أرشيف المقالات

عتاب الله لنبيه في القرآن

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
عتاب الله لنبيه في القرآن
 
1- في قوله تعالى: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ﴾ [عَبَس: 1 - 2].
جاء الكلامُ بصيغة الغائب، وكأنَّ الكلام عن شخص غائب، وحادثة بعيدة جرَت لأشخاص يتحدث عنهم، ثم تحوَّل الخطابُ مباشرةً إلى رسول الله: ﴿ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ﴾ [عَبَس: 3 - 7]؛
وذلك تجنُّبًا لصدمة العتاب لأول وهلةٍ؛ لأن العتاب من الحبيب والخليل أشدُّ أثرًا في القلب، والمجابهة المباشرة بالعتاب قد يتصدَّع لها قلبُ الحبيب.
 
2- ومثل ذلك ما جاء في عتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخذ الفداء من أسرى بدر؛ إذ جاء الخطاب بصيغة الغائب: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الأنفال: 67]، ثم جاء الخطاب المباشر وبصيغة الجمع، وعتابُ المجموع أخفُّ وطأةً على النفس من عتاب المفرد المعيَّن: ﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ﴾ [الأنفال: 67]، ﴿ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 68].
 
3- وفي سورة الكهف جاء التوجيه الربَّاني لتعليم الأمة من خلال قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 23 - 24].
 
وذلك بعد حادثة سؤال قريش له - بتلقين من اليهود - أسئلةً تعجيزية، وقال: ((ائتوني غدًا، وسأُخبركم به))، ونسِي أن يقول: إن شاء الله.
 
ولم يأتِ هذا التوجيه قبل الإجابة عن بعض الأسئلة، وإنما جاء بعد سرد الجواب عن السؤال الأول: "أخبرنا عن فتية خرجوا في الدهر الأول وكان من أمرهم عجب"؛ وذلك لأنه لو جاء التوجيه في بداية الكلام وقبل الإجابة، لكانت الصدمة قوية، ولظُنَّ بأن هذا التقصير والنسيان سبب في الإعراض عن الجواب، ولو جاء الجواب فيما بعد، فلن يُخفف من وطأة العتاب أو التوجيه، فتقديم جواب السؤال أولًا، وحصولُ الانتعاش والطمأنينة للنفس، يقضي على أثر العتاب، ويُبقي الأمر في حدود التذكير والتعليم.
 
4- وفي سورة التحريم: لَما كان الأمر يتعلق بالتحليل والتحريم وهو تشريع، والتشريع يكون من قِبَل الله جلَّت حكمته، وقد يتبادر إلى الذهن أن هذا التصرفَ الاجتهاديَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد وصل إلى حدٍّ يخشى عليه من سلب مقام النبوة عنه، فجاء الخطاب بصيغة: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ [التحريم: 1]، فأدخلت الطمأنينة إلى قلبه أنه النبي ذو المكانة والمقام العظيم عند ربه، وإنما يسدِّده ربُّه إلى ما هو الأَولى في شؤون التشريع للأمة، وأن الموضوعيَّة في التشريع ورعاية مصالح الأمة هي الغاية، وليس التشريع لإرضاء رغباتٍ فرديَّة في المجتمع.
 
5- وفي عتابه بشأن الإذن للمنافقين بالتخلُّف، وقَبول أعذارِهم، قدَّم العفوَ عن الموقف قبل ذكرِ الموقف وسببِ العتاب؛ لإدخال الطمأنينة على قلبه الشريف: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 43].

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢