تفسير: (ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس)
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
تفسير: (ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس)♦ الآية: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾.
♦ السورة ورقم الآية: الأنعام (128).
♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ ويوم يحشرهم جميعًا ﴾ الجنّ والإِنس فيقال لهم: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ من الإِنس ﴾ أَيْ: من إغوائهم وإضلالهم ﴿ وقال أولياؤهم ﴾ الذين أضلَّهم الجنُّ ﴿ مِنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بعضنا ببعض ﴾ يعني: طاعة الإِنس للجنِّ وقبولهم منهم ما كانوا يغرونهم به من الضَّلالة وتزيين الجنِّ للإِنس ما كانوا يهوونه حتى يسهل عليهم فعله ﴿ وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا ﴾ يعني: الموت والظَّاهر أنَّه البعث والحشر ﴿ قال النار مثواكم ﴾ فيها مقامكم ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ الله ﴾ مَنْ شاء الله وهم مَنْ سبق في علم الله أنَّهم يُسلمون ﴿ إنَّ ربك حكيم ﴾ حكم للذين استثنى بالتَّوبة والتَّصديق ﴿ عليم ﴾ علم ما في قلوبهم من البرِّ.
♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ ﴾، قَرَأَ حَفْصٌ: يَحْشُرُهُمْ بِالْيَاءِ، ﴿ جَمِيعًا ﴾، يَعْنِي: الْجِنَّ وَالْإِنْسَ يَجْمَعُهُمْ فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ ﴾، وَالْمُرَادُ بِالْجِنِّ: الشَّيَاطِينُ، ﴿ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ ﴾، أَيِ: اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ بِالْإِضْلَالِ وَالْإِغْوَاءِ، أَيْ: أَضْلَلْتُمْ كَثِيرًا، ﴿ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ ﴾، يَعْنِي: أَوْلِيَاءَ الشياطين الذين أَطَاعُوهُمْ مِنَ الْإِنْسِ، ﴿ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ ﴾، قَالَ الْكَلْبِيُّ: اسْتِمْتَاعُ الْإِنْسِ بِالْجِنِّ هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا سَافَرَ وَنَزَلَ بِأَرْضٍ قَفْرٍ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْجِنِّ، قَالَ: أَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الْوَادِي مِنْ سُفَهَاءِ قَوْمِهِ، فَيَبِيتُ فِي جِوَارِهِمْ، وَأَمَّا اسْتِمْتَاعُ الْجِنِّ بِالْإِنْسِ: هُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا قَدْ سُدْنَا الْإِنْسَ مَعَ الْجِنِّ، حَتَّى عَاذُوا بِنَا فَيَزْدَادُونَ شَرَفًا فِي قَوْمِهِمْ وَعِظَمًا فِي أَنْفُسِهِمْ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ [الْجِنِّ: 6]، وَقِيلَ: اسْتِمْتَاعُ الْإِنْسِ بِالْجِنِّ مَا كَانُوا يُلْقُونَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَرَاجِيفِ وَالسِّحْرِ وَالْكَهَانَةِ وَتَزْيِينُهُمْ لَهُمُ الْأُمُورَ الَّتِي يهوونها، حتى يسهل فعلها عَلَيْهِمْ، وَاسْتِمْتَاعُ الْجِنِّ بِالْإِنْسِ طَاعَةُ الْإِنْسِ لَهُمْ فِيمَا يُزَيِّنُونَ لَهُمْ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْمَعَاصِي.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هُوَ طَاعَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَمُوَافَقَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ،﴿ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا ﴾، يَعْنِي: الْقِيَامَةَ وَالْبَعْثَ، ﴿ قالَ ﴾ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ النَّارُ مَثْواكُمْ ﴾، مَقَامُكُمْ، ﴿ خالِدِينَ فِيها إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ ﴾، اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ: ﴿ خالِدِينَ فِيها مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شاءَ رَبُّكَ ﴾ [هُودٍ: 107]، قِيلَ: أَرَادَ إِلَّا قَدْرَ مُدَّةِ مَا بَيْنَ بَعْثِهِمْ إِلَى دُخُولِهِمْ جَهَنَّمَ، يَعْنِي: هُمْ خَالِدُونَ فِي النَّارِ إِلَّا هَذَا الْمِقْدَارَ، وَقِيلَ: الِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى الْعَذَابِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: النَّارُ مَثْواكُمْ، أَيْ: خَالِدِينَ فِي النَّارِ، الِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمٍ سَبَقَ فِيهِمْ عِلْمُ اللَّهِ أَنَّهُمْ يُسْلِمُونَ فيخرجون من النار، وما بِمَعْنَى (مَنْ) عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾، قِيلَ: حكيم بمن استثنى عليم بما فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
تفسير القرآن الكريم