أرشيف المقالات

تفسير الربع السابع من سورة الأنعام بأسلوب بسيط

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [1]
الربع السابع من سورة الأنعام



الآية 111: ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا ﴾ أجَبْنا طلب هؤلاء المشركين، فـ ﴿ نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ ﴾ من السماء، ﴿ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى ﴾: يعني وأحيينا لهم الموتى، فكلموهم وشَهِدوا لهم بصِدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ﴾: أي ولو جمعنا لهم كل شيء طلبوه، فرأوه بأعينهم: ﴿ مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ﴾ بما دعوتَهم إليه أيها الرسول ﴿ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ ذلك، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴾ أن التوفيق للإيمان وقَبول الحق، إنما هو بيد الله تعالى وحده، وليس بأيديهم (كما يزعمون أنهم سيؤمنون لو رأوا الآيات).

الآية 112، والآية 113، والآية 114: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾: يعني وكما ابتليناك أيها الرسول بأعدائك من المشركين: ﴿ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾: أي ابتلينا كل نبي بأعداء متمردين من قومه، وبأعداء متمردين من الجن، وهؤلاء المتمردون من الجن والإنس ﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾: أي يُلقي بعضهم إلى بعضٍ القولَ الباطل الذي زيَّنوه وحَسَّنوه وانتَقَوا له أحسن العبارات، لِيَغترَّ به سامِعُه، فيَضِل عن سبيل الله، ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ﴾: يعني ولو أراد ربك لَحالَ بينهم وبين تلك العداوة، ولكنه ابتلاءٌ من الله لأنبيائه ليَرفع درجتهم، فما شاءه الله تعالى كان، وما لم يشأه لم يكن، ﴿ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾: أي فاتركهم وكَذِبهم وتزيينهم للباطل، (وفي هذا تصبيرٌ للنبي صلى الله عليه وسلم).

وقد كان إيحاء شياطين الجن والإنس وتزيينهم للباطل: لِيَغترَّ به المشركون، ﴿ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ ﴾: أي ولِتميل إليه ﴿ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ ﴾، ولا يعملون لها، ﴿ وَلِيَرْضَوْهُ ﴾: يعني ولِتحبَّه أنفسهم، ﴿ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ﴾: أي ولِيكتسبوا ما هم مكتسبون من الشرك والمعاصي، وذلك نتيجةً لاقتناعهم بهذا الباطل المُمَوَّه المُزَيَّن، ففَعلوا ما تشتهيه أنفسهم، وما كانت تأمرهم به أهواؤهم، (وفي هذا تهديدٌ عظيم لهم).

ثم قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا ﴾: يعني أغيرَ اللهِ أطلبُ حَكَمًا بيني وبينكم في أني رسولٌ من عنده، ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ﴾: يعني وهو سبحانه الذي أنزل إليكم القرآن مُبَيَّناً واضحاً، فأيُّ شيءٍ يَغلب آيات القرآن في قوة الحُجَّة والبيان، هذا أولاً، وثانياً: ﴿ وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ﴾: يعني وعلماء بني إسرائيل الذين آتاهم الله التوراة والإنجيل ﴿ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ ﴾: يعني يعلمون علمًا يقينيّاً أن هذا القرآن مُنَزَّلٌ عليك أيها الرسول ﴿ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ فهم مُقِرُّون ومعترفون بأنَّ ما يَنفيهِ المشركون هو حَقٌّ لا شك فيه، ﴿ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾: أي فلا تكونَنَّ من الشاكِّين في هذا الحق، بل تفكَّرْ فيهِ وتأمّلْ، حتى تصِل بذلك إلى اليقين، لأن التفكُر فيه- لا مَحالة- دافعٌ للشكّ، مُوصِلٌ لليقين، (وهذا- وإن كانَ خِطاباً للرسول صلى الله عليه وسلم- فهو مُوَجَّهٌ للأمّةِ عموماً).

الآية 115: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ﴾ -وهي القرآن- ﴿ صِدْقًا ﴾ في الأخبار والأقوال، ﴿ وَعَدْلًا ﴾ في الأحكام، فـ ﴿ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ﴾: أي فلا يستطيع أحد أن يبدِّل كلماته الكاملة، لا بالزيادة ولا بالنقصان، وهذا نظير قوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾، ونظير قوله تعالى: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾، ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ السَّمِيعُ ﴾ لِمَا يقول عباده، ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بظواهر أمورهم وبواطنها، والكل تحت قهره وسلطانه، فلا يتحركون إلا بمشيئته وإرادته، فلِذا لن يكون إلا ما يريدُ سبحانه.

واعلم أنَّ قوله تعالى:  ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ﴾: أي وقضى ربك أنها ستكون تامة، والمعنى: أي تَمَّ القرآن في كَوْنِهِ مُعجِزًا دالَّاً على صِدق محمد عليه الصلاة والسلام، وأنَّ كلماته كافية في بيان ما يحتاج إليه المُكَلَّفون- عِلمًا وعَملًا- إلى يوم القيامة.

الآية 116: (﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: يعني ولو فُرِضَ أيها الرسول أنك أطعتَ أكثرَ أهل الأرض، فأخذت بآرائهم واستجبتَ لاقتراحاتهم: لأضلُّوك عن دين الله، والسبب في ذلك أن أكثرهم لا بصيرةَ له، ولا علم يَهتدي به، وكل ما يقولونه هو هوى النفس، ووسوسة الشيطان، و﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ﴾: أي وما يسيرون إلا على ما ظنوه حقًّا بتقليدهم لآباءهم، ﴿ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾: يعني وما هم إلا يَكذبون في هذا الظن الناتج عن التخمين، وتقليد الآباء بدون علم أو دليل.

الآية 118: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾: أي فكلوا أيها المسلمون من الذبائح التي ذُكِرَ اسمُ الله عليها عندَ ذَبْحها ﴿ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾ حَقَّ الإيمان.

الآية 119: ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا ﴾: يعني وأيُّ شيء يمنعكم من أن تأكلوا ﴿ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ ﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ﴾: يعني وقد بَيَّن سبحانه لكم جميع ما حَرَّمَ عليكم ﴿ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ﴾: أي إلا ما دَعَتْ إليه الضرورة من أكل شيءٍ من المُحَرّمات فإنه مباحٌ لكم، كَمَن خاف على نفسه الهلاك من شدة الجوع (بشرط أن يكون غيرَ طالبٍ للمُحَرّم- لِلذّةٍ أو غير ذلك، ولا مُتجاوز- في أكلِهِ- ما يَسُدّ حاجته ويرفع اضطراره)، ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا ﴾ من الضالين ﴿ لَيُضِلُّونَ ﴾ أتباعهم عن سبيل الله في تحليل الحرام وتحريم الحلال، فيُفتونهم ﴿ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ﴾ الذين يتجاوزون حدوده، وهو الذي يتولى حسابهم وجزاءهم.

الآية 120: ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ ﴾: يعني واتركوا -أيها الناس- جميع المعاصي، ما كان منها علانية، وما كان سرًّا ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ﴾: يعني إن الذين يفعلون المعاصي سيُعاقِبهم ربهم يوم القيامة، بسبب ما كانوا يعملونه من السيئات، ولا ينجو منهم إلا من تاب، وقَبِلَ الله توبته، (فلذلك ينبغي للعبد أن يَبذل غاية جهده لِتَصِحّ توبته، حتى يقبلها الله تعالى).

الآية 121: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾: يعني ولا تأكلوا من الذبائح التي لم يُذكَر اسمُ الله عليها عند الذبح، (كالميتة، وما ذُبِحَ للأصنام والأولياء والجن، وغير ذلك)، ﴿ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ﴾: يعني وإنّ الأكل من تلك الذبائح لَخُروج عن طاعة الله تعالى، ﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ ﴾: يعني وإنّ شياطين الجن لَيُلْقون بالشبهات حول تحريم أكل الميتة ﴿ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ ﴾ من شياطين الإنس ﴿ لِيُجَادِلُوكُمْ ﴾ بهذه الشبهات، ﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ ﴾ في تحليل الميتة فـ ﴿ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾: أي فأنتم وَهُم في الشرك سواء، لأنهم أحَلُّوا لكم ما حَرَّمَ اللهُ عليكم فاعتقدتم حِلَّه، فكنتم بذلك عابدِيهم، لأن التحريم والتحليل مِن حق الرب وحده، لا مِن حق غيره، (وفي الآية دليل على أنّ مَن استحلَّ شيئاً مما حَرَّمَ الله تعالى: صارَ به مشركاً).

الآية 122: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا ﴾ في الضلالةِ هالكاً حائراً ﴿ فَأَحْيَيْنَاهُ ﴾: أي فأحيينا قلبه بالإيمان، ووفقناه لاتباع الرسل، ﴿ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ﴾: يعني فأصبح يعيش بين الناس في أنوار الهداية، فهل هذا ﴿ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ ﴾: أي هل يتساوى هذا مع مَن يعيش في الجهالات والأهواء والضلالات، وهو ﴿ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾: أي وهو لا يهتدي إلى مَخرج من هذه الظلمات، ولا مُخلِّصَ له مما هو فيه؟ لا يستويان أبداً، ﴿ كَذَلِكَ ﴾: يعني وكما خُذِلَ هذا الكافر الذي يجادلكم، فزُيِّنَ له سُوءُ عمله فرآه حَسنًا: ﴿ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾: أي زُيِّنَ للجاحدين أعمالهم السيئة، لِيستوجبوا بذلك العذاب.

الآية 123: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾: يعني ومِثلُ هذا الذي حصل مِن زعماء الكفار- في "مكة"- مِن الصدِّ عن دين الله تعالى: ﴿جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا﴾: أي جعلنا في كل قرية مجرمين، يتزعمهم أكابرهم، واعلم أن الأكابر جمع (أكبر)، وهم الرؤساء والعظماء، وقد خُصُّوا بالذكر لأنهم أقدر على الفساد والإفساد من عامة الناس، ﴿ لِيَمْكُرُوا فِيهَا ﴾: أي ليمكروا في هذه القرية بفِعل المنكرات والدعوة إلى ارتكابها، وبإفساد عقائد الناس وأخلاقهم وصَرْفِهِم عن الهدى بتزيين الباطل لهم، ﴿ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾، لأن عاقبة المكر تعودُ على الماكر بالعقوبة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾.

الآية 124: ﴿ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ ﴾: يعني وإذا جاءت حجة ظاهرة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لهؤلاء المشركين من أهل مكة: ﴿ قَالُوا ﴾: أي قال بعض كبرائهم: ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ﴾: يعني لن نصدِّق بنبوته حتى يعطينا الله من النبوة والمعجزات مثل ما أعطى رسله السابقين، كعصا موسى وغيرها، قال الوليد بن المغيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كانت النُبُوَّة حقاً، لَكُنتُ أوْلَى بها منك، لأني أكبرُ سناً وأكثر منك مالاً)، وقال أبو جهل: (والله لا نرضى به أبداً، ولا نتبعه إلاَّ أن يأتينا وحيٌ كما يأتيه).

فردَّ الله تعالى عليهم هذا العُلُوّ والتكبر بقوله: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾: يعني الله أعلم بالذين يستحقون حَمْلَ رسالته وتبليغها إلى الناس، فإنه سبحانه يجعلها في القلوب المشرقة والنفوس الزكية، لا في القلوب المظلمة والنفوس الخبيثة، و﴿ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ﴾: يعني وإن هؤلاء المجرمين -الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك والمعاصي، وأجرموا على غيرهم حيث أفسدوا قلوبهم وعقولهم- سوف يصيبهم ﴿ صَغَارٌ ﴾ أي ذل ومَهانة ﴿ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ يوم يلقونه، ﴿ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ﴾: يعني ولهم عذابٌ قاسٍ لا يُطاقُ في نار جهنم بسبب كَيدهم للإسلام وأهله، وبسبب تضليلهم للناس.

واعلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أحياناً توقَدُ له النار، فيُقرِّب منها يديه، ثم يُبعِدهما إذا (لَسَعَتْهُ) ويقول: (ألَكَ على هذا صبرٌ يا بنَ الخطاب؟)، وذلك بمثابة التطبيق العملي لقوله تعالى- وهو يتحدث عن النار-: ﴿ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً ﴾- (أي تُذَكِّرُ المؤمن بنار الآخرة، التي تعادل سبعين ضعفاً من نار الدنيا)- ﴿ وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ﴾ (أي ويتمتع بها المسافرون بالدفء والنور وطهي الطعام).

ومِن لطيف ما يُذكَر أن أحد الأخوة كان يتعمد أن يستغفر وهو يُمسِك بكوب (الشاي) الساخن، حتى يَحْمَرّ وجهه من سخونة الكوب، فيتركه، ثم يُمسكه مرة أخرى ويستغفر، وعندما سُئِلَ عن ذلك قال: (إنني عندما أشعر بِحَرّ النار: يَخرج الاستغفار من قلبي- بندمٍ شديد- على كل ذنبٍ فعلتُهُ في حق الله تعالى، لأنني لا أتحمل عذابه).

الآية 125: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ ﴾: يعني فمَن يَشأ الله أن يوفقه لقَبول الحق: ﴿ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ﴾ ﴿ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾: أي يجعل صدره في حالة شديدة من الانقباض عن قَبول الهدى، كحال مَن يصعد في طبقات الجو العليا، فيُصاب بضيق شديد في التنفس، ﴿ كَذَلِكَ ﴾: يعني وكما يجعل الله صدور الكافرين شديدة الضيق والانقباض: ﴿ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ ﴾ أي العذاب ﴿ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ بآياته.

الآية 126، الآية 127: ﴿ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا ﴾: يعني وهذا الذي بيَّنَّاه لك أيها الرسول هو الطريق الموصل إلى رضا ربك وجنته، ﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾: أي قد بينَّا البراهين لمن يتذكر من أهل العقول الراجحة، وهؤلاء ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾: أي لهم يوم القيامة عند ربهم دار السلامة والأمان من كل مكروه وهي الجنة، ﴿ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾: أي وهو سبحانه متوليهم بالنصر والتأييد في الدنيا، وبالإنعام والتكريم في الآخرة، جزاءً لهم بسبب أعمالهم الصالحة.




[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُها في القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١