بيان وتعريف بسورة الفاتحة
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
بيان وتعريف بسورة الفاتحةسورة الفاتحة سبع آيات، وهي مكية على القول الراجح؛ لأدلةٍ؛ منها ما ذكره "الشيخ مصطفى العدوي[1] في تفسيره لسورة الفاتحة، قال: "ويدل على ذلك قوله - تعالى - في سورة الحجر: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87]، والسبع المثاني والقرآن العظيم بتفسير النبي - صلى الله عليه وسلم -: هي فاتحة الكتاب، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فاتحة الكتاب هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته))[2]، وسورة الحجر مكية بالإجماع، فدلَّ ذلك على أن سورة الفاتحة مكية أيضًا، ويؤيِّد القول بأنها مكية أيضًا بأن الصلاة فُرِضت بمكة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))[3]، فهذان دليلان يدلانِ على أن السورة مكية.
أسماء سورة الفاتحة كثيرة؛ لشرفها ومكانتها، قال السيوطي[4]:
"قد يكون للسورة اسم واحد، وهو كثير، وقد يكون لها اسمان فأكثر، من ذلك الفاتحة، وقد وقفتُ لها على نيِّف وعشرين اسمًا، وذلك يدل على شرفها؛ فإن كثرة الأسماء دالة على شرف المسمى"؛ اهـ.
وقال ابن تيمية[5]:
"قال الله - تعالى - في أمِّ القرآن والسبع المثاني والقرآن العظيم: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، وهذه السورة هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم، وهي الشافية، وهي الواجبة في الصلوات، لا صلاة إلا بها، وهي الكافية تكفي من غيرها، ولا يكفي غيرها عنها.
والصلاة أفضل الأعمال، وهي مؤلَّفة من كلم طيب، وعمل صالح، أفضل كَلِمها الطيب وأوجبه القرآن، وأفضل عملها الصالح وأوجبه السجود؛ كما جمع بين الأمرين في أول سورة أنزلها على رسوله - صلى الله عليه وسلم - حيث افتتحها بقوله - تعالى -: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، وختمها بقوله: ﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق: 19]؛ فوضعت الصلاة على ذلك؛ أولها القراءة وآخرها السجود"؛ اهـ.
قلت: وفي السنة الصحيحة وردت عدة أسماء للفاتحة أذكر منها:
1- (فاتحة الكتاب)؛ لحديث عُبَادة بن الصامت[6] يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))[7].
2- (السبع المثاني)؛ لحديث أبي سعيد بن المعلَّى، وفيه: ((...
الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُه))[8].
3- (أم القرآن)؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم))[9].
4- (أم الكتاب)؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((إذا قرأتم ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾؛ فاقرؤوا ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾؛ إنها أم القرآن وأم الكتاب، والسبع المثاني، و﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ إحدى آياتها))[10].
قال البغوي[11] في معالم التزيل: "ولها ثلاثة أسماء معروفة: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني.
سميت فاتحة الكتاب؛ لأن الله بها افتتح القرآن، وسميت أم القرآن وأم الكتاب؛ لأنها أصل القرآن، منها بدئ القرآن، وأم الشيء: أصله، ويقال لمكة: أم القرى؛ لأنها أصل البلاد، دحيت الأرض من تحتها، وقيل: لأنها مقدِّمة وإمام لما يتلوها من السور، يبدأ بكتابتها في المصحف، وبقراءتها في الصلاة، والسبع المثاني؛ لأنها سبع آيات باتفاق العلماء.
وسميت مثاني؛ لأنها تثنى في الصلاة، فتقرأ في كل ركعة، وقال مجاهد: سميت مثاني؛ لأن الله - تعالى - استثناها لهذه الأمة فذخرها لهم.
وقال ابن العثيمين - رحمه الله - [12]: "وهي أعظم سورة في كتاب الله، وسميت (فاتحة)؛ لأنه افتتح بها المصحف في الكتابة، ولأنها تفتتح بها الصلاة في القراءة".
ثم قال - رحمه الله -: والفاتحة هي أم القرآن؛ وذلك لأن جميع مقاصد القرآن موجودة فيها؛ فهي مشتملة على التوحيد بأنواعه الثلاثة، وعلى الرسالة، وعلى اليوم الآخر، وعلى طرق الرسل ومخالفيهم، وجميع ما يتعلَّق بأصول الشرائع موجودٌ في هذه السورة؛ ولهذا تسمى (أم القرآن)، وتسمى (السبع المثاني)؛ كما صحَّ ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وقد خصَّها الله بالذكر في قوله: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87]، وعطف (القرآن العظيم) عليها من باب عطف العام على الخاص.
[1] الشيخ مصطفى العدوي، ولد في قرية منية سمنود التابعة لمحافظة الدقهلية، درس في كلية الهندسة قسم الميكانيكا في عام 1977، كما حفظ كتاب الله، ثم رحل إلى الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في اليمن، وحضر دروسه بين عامي 1400هـ - 1404 هـ، ألَّف عدة كتب في الفقه، والحديث، ومصطلح الحديث، والتفسير، والمنقول هنا من شريط صوتي لفضيلته - حفظه الله.
[2] نصُّ الحديث الذي أخرجه البخاري ح (4622) عن أبي سعيد بن المعلَّى، قال: كنتُ أصلِّي في المسجد، فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم أُجِبْه، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي، فقال: ((ألم يقل الله: ﴿ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]، ثم قال لي: ((لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد))، ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: ألم تقل: ((لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن))، قال: ((الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيتُه)).
[3] أخرجه البخاري عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ح/714، ومسلم ح/ 595.
[4] هو الحافظ عبدالرحمن بن أبي بكر، جلال الدين، والسيوطي نسبة إلى أسيوط، مدينة في صعيد مصر، عالم موسوعي في الحديث، والتفسير، واللغة، والتاريخ، والأدب، والفقه، وغيرها من العلوم، ذُكر له من المؤلفات نحو 600 مؤلَّف، ولد سنة (849 هـ)، وتوفي سنة 911، ومصدر كلامِه كتابه: "الحاوي في تفسير القرآن الكريم".
[5] - هو شيخ الإسلام تقي الدين أبو العَباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، (المتوفى: 728 هـ)، وانظر: مجموع الفتاوي (14/5،6) - نشر دار الوفاء.
[6] -عُبَادَة بن الصامتِ بن قيس بن أصرم بن فهر بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرجي الأنصاري، كنيته أبو الوليد، روى حوالي مائة وواحد وثمانين حديثًا، زوجته هي أم حرام بنت ملحان، التي توفيت في قبرص، وشهد بيعة العقبة الأولى والثانية، وكان نقيبًا على قوافل بني عوف بن الخزرج، وآخَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين أبي مرثد الغنوي، وشهد بدرًا وأُحُدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعض الصدقات، والده هو الصامت بن قيس الخزرجي، وأمه: قرة العين بنت عبادة، وأخوه أوس بن الصامت، والذي زوجته خولة بنت ثعلبة التي أنزل الله فيها: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [المجادلة: 1]، توفِّي سنة أربع وثلاثين للهجرة، وهو ابن اثني وسبعين عامًا، ودفن بالقدس الشريف في بقيع الرحمة، الملاصق للباب الذهبي، وكان طويلاً جسيمًا جميلاً.
[7] سبق تخريجه آنفًا.
[8] سبق تخريجه آنفًا.
[9] أخرجه البخاري ح/ 4335.
[10] وهو في صحيح الجامع (729)، والسلسلة الصحيحة "3 / 179" للألباني، قلت: والحديث يدل على أن البسملة آية من القرآن؛ كما هو ظاهر، ولكن ليس الأمر كذلك، والاختلاف بين العلماء في هذه المسألة مشهور، وسوف نبين الاختلاف في فوائد وأحكام السورة، ولا مجال لذكر الاختلاف هنا؛ لذا نكتفي ببيان الأسماء وأحاديثها، والله تعالى أعلم.
[11] الحافظ البغوى إمام حافظ، وفقيه ومجتهد، توفي 516 هـ، واسمه الكامل: "أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفراء البغوي"، ويلقب أيضًا بركن الدين ومحيي السنة، أحد العلماء الذين خدموا القرآن والسنة النبوية الإسلامية، دراسة وتدريسًا، وتأليفًا، وانظر مصدركلامه في: معالم التنزيل (1 /49).
[12] هو صاحب الفضيلة الشيخ العالم المحقق، الفقيه المفسِّر، الورع الزاهد، محمد بن صالح بن محمد بن سليمان بن عبدالرحمن آل عثيمين، من الوهبة من بني تميم، ولد في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1347هـ، في عنيزة - إحدى مدن القصيم - في المملكة العربية السعودية، وتوفي سنة 1421 هـ، ومصدر كلامه: الشرح الممتع على زاد المستقنع، نشر دار ابن الجوزي (3 /61).