الالتزام بالعهد وأهميته عند المسلمين
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
الالتزام بالعهد وأهميته عند المسلمينقال الله تعالى: ﴿ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ﴾ [الأنعام: 152].
الوفاء بالعهد، والوفاء بالوعد، أما الوفاءُ بالعهد فهو أن يعطي المسلمون عهدًا فيه التزام وضمان لغيرِهم، فيلتزموا بما عاهدوا، ونقيضه يسمَّى الغدر، أما الوفاء بالوعد، فهو أن يلتزم المسلم بما يعِدُ فيؤديَه، وهذا غالبًا يكون في التعامل اليومي بين المسلمين، ونقيضه يسمَّى الخُلْف.
الالتزام بالعهد وأهميته عند المسلمين:
ورد في مختار الصحاح: العهد: الأمان، واليمين، والموثق، والذمة، والحفاظ، والوصية؛ اهـ، وزاد في القاموس المحيط: والضمان والوفاء.
وقد أمَر الله سبحانه وتعالى المسلمين بالوفاء بالعهدِ، وأثابهم على ذلك، كما هدَّدهم إذا أخلُّوا بما عاهدوا أو غدروا، وقد ورد في ذلك آياتٌ كثيرة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 91]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا ﴾ [الإسراء: 34]، وتهدَّد سبحانه مَن ينقض العهدَ، فقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 27]، وقد بيَّن أن نقض العهد من صفات اليهود، فقال تعالى: ﴿ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة: 100].
وعندما أمَر الله نبيَّه بإعلان البراءة من المشركين، ومنعهم من دخول مكة، جعَل لِمن لهم عهد عند المسلمين فسحةً كافية؛ ليبلغوا مأمنهم؛ وذلك مراعاةً من الله تعالى للعهود، فقال تعالى: ﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 1، 2]، فأعطاهم أربعةَ أشهرٍ مهلةً، ثم ينفسخ العهد، فلم يُلْغِ ما تعاهدوا عليه بتًّا وقطعًا، وإلا كان هذا من الغدر، فإذا انقضتِ المهلةُ كانوا في حِلٍّ من عهدهم، وجاز للمسلمين قتالُهم، ومع ذلك استثنى المعاهَدينَ الذين حافَظوا على العهد ولم ينقضوه، فقال تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 4]، وعلى هذه الآية تكون البراءةُ ممَّن نقَض العهد أو غدر، فإنه أعطي - رغم ذلك - أربعةَ أشهر فسحة؛ ليتدبَّرَ أمره، وحتى لا يقول: إن المسلمينَ غدَروا به، أما الذين حافَظوا على المعاهدة، فإن اللهَ أمر بالوفاء لهم بالعهد، وهذه شريعة المسلمين، يحافظون بكل قوةٍ على العهد، ويُوفُون لمن عاهدوه، فإذا كان النقضُ كان من طرَف الأعداءِ؛ قال تعالى: ﴿ كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ﴾ [التوبة: 8]، وقال أيضًا: ﴿ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ﴾ [التوبة: 10]؛ أي: لا يُراعُون في مؤمنٍ عهدًا ولا ذمة ولا أمانًا؛ فهم المعتَدون دومًا، وأكَّد على نكثِهم للعهود في آية أخرى، فقال: ﴿ وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ﴾ [التوبة: 12]، فوصَف غدرهم، فهم لا عهدَ عندهم ولا أيمانَ يوثقون بها عهدَهم؛ لأنهم كفَّار، فقاتِلوهم حتى ينتَهوا من ضلالِهم.
وقد وصَفهم الله بما يستحقُّون، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ ﴾ [الأنفال: 55، 56]، وكانت المفارَقة الكبيرة بين أهل الكفر وأهل الإيمان، هي بالوفاء بالعهد، فقال تعالى: ﴿ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 76].