من آفات اللسان: شهادة الزور
مدة
قراءة المادة :
11 دقائق
.
من آفات اللسانشهادة الزور
مَعْنَى الزُّورِ:
الزُّورُ لغةً: أصل ثلاثي يدل على الميل والانحراف، والتحسين والقوة.
فَالزُّورُ هو الشيء الذي جُمِّلَ وحُسِّنَ وانحرف عن أصله بشدة.
عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ".[1]
تحريم كتمان الشهادة ووجوب أدائها:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾.[2]
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾.[3]
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ ﴾.[4]
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾.[5]
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾.[6]
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾.[7]
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾.[8]
اثنى الله تعالى على المؤمنين بترك شهادة الزور:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾.[9]
أَيْ: لَا يَشْهَدُونَ الشَّهَادَةَ الْكَاذِبَةَ، أَيْ: شَهَادَةُ الزُّورِ، وَهِيَ الْكَذِبَ مُتَعَمِدًا عَلَى غَيْرِهِ.
شَهَادَةُ الزُّورِ تُحْبِطُ الأَعْمَالَ الصَالِحَةَ:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ".[10]
قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ لَمْ يَدَعْ ذَلِكَ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِصَوْمٍ أَيْ مَنْ لَمْ يَتْرُكِ الْمَعَاصِي مَاذَا يَصْنَعُ بِطَاعَتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ لَمْ يَتْرُكْ حَالَةَ الصَّوْمِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِبَعْضِ الرِّوَايَاتِ قَوْلُهُ (فَلَا حَاجَةَ إِلَخْ) كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لِلَّهِ تَعَالَى إِلَى عِبَادَةِ أَحَدٍ.[11]
شَهَادَةُ الزُّورِ مَنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ:
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟" ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ - وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ - أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ"، قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.[12]
شَهَادَةُ الزُّورِ تعدل الإِشْرَاكَ بِاللَّهِ:
عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ رضي الله عنه قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَامَ قَائِمًا فَقَالَ: "عُدِلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالإِشْرَاكِ بِاللَّهِ" ثَلاَثَ مِرَارٍ ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾.[13]
شَهَادَةُ الزُّورِ مِن مُوجِبَاتِ النَارِ:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ".
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ".[14]
قَالَ ابْنِ شُبْرُمَةَ: الْقَضَاءُ فِي قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ سَوَاءٌ.[15]
شَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ أسْبَابِ سَخَطِ اللهِ تَعَالَى:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ قَالَ عَبْدُ اللهِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾".[16]
مَا يَتَرَتبُ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ مِن الجَرَائِمِ:
إن الله تبارك وتعالى حرم شهادة الزور، لكونها سبباً لإبطال الحق، وحرم كتمانها، لكونه سبباً أيضًا لإبطال الحق، ويترتب علي شهادة الزور من الضرر مالا يعلم مداه إلا الله تعالى فبسببها تُزهق النفوس المعصومة، ويَنتصِرُ الظالم على المظلوم، وتُهدر الحقوقُ، وتُؤكل الأموال بالباطل، وتُستباح الفروجُ المحرمة.
ويترتب عليها كذلك نجاة الجاني من العقاب، ويترتب عليها كذلك اتهام البرآء من الناس، وتبرئة المتهمين.
حكم الحاكم لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا:
ربما يظن بعض الناس أنه إذا توصل لأمر ما بحكم محكمة أن هذا الذي توصل إليه وهو ليس في الحقيقة حقًا له بل هو حق غيره، ربما ظن أن هذا الحكم يبرئ ساحته أمام الله تعالى، أو أن هذا الحكم يحل له حق أخيه، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا".[17]
قال الصنعاني: وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَحِلُّ بِهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ مَا حَكَمَ لَهُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ إذَا كَانَ مَا ادَّعَاهُ بَاطِلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَمَا أَقَامَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ كَاذِبًا، وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَيَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِمَا ظَهَرَ لَهُ وَالْإِلْزَامُ بِهِ، وَتَخْلِيصُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مِمَّا حَكَمَ بِهِ لَوْ امْتَنَعَ وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ ظَاهِرًا وَلَكِنَّهُ لَا يَحِلُّ بِهِ الْحَرَامُ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي مُبْطِلًا وَشَهَادَتُهُ كَاذِبَةٌ.[18]
عقوبة شَاهِدِ الزُّورِ:
عَنْ مَكْحُولٍ، وَالْوَلِيدِ بنِ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ: "كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي شَاهِدِ الزُّورِ يُضْرَبُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا، وَيُسَخَّمُ وَجْهُهُ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ، وَيُطَافُ بِهِ، وَيُطَالُ حَبْسُهُ".[19]
[1] رواه البخاري- كتاب النكاح، باب المتشبع بما لم ينل، حديث: 4925، ومسلم -كتاب اللباس والزينة باب النهي عن التزوير في اللباس وغيره والتشبع بما لم يعط، حديث: 4066.
[2] سورة المائدة الآية / 8.
[3] سورة النساء الآية / 135.
[4] سورة المعارج الآيات / 35: 33.
[5] سورة البقرة الآية / 283.
[6] سورة البقرة الآية /140.
[7] سورة الطلاق الآية /2.
[8] سورة الفرقان الآية / 72.
[9] سورة الفرقان: الآية/ 72.
[10] رواه البخاري-كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور - حديث: 1813.
[11] حاشية السندي على سنن ابن ماجه - رضي الله عنه 1/ 517).
[12] رواه البخاري- كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور- حديث: 2532، وَمُسْلِمٌ- كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها- حديث: 151.
[13] رَوَاهُ أَحْمَدُ حديث: 18538، وأبو داود- كتاب الأقضية، باب في شهادة الزور - حديث: 3141، وَابْنُ مَاجَةْ - كتاب الأحكام، باب شهادة الزور - حديث: 2369 ، وابن أبي شيبة في مصنفه - كتاب البيوع و الأقضية، ما ذكر في شهادة الزور - حديث: 22548 بسند ضعيف.
[14] رَوَاهُ مُسْلِمٌ- كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار - حديث: 221.
[15] شرح صحيح البخاري لابن بطال - رضي الله عنه 8/ 256).
[16] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ - كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة - حديث: 7029، سورة آلِ عِمْرَانَ: الآية/ 77.
[17] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ - كتاب الشهادات، باب من أقام البينة بعد اليمين - حديث: 2555.
[18] سبل السلام - رضي الله عنه 6 / 407).
[19] رواه ابن أبي شيبة- كتاب الحدود، فِي شَاهِدِ الزُّورِ مَا يُعَاقَبُ ؟ - حديث: 28131 ، والبيهقي في السنن الكبرى- كتاب آداب القاضي.
جماع أبواب ما على القاضي في الخصوم والشهود - باب : ما يفعل بشاهد الزور، حديث: 19070.