أرشيف المقالات

أهمية تعلم القواعد الفقهية

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2أهمية تعلم القواعد الفقهية   إن الانشغال بعلم القواعد من أشرف العلوم بعد علم التوحيد؛ كما شهد به صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: ((مَن يُرد الله به خيرًا، يُفقهه في الدين))، ومعنى ذلك: التفقه في الفروع المحتاج إليها، وبالقواعد؛ إذ التفقه بالفروع من بعثته صلى الله عليه وسلم إلى آخر الزمان عسير جدًّا؛ حيث إن الوقائع تتجدد بتجدُّد الزمان كما لا يخفى، والإحاطة بجميعها أمر في غاية العسر، لكن التفقه ببعض الفروع والإحاطة بالقواعد، هو الأصل في ذلك، ومن هذا ومما سبق في ذكر ثمرة القواعد الفقهية، يتبيَّن فضلها وأهميتها، فهي: ♦ تعين على استحضار الفروع الفقهية وأحكامها، قال القرافي رحمه الله في مقدمة الفروق: ((وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه، وتتضح له مناهج الفتوى، ومن أخد الفروع الجزئية دون القواعد الكلية، تناقضت عليه تلك الفروع، واضطربت واحتاج إلى حفظ جزئيات لا تتناهى، ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات وتناسب عنده ما تضارب عند غيره))[1] ، وقال ابن رجب رحمه الله في قواعد الفقه: ((قواعد مهمة تطلع الفقيه على مأخذ الفقه على ما كان عنه قد تغيب، وتنظم له منثور المسائل في سلك واحد، وتقيد له الشوارد، وتقرب عليه كل متباعد))، وقال ابن عثيمين رحمه الله: ((القواعد مفيدة لطالب العلم، وهناك من طلبة العلم من يهتم بحفظ الجزئيات دون القواعد، فتجد أن عنده قصورًا عظيمًا إذا جاءته مسألة خارجة عما كان يحفظ توقف لا يعرف كيف يصرفها؛ لأنه ليس عنده قاعدة يرد جزئيات المسائل إلى أصولها وينتفع انتفاعًا عظيمًا)).   وقال رحمه الله في منظومته: وبعد فالعلم بحور زاخرة لن يبلغ الكادح فيه آخره لكن في أصوله تسهيلًا لنيله فاحرص تجد سبيلًا اغتنم القواعد الأصولا فمن تفته يحرم الوصولا   ♦ تضبط الفروع وتجمعها في قالب مُنسَّق لصيانتها من الضياع والتشتت، هو ما عبَّر عنه إمام الحرمين الجويني رحمه الله في هذا الباب؛ حيث قام بتأصيل هذه القواعد في آخر كتابه الغياثي، عقد فيه فصلًا مستقلًّا محكمًا يتعلق بموضوع القواعد الفقهية؛ حيث يقول: ((إن المقصود الكلي في هذه المرتبة أن نذكر في كل أصل من أصول الشريعة قاعدة تنزل منزلة القطب من الرَّحى، والأُسُّ من المبنى، ونوضح أنها منشأ التفاريع واليها انصراف الجميع)) [2]، وترتيب هذه الصناعة وتوجيه حكمتها قد عبَّر عنهما الكاساني رحمه الله في كتابه بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع؛ حيث سار في شرحه على نهج قويم في ربط الفروع بأصولها، وظهرت براعته في إبراز القواعد في مواطن كثيرة من الكتاب، وهو ما عبر عنه في مقدمة كتابه بقوله: ((الغرض الأصلي والمقصود الكلي من التصنيف في كل فن من فنون العلم، هو تيسير سبيل الوصول إلى المطلوب على الطالبين، وتفهيمه إلى إفهام المقتبسين، ولا يلتئم هذا المراد إلا بترتيب تقتضيه الصناعة وتوجيه الحكمة، وهو التصفُّح عن أقسام المسائل وفصولها وتخريجها على قواعدها وأصولها؛ ليكون أسرع فهمًا وأسهل ضبطًا، وأيسر حفظًا فتكثر الفائدة))[3].   ♦ تسهل معرفة أحكام الحوادث المستجدة التي لا نص عليها؛ قال ابن رجب رحمه الله: قواعد مهمة تطلع الفقيه على مأخذ الفقه على ما كان عنه قد تغيب، وتنظم له منثور المسائل في سلك واحد، وتقيد له الشوارد، وتقرب عليه كل متباعد[4]، وقال السيوطي رحمه الله: ((اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم، به يطلع على حقائق الفقه ومداركه، ومآخذه، وأسراره، ويتمهر في فهمه واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج، ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على ممر الزمان، ولهذا قال بعض أصحابنا: الفقه معرفة النظائر))[5]، وقال ابن نجيم رحمه الله: ((وبها يرتقي الفقيه إلى درجة الاجتهاد))[6].


[1] الفروق للقرافي 1 /3. [2] الغياثي للجويني 434-435. [3] بدائع الصنائع 1 /2. [4] قواعد الفقه 31. [5] الأشباه والنظائر للسيوطي 6. [6] الأشباه والنظائر لابن نجيم 6.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣