الخلاف في هذه الأمة - أحمد قوشتي عبد الرحيم
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
الخلاف في هذه الأمة - عقديا وفقهيا - واقع قدرا لا محالة ، أما شرعا : فمنه السائغ ومنه الممنوع ، ولا تلازم بين الوقوع القدري ، والجواز الشرعي .والجمع بين هاتين الحقيقتين - أي الوقوع القدري للخلاف ، ثم عدم التلازم بين ذلك ، وبين الجواز الشرعي- أمر مهم جدا في الرد على طائفتين ، غلت كل واحد منهما في فهم طبيعة الخلاف ، وكيفية التعامل معه :-
الطائفة الأولى : تناست أن الخلاف واقع لا محالة ، وأنه قدر محتوم ، ومن ثم راحت تحاول رفعه بالكلية عن طريق فرض رأيها الواحد ، وتضليل من خالفها – وربما تكفيرهم – والتشنج في التعامل مع المخالفين، بغض النظر عن طبيعة الخلاف ، ونوعيته ، وكونه سائغا أو غير سائغ .
والطائفة الثانية : رأت أن الخلاف واقع لا محالة ، فبنت على ذلك جوازه ، وقللت من خطره ، وهونت من ضرره ، وغلت في الدعوة إلى التسامح المزعوم ، ولم تفرق بين الحق والباطل ، وصححت كل قول ، وجوزت كل خلاف ، وخلطت بين مفاهيم إدارة الخلاف وترشيده ، وبين ما عرف بالتقارب بين المذاهب أو وحدة الأديان .
ويبقى القول الوسط ، وهو : إثبات أن الخلاف قدر مقدور لا يمكن رفعه بالكلية ، لكنه في الشرع قد يسوغ أحيانا وقد يمنع ، كما أن المخالفين درجات وأطياف شتى ، وللتعامل مع كل فريق منهم ضوابط وأحكام شرعية محكمة
وقد دلت النصوص الشرعية على حصول التفرق في الأمة ، كما أنه حصل بالفعل قديما بشهادة الواقع ، وما زال مستمرا حتى يومنا هذا ، نشاهده ونسمع به ، ولا يمكن لأحد قط أن يشكك في ذلك .
ومع واقع كهذا لا يكون الواجب والمقصود الأصلي إنكار الخلاف أو تجاهله ، وإنما المطلوب هو السعي شرعا لتوحيد الأمة ، فإن لم يمكن ذلك بالكلية – وهذا هو الواقع - وتعذرت محاولات جمع المسلمين على كلمة سواء ، ووأد الخلاف بينهم ، فيبقى توجيه الجهد إلى ترشيد الخلاف وضبطه ، وتعلم آداب التعامل معه ، والتفرقة بين درجاته وأنواعه وأصحابه ، ومعاملة كل صنف بما يستحقه ، وعدم تحول الخلاف إلى بغي وظلم ، والموازنة الدقيقة بين حق العلم ، وإظهار الحق، وبيان الصواب ، وإنكار البدع ، وبين حقوق الإخوة وعدم تفريق الأمة ، ولا يوفق لضبط هذه الأبواب إلا من وفقه الله .