رحلة مع الوحي المحمدي
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
سلسلة مكتبتي (3)(القرآن الكريم وعلومه)
رحلة مع الوحي المحمدي
المقدمة:
إن كتاب "الوحي المحمدي" لمؤلفه العالم الكبير: محمد رشيد رضا، لمن أهمِّ الكتب التي تتحدَّثُ عن الوحي، فقد انتشر في عصر رشيد رضا - وإلى الآن - الاتهامات التي وُجِّهت إلى الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن الوحي المزعوم ما هو إلا مجردُ إيحاءات نفسيَّة، ومَرَاءٍ خيالية، ظنها محمد وحيًا من السماء.
وكان أكبر تصدير لهذه الشبهة: ما وصل إليه العلمُ الحديث من العلم والتكنولوجيا، التي جعلت الإنسان لا يُصدِّقُ إلا بما يراه بعينيه، بعيدًا عن الغيبيات، وكل ما لا يقبل إخضاعَه للبحث والدراسة.
جاءت الصرخة القوية من الشيخ رشيد رضا في هذا الكتاب "الوحي المحمدي" لتُعلِيَ من قيمة الوحي الإلهي، مبيِّنة أن البشر مهما بلغوا من القوة العلمية، فإنهم لا يستطيعون الاستغناء عنه، ومرشدًا بقوة إلى أن ما صدر من محمد صلى الله عليه وسلم من هذا النور الهادي، وهذه الهدية الربانية - يستحيلُ أن يكون من نفس محمد العظيمة، لكنه وَحْي من الحق عز وجل.
وقد جاءت فصول الكتاب كالآتي:
الفصل الأول: تحدَّث فيه عن تعريف الوحي، وميَّز فيه بين الوحي اللُّغوي (والذي يدخل تحته وسوسة الشيطان)، والوحي بالمعنى الاصطلاحي الشرعي المذكور في قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ﴾ [الشورى: 51]، وأوضَحَ مهمَّة الأنبياء، وحاجةَ البشر إلى هدايتهم، رغم ما وصلوا إليه من تقدم كبير في العلوم والمعارف.
الفصل الثاني: تحدَّث فيه عن صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، والعجائب (المعجزات) التي حصلت له وللأنبياء من قبلِه، وقرَّر في هذا الفصل: أن معجزة محمد صلى الله عليه وسلم هي المثبتة لمعجزة الأنبياء قبلَه، فلولاها لم تثبت معجزات الأنبياء عن طريق صحيح، وأوضَحَ أن معجزةَ محمد صلى الله عليه وسلم الخالدة وافقت ما عليه البشرية من نضجٍ عقلي وتقدُّم علمي، كما أوضح شُبَهَ المنكرين لمعجزات الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم؛ لكونها لم تأتِ من طريق متواتر غير القرآن الكريم، الذي دحض شبهاتهم، وبيَّن خطأها وقصورَها.
الفصل الثالث: تحدَّث فيه عن شبهة: أن الوحي المحمديَّ هو إلهام نفسي، دفعه إليه واقع الحياة التي عاشها، والظروف التي مرَّت به في حياته، فجعَلَتْه يُفكِّر في وحي ينزلُ عليه، كما نزل على الأنبياء من قبله.
وقد ردَّ الأستاذُ رشيد رضا على هذه الشبهة من عدَّة وجوه:
♦ أن محمدًا نشأ في بيئة فصيحة بليغة، ومع ذلك لم يضاهِهم في بلاغتهم وفصاحتهم، فأكَّد ذلك بأن هذا الوحي ليس من تأليفه ولا إلهامه.
♦ إن ما استدل به أصحابُ الشبهة على طبيعة وحي محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو قراءات مغلوطة، وفُهوم قاصرة لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قام رشيد رضا بذكر الروايات الصحيحة.
الفصل الرابع: ذكر أثر القرآن في تغيير نفوس الكافرين والمشركين، وأثره في تغيير نفوس المؤمنين، وقام رشيد رضا بعقد مقارنةٍ بين تأثير القرآن على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وتأثير التوراة على أتباع موسى عليه السلام، فالأُوَلُ وصفهم الله عز وجل بقوله: ﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 23]، وقال عن أتباع موسى عليه السلام: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ [البقرة: 74].
وأشار إلى مواضع آيات القرآن الكريم من القصص والمواعظ والأحكام، فترتيبُه كذلك (متفرِّقًا في مواضع) يجعل للقرآن أثرَه البالغ في نفوس قارئيه، فهذا أفضل من تجميع كلِّ مقصد في مكان واحد، كما هو موجود في الكتب الوضعيَّة البشرية، فالقرآن الكريم كتاب هداية ونفع وإرشاد.
الفصل الخامس: وهو كنتيجة للفصول السابقة، ذكر فيه مقاصد القرآن الكريم؛ وهي كالآتي:
المقصد الأول: بيان أركان الإسلام الثلاثة من: الإيمان بالله، والبعث، والعمل الصالح.
فبيَّن في هذا المقصد تهاويَ الأديان الأخرى (سماوية محرفة، ووضعية بشرية)، وبيَّن أن الإسلام سلَكَ طريق الوسطيَّة الذي يتَّفق مع الفطرة السليمة والعقل الصحيح، وبيَّن المفاهيم الصحيحة لهذه الأركان الثلاثة كما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وردَّ الشبهات التي يثيرُها أصحابُ الفلسفات المثاليَّة، والتي لا تُنبِئُ إلا عن ضعف إيمان وقلَّة يقين.
المقصد الثاني: تحدَّث فيه عن مهمة الأنبياء، وقيمة النبوة، ومعجزات الأنبياء، وأكَّد على خلق الله لها، فهي ليست كَسْبيَّة، وفرَّق بين المعجزة والكرامة، وأوضح أن كلَّ خارقة للعادة لا يُؤبَهُ بها إلا إذا وردت بدليل قطعيٍّ لا يقبلُ الاحتمال.
المقصد الثالث: بيانُ القرآن بأن الإسلام هو دين الفطرة، ودين العقل، ودين الحكمة، ودين الاجتهاد، وذم التقليد، وأوضح ذلك بآيات كثيرة في كلِّ نوع منها.
المقصد الرابع: دعوةُ القرآن إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي من خلال دعوته إلى وحدة الأمة، ووحدة اللغة، ووحدة الجنس، ووحدة الجنسيَّة، وذكر أدلة ذلك من القرآن والسنة.
المقصد الخامس: بيان القرآن ليُسْرِ الإسلام ورحمتِه في التكاليف والواجبات الشرعيَّة، فهو دين اليسر، والوسطيَّة، والاجتهاد في الأمور الظنيَّة، والاتباع في الأمور القطعيَّة، فلا يُكلِّف الإنسانَ ما لا يطيق، وقد جاء ردًّا على المذاهب والأديان المحرَّفة، التي تدور بين الإفراط والتفريط.
المقصد السادس: دعوةُ القرآن لإقامة الجوانب السياسيَّة والحكم على أساس: الشورى، والعدل، وترك الظلم.
وذكر تحريم القرآن للظُّلم، سواء من الشخص لنفسه أو لغيره، وبيَّن أن سبب هلاك الأمم في الظلم والعدوان، فالظلم مُؤذِنٌ بخراب العمران.
المقصد السابع: تحدَّث فيه عن الجانب الاقتصادي في القرآن، فبيَّن القرآن أهمية المال، وأهمية الإنفاق، وخطورة البخل على الفرد والمجتمع، وحذر من الأضرار الاقتصادية؛ كالإسراف، والتقتير، وغيرها.
المقصد الثامن: عن مقاصد الحرب في القرآن، وأوضح فيه أغراض الحرب، وقواعدها.
المقصد التاسع: مقاصدُ القرآن في مجال المرأة، فتحدَّث عن قيمة المرأة، ودورها في الحياة، وبيَّن بعض الشبهات المثارة حول موضوع التعدُّد والقوامة وغيرها.
المقصد العاشر: مقصد القرآن في حرية الرقيق، وحقهم في العيش الكريم، ودعوة الإسلام إلى الحرية بكل السبل والوسائل.
هذه هي أهمُّ فصول الكتاب ومحتوياته، وصل رشيد رضا في نهايته إلى هذه النتائج:
♦ الوحي المحمدي من عند الله، وليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم.
♦ حاجةُ البشرية إلى هداية هذا الوحي والاستفادة من تعاليمه.
♦ دعوة العلماء إلى هذه التعاليم الراقية وإلى هذا الدين الحق.
اللهَ أدعو أن ينفع بهذا الكتاب الأمةَ الإسلامية والإنسانية جمعاء.