أرشيف المقالات

الكذب لإضحاك الناس

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
الكذب لإضحاك الناس


كَثُرَ المزاح[1] بالنكات بين الناس في هذا الزمان، ولا يرون فيه أي مخالفة، وقد انتشر هذا الأمر وذاع حتى صار إنكاره منكرًا!
 
وقد جاء في "سنن الترمذي، وأبي داود، والنسائي" عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ويل[2] للذي يُحَدِّثُ فيكذب ليضحك[3] به القوم، ويل له، ويل له!))؛ (صحيح الجامع: 7136).
 
يقول الإمام أحمد رحمه الله: "الكذب لا يصلح فيه جد ولا هزل"؛ (الآداب الشرعية: 1/20).
 
وقال بعضهم:






الحلم زين والسكوت سلامة
فإذا نطقت فلا تكن مهذارَا


ولئن ندمت على سكوتٍ مرة
فلقد ندمت على الكلام مرارَا






 
• والنبي صلى الله عليه وسلم وعد كل مَن ترك الكذب - وإن كان مازحًا - ببيت في الجنة؛ فقد أخرج أبو داود بسند صحيح من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((أنا زعيم[4] ببيت في ربض الجنة[5] لمَن ترك المراءَ وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمَن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمَن حسُن خُلقه))؛ (حسنه الألباني في صحيح أبي داود: 4015) وهو (في الصحيحة: 273).
 
• بل ترك المزاح دليل على صدق إيمان العبد:
وأخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا يؤمن العبد الإيمانَ كله حتى يترك الكذب في المزاحة والمِراء وإن كان صادقًا)).
 
وأخرج أبو يعلى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((لا يبلغ العبدُ صريح الإيمان حتى يدعَ المزاح والكذب، ويدع المراء وإن كان محقًّا)).
 
• وإذا كان لا بد من المزاح حتى لا تمل النفس، فليكن مزاحًا مباحًا نادرًا يقصد به الترويح عن النفس؛ لتجديد نشاطها في طاعة الله؛ لذا كان يقال: "روِّحوا القلوب، ساعة وساعة".
 
وهذا معنى قول أبي العتاهية:






لا يُصلِحُ النفسَ إذ كانت مُصرَّفة
إلا التنقلُ من حال إلى حالِ






 
• وكذلك يشترط في المزاح أن نتحرَّى فيه الصدق؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تُداعِبنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعم، غير أني لا أقول إلا حقًّا))، وفي رواية عند أحمد: ((إني وإن داعبتكم فلا أقول إلا حقًّا))؛ (صحيح الجامع: 2509)، (الصحيحة: 1726).
 
فإذا كان لا بد من المزاح، فينبغي أن يكون من قبيل مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يكون إلا حقًّا، ولا يؤذي إنسانًا، وأن يكون نادرًا.



[1] المِزاح: بكسر الميم مصدر مازحتُه مزاحًا، وبضم الميم مصدر مَزحْتُه مَزْحًا، ومزاحًا.


[2] الويل: قال عنه عطاء بن يسار رضي الله عنه: هو وادٍ في جهنم، لو سيرت فيه الجبال لماعت، وقيل: الويل؛ يعني: الهلاك.


[3] ليضحكَ: ضبطت في الروايات بفتح الياء وتسكين الضاد (ليَضْحَكَ).


[4] زعيم: أي: كفيل وضامن.


[5] ربض الجَنَّة: أي فيما حولها من خارج عنها.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢