أرشيف المقالات

إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا   عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا تبايع الرجلان، فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرَّقا، وكانا جميعًا أو يخير أحدهما الآخر، فتبايعا على ذلك، فقد وجب البيع".   وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرَّقا - أو قال: حتى يتفرقا - فإن صدَقا وبيَّنا، بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذِبا مُحقت بركةُ بيعهما".   البيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع: قال الله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]، وقال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 29].   والبيوع جمع بيع، وجمع لاختلاف أنواعه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وَكُلُّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا أَوْ هِبَةً مِنْ مُتَعَاقِبٍ أَوْ مُتَرَاخٍ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ انْعَقَدَ بِهِ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّيْرِ لِقَصْدِ صَوْتِهِ إذَا جَازَ حَبْسُهُ، وَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَاخْتَارَ أَبُو الْعَبَّاسِ صِحَّةَ الْبَيْعِ بِغَيْرِ صِفَةٍ وَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَضَعَّفَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَالْبَيْعُ بِالصِّفَةِ السَّلِيمَةِ صَحِيحٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ.
وَإِنْ بَاعَهُ لَبَنًا مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ وَاشْتَرَطَ كَوْنَهُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ صَحَّ)
[1]. قوله: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا)؛ أي: فينقطع الخيار.   وقوله: (وكانا جميعًا) تأكيد لذلك، والخيار طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه.   وقوله: (أو يخير أحدهما الآخر)؛ أي: إذا اشترط أحدهما الخيار مدة معلومة، فإن الخيار لا ينقضي بالتفرق، بل يبقى حتى تمضي مدة الخيار التي شرطها، فالبيع جائز والشرط لازم لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا"؛ رواه الترمذي.   والحديث دليل على ثبوت خيار المجلس للبائع والمشتري، فلكل واحد منهما فسخ البيع ما دام في مجلس العقد، فإذا تفرقا لزم البيع، وفيه دليل على خيار الشرط؛ قال شيخ الإسلام: (وَيَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي الْبَيْعِ، وَيَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي كُلِّ الْعُقُودِ وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ، فَإِنْ أَطْلَقَا الْخِيَارَ وَلَمْ يُوَقِّتَاهُ بِمُدَّةٍ تَوَجَّهَ أَنْ يَثْبُتَ ثَلَاثًا لِخَبَرِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ، وَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ إذَا رَدَّ الثَّمَنَ وَإِلَّا فَلَا)[2]؛ انتهى.   وخبر حِبَّان أخرجه أصحاب السنن عن ابن عمر: (أن حبان بن منقذ سفع في رأسه في الجاهلية مأمومة، فخبلت لسانه، فكان إذا بايع يخدع في البيع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بايع وقل لا خلابة، ثم أنت بالخيار ثلاثًا"، قال ابن عمر فسمعته يبايع ويقول: لا خِذابة).   قال الحافظ: (وقد اختلف القائلون بأن المراد أن يتفرقا بالأبدان، هل للتفرق المذكور حد ينتهي إليه، والمشهور الراجح من مذهب العلماء في ذلك أنه موكول إلى العرف، فكل ما عد في العرف تفرُّقًا، حُكم به، وما لا فلا، والله أعلم)[3].   قوله: (فإن صدَقا وبيَّنا)؛ أي: صدقا في قولهما، وبيَّن البائع عيب السلعة وبيَّن المشتري عيب الثمن، وقال البخاري على باب إذا بيَّن البائعان ولم يكتما ونصَحا: (ويذكر عن العداء بن خالد قال كتب لي النبي صلى الله عليه وسلم: هذا ما اشترى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من العداء بن خالد بيع المسلم المسلم لا داء ولا خبثة ولا غائلة، وقال قتادة: الغائلة الزنا والسرقة والإباق.   وقيل لإبراهيم: إن بعض النخاسين يسمي آري خراسان وسجستان، فيقول: جاء أمس من خراسان، جاء اليوم من سجستان، فكرهه كراهية شديدة.   وقال عقبة بن عامر: لا يحل لامرئ يبيع سلعة يعلم أن بها داء إلا أخبره)[4]، انتهى.   وفي الحديث فضل الصدق والحث عليه، وذم الكذب والتحذير منه، وأنه سبب في ذهاب البركة، وأن العمل الصالح يحصل خيري الدنيا والآخرة، والله المستعان.   قال الحافظ: (وفي الحديث حصول البركة لهما إن حصل منهما الشرط، وهو الصدق والتبيين، ومحقها إن وجد ضدهما، وهو الكذب والكتم، وهل تحصل البركة لأحدهما إذا وجد منه المشروط دون الآخر ظاهر الحديث يقتضيه، ويحتمل أن يعود شؤم أحدهما على الآخر بأن تنزع البركة من المبيع إذا وجد الكذب أو الكتم من كل واحد منهما، وإن كان الأجر ثابتًا للصادق المبيِّن، والوزر حاصل للكاذب الكاتم، وفي الحديث أن الدنيا لا يتم حصولها إلا بالعمل الصالح، وأن شؤم المعاصي يذهب بخير الدنيا والآخرة)[5]؛ انتهى.


[1] الاختيارات الفقهية: (1 /468). [2] الفتاوى الكبرى: (5 /390). [3] فتح الباري: (4 /329). [4] صحيح البخاري: ( 3 /76). [5] فتح الباري: (4 /311).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١