أرشيف المقالات

سلسلة المكر في القرآن (5) المكر بآيات الله

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
سلسلة المكر في القرآن (5)
المكر بآيات الله

هذا نوعٌ مِن أنواع المكر التي تصدُر عن الكفَّار والمشركين، وهي المكرُ بآيات الله؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ﴾ [يونس: 21].
 
فهذا حالُ الناس في النِّعمة بعدَ المرض، والغِنى بعد الفقر، والأُنس بعد الوحشة، والأمن بعدَ الخوف، لا يَتذكَّرون ما أصابَهم في الماضي؛ ليشكروا الله على الرَّخاء والرَّحمة، بل يفعلون العكسَ تمامًا، يزدادون مكرًا وطغيانًا، ويَسعَون بمكرِهم مِن أجل إبطالِ آيات الله، وإبطال الحقِّ، وإطْفاء نور الله؛ قال القرطبي: "وإذا رَزَقْنا المشركين بالله فرجًا بعد كَرْب، ورخاءً بعدَ شدَّة أصابتهم، إذا لهم استهزاءٌ وتكذيب بآيات الله"[1]، وإنَّ المقصود بالكفَّار هم كفار مكة، فذَكَر أنَّ الله سلَّط عليهم الجدْبَ والقحط حتى خافوا الهلاك، فجاؤوا إلى سيِّدنا محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليدعو لهم وقدْ وعَدوه بالإيمان، فلمَّا رحمهم الله رجَعوا إلى كُفرهم وعِنادِهم ومكرِهم بآيات الله[2].
 
قال ابنُ عاشور في تفسير هذه الآية: "ومعنى مكرِهم في الآيات أنَّهم يَمكُرون مكرًا يتعلَّق بها؛ وذلك أنهم يُوهِمون أنَّ آياتِ الله غيرُ دالَّة على صِدق الرسول محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وزَعموا أنَّه لو أُنزلتْ عليهم آية أُخرى لآمَنوا، وهم كاذبون في ذلك، إنَّما يكذبون عنادًا ومكابرةً وحفاظًا على دِينهم في الشِّرْك"[3].
 
﴿ قَلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ﴾ فكَما هو معلومٌ ومعروفٌ للكلِّ أنَّ المكر السيِّئ لا يَحيق إلا بأهلِه، وأنَّ مَكرَهم مَردودٌ عليهم، ومقصودهم منعكس عليهم، بل إنَّ عقوبةَ الله أسرعُ مِن مكرهم.
 
﴿ إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ﴾ قال سيِّد قطب: "فلا شيءَ منه يخفَى ولا شيءَ منه ينسَى"[4]، ثم أعقبَ الله سبحانه هذه بقوله: ﴿ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ ﴾ ليدلَّ على القُدرة الإلهيَّة العجيبة المتَّصفة بالدقَّة، وبأنَّ الأمور تقَع في مقدورِ الله وحْده، وهذا يردُّ على مَن يفسرون الأمورَ بأنَّها حوادثُ طبيعيَّة، وبأنَّ ما يحصُل ويقَع هو مِن تفكير البشَر ومِن ذكائهم، وأنَّ ما يحدُث مِن زلازل وبراكين وأعاصير، هذا مِن الطبيعة وغضبها، واختلافات الأحوال الجويَّة، وأنَّ ما يحصُل مِن أمراض وأوجاع لم تكُن في أسلافِنا ولم تقعْ على أحدٍ مِن قبل، قالوا: أخطاء وبسببِ تأثيرات فيروسيَّة! وما عَلِموا أنَّ الله هو الذي يُسيِّركم في البرِّ والبحر، وبهذا تطور المكر عما كان عليه قديمًا، فالآن يَمكُرون في آياتِ الله وكتابه بوسائلَ لم تكُن متاحةً للماكرين السابقين مِن أسلافهم، قال المبشِّر تاكلي: يجب أن نَستخدِم القرآن، وهو أمْضَى سلاح في الإسلام ضدَّ الإسلام نفْسِه، حتى نَقضي عليه تمامًا، يجب أن نبيِّن للمسلمين أنَّ الصحيح في القرآن ليس جديدًا، وأنَّ الجديدَ فيه ليس صحيحًا[5]، فما يقوم به المبشِّرون (المنصِّرون)، والمستشرقون وما يقوم به مِن حملات التغريب اليومَ ما هي إلا إكمال لتلك السِّلسة الماكِرة على الإسلام وآياته؛ لأنَّهم يُدرِكون تمامًا أنَّ هذا الكتاب هو سرُّ قوَّة المسلمين، قال غلادستون: ما دام هذا القرآن موجودًا، فلن تَستطيع أوروبا السيطرةَ على الشَّرْق، ولا أنْ تكونَ هي نفسها في آمانٍ كما رأينا[6]، فهُم يعلمون تمامًا أنَّ القرآن وآياته هي سرُّ تمكُّن المسلمين؛ ولهذا يَمكُرون بآياتِ الله تعالى وستبقَى هذه الحَمْلة، لكن الله أسرعُ مكرًا.



[1] جامع البيان، الطبري، ج 11، ص 99.


[2] انظر الظلال، ج 3، ص 1773.


[3] التحرير والتنوير، ابن عاشور، ج 11، ص 133.


[4] "الظلال"، سيِّد قطب، (3/ 1773).


[5] "قادة الغرَب يقولون: دمِّروا الإسلام أَبيدوا أهلَه"؛ عبدالسلام يوسف (جلال العلم)، دار السلام، (ص: 47).


[6] المصدر السابق.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١