المبتدأ في محل نصب.
له أجران: جار ومجرور خبر مقدم، وأجران: مبتدأ مؤخر، والجملة اسمية أيضًا خبر المبتدأ الموصول.
والجملة الثانية من المبتدأ وخبره معطوفة على الجملة الأولى.
أخبر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صنفين عظيمين من أصناف حَفَظَةِ القرآن: أحدهما أعظم من الآخر، وأسبق منه فضلًا، وأعلى درجة؛ لأنه اجتاز مرحلة التبلُّد والتَعْتَعَة والمشقة بعد عنائه واجتهاده وحسن بلائه؛ فحاز الأجْرَيْن مثل صاحبه: أجر القراءة وأجر المشقة، ثم فاقه بالمهارة والحذق حفظًا وعِلمًا وعملًا وطاعة.
وأما صاحبه وهو الصنف الذي يليه في الفضل فإنه متخلف عنه، لا يزال في عنائه ومشقته حتى إذا شاء الله له أن يلحق بصاحبه شَمَّر عن ساعد الجِد فجَدَّ وكَدَّ ونافس حتى أدرك المَهَرة، فكان مثل سابقه، مع السفرة الكِرام البَرَرة.
وفي الحديث فضل القرآن العظيم حفظًا وتدبرًا وعملًا وتعليمًا وإرشادًا.
وصدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ يقول: ((خيرُكُم مَن تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ))؛ رواه البخاري عن عثمان رضي الله عنه.
[1] هذه الرواية مفسِّرة للشطر الثاني من الرواية الأولى؛ فهي تبيين وإيضاح لقوله في الرواية الأولى: ((والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه ...)) وجملة ((وهو يشتد عليه)) اسمية حَاليَّة من ضمير يقرأ، ومفعول يقرأ محذوف يدل عليه السياق، وتقديره: "القرآن".