أرشيف المقالات

تفسير: (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا)

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
تفسير قوله تعالى
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾


قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [1] وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].
 
الفرقان أبلغُ من الفَرق؛ لأنه يُستعمل في الفَرق بين الحقِّ والباطل، وتقديره كتقدير رجل قُنْعان: يُقنَع به في الحكم، وهو اسمٌ لا مصدرٌ فيما قيل، والفَرق يُستعمل في ذلك وفي غيره، وقوله: ﴿ يَوْمَ الْفُرْقَانِ ﴾ [الأنفال: 41]؛ أي: في اليوم الذي يفرَّق فيه بين الحقِّ والباطل، والحجةِ والشبهة، وقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾؛ أي: نورًا وتوفيقًا على قلوبكم يفرق به بين الحقِّ والباطل، فكان الفرقان هاهنا كالسَّكينة والروح في غيره، وقوله: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ ﴾ [الأنفال: 41] قيل: أُريدَ به يوم بدر؛ فإنه أول يوم فُرِّق فيه بين الحق والباطل، والفرقانُ كلامُ الله تعالى؛ لفَرقِه بين الحق والباطل في الاعتقاد، والصدقِ والكذب في المقال، والصالح والطالح في الأعمال، وذلك في القرآن والتوراة والإنجيل؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ ﴾ [البقرة: 53]، ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ ﴾ [الأنبياء: 48]، ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ ﴾ [الفرقان: 1]، ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185][2].
 
قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
امتثال العبد لتقوى ربه عنوان السعادة وعلامة الفلاح، وقد رتَّب اللهُ على التقوى من خير الدنيا والآخرة شيئًا كثيرًا، فذكر هنا أن من اتَّقى الله حصل له أربعة أشياء، كلُّ واحد منها خيرٌ من الدنيا وما فيها:
الأول: الفرقان؛ وهو العِلم والهدى الذي يفرِّق به صاحبُه بين الهدى والضلال، والحقِّ والباطل، والحلال والحرام، وأهل السعادة والشقاوة.
 
والثاني، والثالث: تكفير السيئات ومغفرة الذنوب، وكلُّ واحد منها داخلٌ في الآخر عند الإطلاق، وعند الاجتماع يفسَّر تكفير السيئات بالذنوب الصغائر، ومغفرة الذنوب بتكفير الكبائر.
 
الرابع: الأجر العظيم والثواب الجزيل لمن اتقاه وآثَر رِضاه على هوى نفسه، ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29][3].

[1] قال بعضهم واصفًا للتقوى المورِثة للفرقان: هي امتثال الأوامر واجتناب المناهي، وترك الشبهات مخافة الوقوع في المحرَّمات، وشحن القلب بالنية الخالصة، والجوارح بالأعمال الصالحة، والتحفظ من شوائب الشرك الخفيِّ والظاهر؛ أيسر التفاسير ج1 ص514.

[2] المفردات في غريب القرآن؛ الراغب الأصفهاني ص 380.

[3] تفسير السعدي رحمه الله تعالى ص328.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢