أرشيف المقالات

وقفة مع قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام }

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
وقفة مع قول الله تعالى
﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام..

آيات الصيام في القرآن (1)
 
الصيام أحد فرائض الإسلام وأركانه، فُرِض تهذيبًا للنفوس البشرية، وتقويمًا لشهواتها، وحفاظًا على البنية الجسدية، وتقوية للإرادة والصحة.
 
وفرض الصيام على الناس جميعًا حتى من كان قبلكم من الأمم، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة:
روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((بُنِي الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)).
 
يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
 
آية عظيمة ذكرها الله سبحانه في كتابه، مخاطبًا بها المؤمنين به وبكتابه، ورسله ورسالاته؛ حيث يفرض عليهم فيها عبادةً عظيمة من العبادات البدنية.
 
تفسير الآية[1]:
يقول ابن كثير في تفسيره: "يقول تعالى مخاطبًا للمؤمنين من هذه الأمة وآمرًا لهم بالصيام، وهو: الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل؛ لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة، والأخلاق الرذيلة.
وذكر أنه كما أوجبه عليهم، فقد أوجبه على من كان قبلهم، فلهم فيه أسوة، وليجتهد هؤلاء في أداء هذا الفرض أكمل مما فعله أولئك، كما قال تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [المائدة: 48]؛ ولهذا قال هاهنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾؛ لأن الصوم فيه تزكية للبدن، وتضييق لمسالك الشيطان؛ ولهذا ثبت في الصحيحين: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء))".
 
نوضح فيما يلي بعض المعاني في الآية، وإعراب الكلمات، وبعض هدايات الآية.
معاني الكلمات[2]:
• كُتب: فرض وأثبت.
 
• الصيام لغة: الإمساك، والمراد به هنا: الامتناع عن الأكل والشرب وغشيان النساء من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
 
إعراب الآية:
• ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾: اسم ما لم يسمَّ فاعله[3].
• ﴿ كَما ﴾: الكاف حرف جر، و(ما) مصدرية.
• ﴿ كُتِبَ ﴾: فعل ماضٍ مبني للمجهول، ونائب الفاعل هو يعود إلى الصيام.
• ﴿ عَلَى الَّذِينَ ﴾: متعلقان بكتب.
• ﴿ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صلة الموصول.
• ﴿ لَعَلَّكُمْ ﴾: لعل واسمها.
 
من هدايات الآيات[4]:
1- فرضية الصيام، وهو شهر رمضان.
2- الصيام يربي ملَكة التقوى في المؤمن.
 
فرض الصيام:
الأول: فإن الصيام فُرض في السنة الثانية من الهجرة، كما فُرضت الزكاة في السنة الثانية من الهجرة، على قول بعض أهل العلم.
 
فُرض الصيام في السنة الثانية من الهجرة، وكان أول ما فُرض: أن من شاء صام، ومن شاء افتدى؛ أي: أطعم عن كل يوم مسكينًا.
 
ثم فُرض الصيام عينًا، وكان لا بد أن يصوم الإنسان.
 
فإذًا: تطور الصيام مرتين:
المرة الأولى: التخيير.
والثانية: تعيين الصوم.
 
ثم هناك تطور آخر، فكان الناس إذا صلوا العشاء أو نام الإنسان ولو قبل العشاء، فإنه يحرم عليه الأكل والشرب والجماع إلى أن تغرب الشمس من اليوم الثاني؛ ولكن الله خفَّف وقال: ﴿ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187]، فيسَّر الله على عباده، وصار الإنسان له أن يأكل ويشرب ويجامع إلى طلوع الفجر، سواء نام قبل ذلك أم لم ينم[5].




[1] تفسير ابن كثير، ت سلامة (1 / 497).


[2] أيسر التفاسير؛ للجزائري (1 / 159).


[3] إعراب القرآن؛ للنحاس (1 / 93).


[4] أيسر التفاسير؛ للجزائري (1 / 161).


[5] جلسات رمضانية؛ للعثيمين.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢