أرشيف المقالات

ما فسره الإمام الزركشي من سورة الغاشية

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
ما فسره الإمام الزركشي من سورة الغاشية
 
﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ﴾ [الغاشية: 1 - 3]
قوله تعالى: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ﴾ [الغاشية: 1]، يعني القيامة.
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ﴾ [الغاشية: 2]، وذلك يوم القيامة، ثم قال: ﴿ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ﴾ [الغاشية: 3]، والنصب والعمل يكونان في الدنيا، فكأنه على التقديم والتأخير، معناه: وجوه عاملة ناصبة ويوم القيامة خاشعة، والدليل عليه قوله: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ﴾ [الغاشية: 8] [1] وقد تكون "هل" بمعنى "قد"[2].

﴿ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ﴾ [الغاشية: 6]
قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ﴾ [الغاشية: 6]، فالمعنى: لا طعام لهم أصلاً؛ لأن الضريع ليس بطعام البهائم فضلاً عن الإنس، وذلك كقولك: "ليس لفلان ظل إلا الشمس" تريد بذلك نفي الظل عنه على التوكيد، والضريع: نبت ذو شوك يسمى الشّبرق في حال خضرته وطراوته، فإذا يبس سُمِّى الضريع، والإبل ترعاه طريًا لا يابسًا[3].

﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ﴾ [الغاشية: 8]
قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ﴾ [الغاشية: 8]، فيجوز أن يكون عبَّر بالوجوه عن الرجال، ويجوز أن يكون من وصف البعض بصفة الكل؛ لأن التّنعم منسوب إلى جميع الجسد[4].

وأراد بالآية: في نعمة وكرامة، والسامع يتوهم أنه أراد من النعومة[5].

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20]
قوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 18] [6]، فإنه يقال: ما وجه الجمع بين الإبل والسماء والجبال والأرض في هذه الآية؟ والجواب: أنه جمع بينهما على مجرى الإلف والعادة بالنسبة إلى أهل الوبر، فإن كل انتفاعهم في معايشهم من الإبل، فتكون عنايتهم مصروفة إليها، ولا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب وذلك بنزول المطر، وهو سبب تقلب وجوههم في السماء، ثم لا بد لهم من مأوى يؤويهم وحصن يتحصنون به، ولا شيء في ذلك كالجبال، ثم لا غنى لهم لتعذر طول مكثهم في منزل عن التنقل من أرض إلى سواها، فإذا نظر البدوي في خياله وجد صورة هذه الأشياء حاضرة فيه على الترتيب المذكور[7].



[1] سورة الغاشية: 8.
البرهان: أساليب القرآن وفنونه البليغة - ما قدم النية به التأخير 3/ 180.


[2] البرهان: الكلام على المفردات من الأدوات - هل 4/ 263.


[3] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - الاستثناء والاستدراك 3/ 36.


[4] البرهان: بيان حقيقته ومجازه - إطلاق اسم الجزء على الكل 2/ 164.


[5] المصدر السابق: أساليب القرآن وفنونه البليغة - التورية 3/ 273.


[6] سورة الغاشية: 17 - 18.


[7] البرهان: معرفة المناسبات بين الآيات 1/ 48.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢