أرشيف المقالات

فوائد حديثية قيمة في شرح حديث: ((خيركم من تعلم القرآن الكريم))

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
فوائد حديثية قيِّمة في شرح حديث ((خيرُكم مَن تعَلَّم القُرآنَ الكريم))
فوائد منتقاة من فتح الباري لابن حجر رحمه الله تعالى ورضي عنه
 
أولًا: سرد الحديث كما ورد في صحيح البخاري رحمه الله تعالى:
5027 حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ، سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))، قَالَ: وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ قَالَ: وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا.
 
ثانيًا: الفوائد:
اختلاف شعبة وسفيان الثوري في رواية هذا الحديث.
 
فشعبة يدخل بين علقمة بن مرثد وأبي عبدالرحمن سعد بن عبيدة، وخالفه سفيان الثوري فقال: "عن علقمة، عن أبي عبد الرحمن"، ولم يذكر سعد بن عبيدة.
 
قال المصنف (أي: ابن حجر): وقد أطنب الحافظ أبو العلاء العطار في كتابه "الهادي في القرآن" في تخريج طرقه، فذكر ممَّن تابع شعبة ومن تابع سفيان جمعًا كثيرًا.
وأخرجه أبو بكر بن أبي داود في أول "الشريعة" له، وأكثر من تخريج طرقه أيضًا.
 
س- ما الذي رجَّحه الحُفَّاظ؟
ج- رجَّحُوا رواية سفيان، وعدُّوا رواية شعبة من "المزيد في متصل الأسانيد"، قال الترمذي: كأن رواية سفيان أصَحُّ من رواية شعبة.
 
على أنه جاءت بعض الروايات عن سفيان على رفق رواية شعبة؛ رواه الترمذي عن بندار، ورواه النسائي عن عبيد الله بن سعيد، جميعًا عن يحيى القَطَّان، عن سفيان وشعبة أن علقمة حدَّثَهما عن سعد به.
 
ولكن هذا وَهْم من يحيى القَطَّان حين جمعهما بلفظ شعبة، وهَّمَه عليُّ بن المديني، وقال محمد بن بشار: أصحاب سفيان لا يذكرون فيه سعد بن عبيدة وهو الصحيح..
وأشار إلى ذلك الدارقطني أيضًا.
 
وتُعقِّب الدارقطني بأن يحيى فصل بين الروايتين في سُنَن النسائي فقال: "قال شعبة: خيركم، وقال سفيان: أفضلكم"؛ ولكن هذا ضعيف؛ فإن الوهم في السَّنَد لا في المَتْن.
 
قال ابن عدي: يقال: إن يحيى القَطَّان لم يخطئ قطُّ إلا في هذا الحديث!
 
وقد تابع بعضهم يحيى القطَّان في ذكر سعد بن عبيدة من رواية سفيان، وهم: خلاد بن يحيى (ذكره الدارقطني)، يحيى بن آدم (ذكره ابن عدي)، سعيد بن سالم القداح، وكل هذا وهْمٌ.
 
هل هذا ما ذهب إليه البخاري أيضًا؟
الجواب: لا يبدو ذلك، فالبخاري قد أخرج الطريقين، فكأنه ترجَّح عنده أنهما جميعًا محفوظان.
 
س- كيف نُفسِّر ذلك؟
ج- نُفسِّره بأحد الأمرين: إما أن نقول: إن علقمة سمعه أولًا من سعد، ثم لقي أبا عبدالرحمن فحدَّثَه به، وإمَّا أن نقول: سمعه علقمة مع سعد من أبي عبدالرحمن فثبته فيه سعد، ويؤيد ذلك ما في رواية سعد بن عبيدة من الزيادة الموقوفة، وهي قول أبي عبدالرحمن: "فذلك الذي أقعدني هذا المقعد".
 
قوله: (عن عثمان): اختلف الحُفَّاظ في سماع أبي عبدالرحمن من عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال شعبة ويحيى بن معين: لم يسمع أبو عبدالرحمن السلمي من عثمان، وسكت مسلم عن إخراج هذا الحديث في صحيحه (قاله الحافظ أبو العلاء).
 
قد ورد في بعض الروايات تصريح أبي عبدالرحمن السماع من عثمان؛ وذلك فيما أخرجه ابن عدي في ترجمة عبدالله بن محمد بن أبي مريم من طريق ابن جريج عن عبدالكريم عن أبي عبدالرحمن: "حدَّثني عثمان"، وفي إسناده مقال.
 
والظاهر أن البُخاري اعتمد في وصله وفي ترجيح لقاء أبي عبدالرحمن لعثمان على ما وقع في رواية شعبة عن سعد بن عبيدة من الزيادة، وهي: أن أبا عبدالرحمن أقرأ من زمن عثمان إلى زمن الحجَّاج، وأن الذي حمله على ذلك هو الحديث المذكور، فدلَّ على أنه سمِعَه في ذلك الزمان، وإذا سمعه في ذلك الزمان ولم يوصف بالتدليس اقتضى ذلك سماعه ممَّن عنعنه عنه وهو عثمان رضي الله عنه، ولا سيَّما مع ما اشتهر بين القُرَّاء أنه قرأ القرآن على عثمان، وأسندوا ذلك عنه من رواية عاصم بن أبي النجود وغيره، فكان هذا أولى من قول من قال: إنه لم يسمع منه.
 
إشكال وجوابه:
جاء في بعض الروايات عن أبي عبدالرحمن عن أبان عن أبيه، قال الدارقطني: هذا وَهْم، فإن كان محفوظًا احتمل أن يكون السلمي أخذه عن أبان بن عثمان عن عثمان، ثم لقي عثمان فأخذه عنه، وتعقب بأن أبا عبدالرحمن أكثر من أبان، وأبان اختُلِف في سماعه من أبيه أشد مما اختُلف في سماع أبي عبدالرحمن من عثمان فبعد هذا الاحتمال.
والله أعلم.

شارك الخبر

المرئيات-١