أرشيف المقالات

تفسير سورة الطور كاملة

مدة قراءة المادة : 18 دقائق .
2سلسلة كيف نفهم القرآن؟[*] تفسير سورة الطور
من الآية 1 إلى الآية 10: ﴿ وَالطُّورِ ﴾ (يُقسِم اللهُ تعالى بالطور، وهو الجبل الذي كلَّم اللهُ عليه موسى)، ﴿ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ﴾ (أي يُقسِم سبحانه بكتابٍ مكتوب)، وهو القرآن الكريم، الذي كُتِبَ ﴿ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ ﴾ أي في صُحُفٍ مبسوطة، ﴿ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ﴾ (أي يُقسِم سبحانه بالبيت المعمور بعبادة الملائكة)، وهو بيتٌ في السماءالسابعة، تطوف به الملائكة، ﴿ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ﴾ (وهي السماء الدنيا)، التي رَفَعها اللهُ بقدرته من غير أعمدة، ﴿ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴾ أي المملوء بالمياه (ويُحتمَل أن يكون المقصود بالبحر المَسجور أي المُوقَد ناراً يوم القيامة، والله تعالى يُقسم بما يشاء مِن خلقه، أما المخلوق فلا يجوز له القَسَم إلا بالله تعالى.   ♦ ثم أخبر سبحانه عن جواب القَسَم (وهو الشيء الذي يُقسِم اللهُ عليه)، فقال: ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴾ أي سيَقَع بالكفار والمُصِرِّين على المعاصي لا مَحالة،و﴿ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ﴾ أي ليس له مِن مانعٍ يمنعه عند وقوعه يوم القيامة ﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ﴾ يعني: يومئذٍ تتحرك السماء بشدة فيَختلُّ نظامها، وتضطرب أجرامها السماوية الضخمة ﴿ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴾ أي تزول الجبال عن أماكنها.
  من الآية 11 إلى الآية 16: ﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ أي: فهَلاكٌ وعذابٌ أليم يوم القيامة للمُكَذِّبين ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ﴾ أي يَخوضونَ في الباطل، ﴿ يَلْعَبُونَ ﴾ أي يَتَّخذون دينهم استهزاءً ولعبًا، فوَيلٌ لهم ﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴾ أي يوم يُدْفَعون دفعاً عنيفاً إلى نار جهنم، ويُقال لهم توبيخًا:﴿ هَذِهِ ﴾ هي ﴿ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾﴿ أَفَسِحْرٌ هَذَا ﴾؟! يعني هل ما تشاهدونه الآن سِحر (كما كنتم تقولون عن القرآن)؟! ﴿ أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ ﴾؟! ﴿ اصْلَوْهَا ﴾ أي ذوقوا حَرَّ هذه النار ﴿ فَاصْبِرُوا ﴾ على ألَمها وشدتها ﴿ أَوْ لَا تَصْبِرُوا ﴾﴿ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ﴾: أي يَتساوَى صَبْركم ويأسكم، فلن يُخَفَّف عنكم عذابها، ولن تخرجوا منها أبداً ﴿ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ مِن الشِرك والمعاصي.   من الآية 17 إلى الآية 24: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ ﴾ الذين خافوا عذابَ ربهم - ففعلوا ما يُرضيه واجتنبوا ما يُغضبه - أولئك ﴿ فِي جَنَّاتٍ ﴾ أي في حدائق كثيرة يَجري الماءُ مِن خِلال أشجارها، ﴿ وَنَعِيمٍ ﴾ لا يُفسِد لَذَّته شيء،﴿ فَاكِهِينَ ﴾ أي فَرِحينَ مَسرورين، إذ يَتلذذونَ ﴿ بِمَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ من أصناف النعيم المختلفة، ﴿ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾(بسبب صَبْرهم على التقوى وخَوفهم من عذاب ربهم)، ويُقال لهم: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ من الأعمال الصالحة، وهُم يَجلسون في الجنةِ ﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ ﴾ أي على سُرُر مَرصوصة بجانب بعضها ومتقابلة (والسُرُر جمع سرير)، ﴿ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ﴾: بنساءٍ جميلات، وهذا وَصفٌ لنساء الجنة عموماً، سواء النساء المؤمنات أو الحور العين.   ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ أي صَدَّقوا بالله ورُسُله وبكل ما أخبر به الرُسُل من الغيب (وهذا التصديق يكونُ إقراراً بالقلب وقولاً باللسان وعَمَلاً بالجَوَارح (والجَوَارح هي أعضاء الإنسان))، ﴿ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ ﴾ أي اتَّبَعهم أبناؤهم في هذا الإيمان: ﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾: أي جَعَلنا أبناءهم في نفس مَنزلتهم في الجنة - وإن لم يَبلغوا أعمال آبائهم - لتَكمُل سعادتهم باجتماعهم مع أبناءهم في الجنةِ، ﴿ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ يعني: لم نُنقِص الآباء شيئًا مِن حسناتهم بسبب رَفع أبناءهم إليهم، بل أعطيناهم جزاءهم كاملاً، ورفعنا إليهم أبناءهم فضلاً منا ورحمة، ﴿ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾: يعني كل إنسان مَرهونٌ بعمله يوم القيامة (إلا إنه سبحانه تفَضَّلَ على أولئك الآباء المؤمنين، فرَفَعَ أبناءهم إلى درجاتهم رحمةً منه وإحساناً)، ﴿ وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ ﴾ - مِن مُختلَف الأصناف اللذيذة - ﴿ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴾ من جميع أنواع اللحوم.   ♦ وأهلُ الجنة ﴿ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا ﴾: أي يُعطي بعضهم بعضاً كأسًا من الخمر، يُناوله أحدهم لصاحبه، ويَنزعه الآخر منه في بَهجةٍ ومِزاح (ليَتِمّ بذلك سرورهم)، ومِن صفات خمر الجنة أنها ﴿ لَا لَغْوٌ فِيهَا ﴾: أي لا يَحدُث لشاربها هَذَيان بالكلام كما في خمر الدنيا (إذ اللغو هو الكلام الذي لا فائدة منه)، والمقصود أنها لا تُذهِب عقل شاربها، ﴿ وَلَا تَأْثِيمٌ ﴾ يعني: وليس في شُربها إثم كما في خمر الدنيا، ﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ ﴾ أي أطفالٌ صغار مُعَدُّون لخدمتهم ﴿ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ ﴾: يعني كأنّ هؤلاء الخَدَم - في الصفاء والجمال - لؤلؤ مُخبَّأ في أصدافه، لم تمَسّه الأيدي.   من الآية 25 إلى الآية 28: ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴾ يعني أقبَلَ أهلُ الجنة يَسأل بعضهم بعضًا عن أحوالهم في الدنيا (وهذا مِن تَمام الأُنس والسعادة)، فـ﴿ قَالُوا ﴾: ﴿ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ﴾ أي كنا - ونحن بين أهلينا - خائفينَ من عذاب ربنا ﴿ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ﴾ بدخول الجنة ﴿ وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ أي نَجّانا من سَموم جهنم (وهو حَرّها الشديد الذي يَدخل مَسامّ الجلد فيَحرقه)، وذلك رحمةً منه سبحانه، بسبب خوفنا من عذابه، (فقد قال صلى الله عليه وسلم: (يقول اللهُ عز وجل: وَعِزَّتي لا أجمعُ على عبدي خوفَيْن ولا أجمعُ له أمْنَيْن، إذا أمِنَني في الدنيا: أخَفتُهُ يومَ القيامة، وإذا خافني في الدنيا: أمَّنْتُهُ يومَ القيامة)) (انظر السلسلة الصحيحة ج: 6/ 355)، ثم قالوا: ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ ﴾ أي كنا نتضرع إليه وحده، ونتذلل له بالدعاء أن يَحفظنا من العذاب ويوصلنا إلى النعيم، فاستجابَ دعائنا ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ ﴾ أي كثير الإحسان، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين، (ومِن بِرُّه ورحمته بنا أنْ رَزَقنا رضاه والجنة، وأعاذَنا مِن سخطه والنار).
  من الآية 29 إلى الآية 34: ﴿ فَذَكِّرْ ﴾ - أيها الرسول - مَن أُرسِلتَ إليهم بالقرآن ﴿ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ ﴾ يعني إنك - بسبب إنعام الله عليك بالنُبُوّة ورَجاحة العقل وكمال الخُلُق - لستَ بكاهنٍ يُخبر بالغيبِ جَهلاً دونَ وَحْي ﴿ وَلَا مَجْنُونٍ ﴾ لا يدري ما يقول (كما يَزعمون)،﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ ﴾ يعني بل يقول المُشرِكون عنك أيها الرسول: هو شاعرٌ ﴿ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴾ أي ننتظر به نزول الموت ومَصائب الدهر (لنستريح من دَعْوته، ولا ندخل معه في جدالٍ يَغلبنا فيه بحُجَّته)،﴿ قُلْ ﴾ لهم: ﴿ تَرَبَّصُوا ﴾ أي انتظروا مَوتِي ﴿ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ ﴾ أي من المُنتظرينَ بكم العذاب، وسَتَرَون لمن تكون العاقبة،﴿ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا ﴾ يعني أم تأمرهم عقولهم بهذا القول المتناقض؟! (إذ صفات الكَهَانة والشِعر والجنون لا يمكن اجتماعها في وقتٍ واحد)، ﴿ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾: يعني بل هم قومٌ مُتجاوزونَ الحدَّ في الطغيان، فطُغيانهم هو الذي يأمرهم بما يقولون،﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ﴾ يعني بل يقولون: (لقد اختلق محمدٌ القرآنَ من عند نفسه) ﴿ بَلْ ﴾ إنهم يَعرفون أنه ليس من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنهم ﴿ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ أي لا يؤمنونَ بالقرآنِ جُحوداً واستكباراً (حتى لا يَنقادوا لأوامره)، فلذلك قالوا هذا الكلام، ﴿ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ ﴾ أي فليأتوا بكلامٍ مِثل القرآن ﴿ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ﴾ في زَعْمهم أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم قد اختلقه.
  من الآية 35 إلى الآية 43: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ﴾: يعني أم خُلِق هؤلاء المُشرِكون مِن غير خالق؟! ﴿ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾ لأنفسهم؟! (وكِلا الأمْرين باطلٌ ومستحيل)، وهذا يَلزَم أنّ اللهَ هو الذي خَلَقهم، وأنه وحده المُستحِق لعبادتهم، ﴿ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ على هذا الصُنع البديع المُتقَن؟! ﴿ بَل لَا يُوقِنُونَ ﴾ يعني بل هم لا يُوقِنونَ بعذاب الله، فلذلك أشركوا بربهم، لعدم خوفهم من عذابه، ﴿ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ ﴾ يتصرفون فيها حتى يُعطوا النُبُوّة لمن شاؤوا؟! ﴿ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ ﴾؟! يعني أم هم القاهرونَ لمخلوقات الله تعالى، فيتصرفوا في المُلك كما يشاؤون؟! ليس الأمر كذلك، بل هم العاجزونَ الضعفاء، والله وحده هو المسيطر على الكون، الذي يَتصرف فيه كيف يشاء، ويُعطي مِن فضله ما يَشاءُ لمن يشاء، ﴿ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ﴾؟ يعني أم لهم مِصعَدٌ صَعَدوا به إلى السماء، فاستمَعوا فيه إلى الوحي، فعَلموا أنّ الذي هم عليه حق؟! ﴿ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾: يعني فليأتِ مَن يَزعم أنه استمعَ إلى ذلك بحُجَّة ظاهرة تدل على صِدق دَعواه، (وكيف لهم ذلك وقد حُجِبَتْ الشياطين والجن عن الاستماع، فكيف بغيرهم؟!).   ﴿ أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ﴾؟! يعني أم جعلتم لِلهِ سبحانه البنات حين قلتم - افتراءً وكَذِبًا -: (الملائكة بنات الله)، وجعلتم لأنفسكم البنين الذين ترضونهم؟! (وهذا من باب التوبيخٌ والاستهزاء بحُكمهم الباطل، وإلاّ فإنه سبحانه مُنَزَّهٌ عن أن يكون له ولد (ذكراً كانَ أو أنثى)، لأنه رَبُّ كل شيء ومَالكُه والغني عنه، فما الحاجةُ إذاً إلى الولد؟!)، ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ ﴾ أيها الرسول ﴿ أَجْرًا ﴾ على تبليغ الرسالة ﴿ فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ﴾ أي فهُم بسببه في جهد ومَشقة من الالتزام بغرامةٍ تطلبها منهم، فلذلك كرهوا ما تدعوهم إليه؟! (كلا لم يحدث ذلك، إذ لو طلبتَه منهم، لكانَ ذلك مانعاً لهم عن اتِّباعك ولاَحتجوا به عليك)،﴿ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴾؟! يعني أم عندهم عِلم الغيب فهم يكتبون منه - أي يَنقلونه من اللوح المحفوظ - ليجادلوك به؟! ليس الأمر كذلك; فإنه لا يعلم الغيب إلا الله، ﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا ﴾: يعني بل إنهم يريدون مَكرًا بالرسول والمؤمنين، ﴿ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ ﴾ أي فهُم الذين يَرجع عليهم كَيدهم ومَكرهم، ﴿ أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ ﴾؟! يعني أم لهم مَعبودٌ يَستحق العبادة غير الله؟! ﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ أي تَنَزَّهَ اللهُ وتَعاظَمَ عن شِركهم، إذ هو الخالق الرازق المُستحِق وحده للعبادة.   من الآية 44 إلى الآية 49: ﴿ وَإِنْ يَرَوْا ﴾ - على سبيل الفرض - ﴿ كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا ﴾ أي قطعة من السماء ساقطةً عليهم ليُعَذَّبوا بها، لم يرجعوا عَمّا هم عليه من التكذيب، بل ﴿ يَقُولُوا ﴾: ﴿ سَحَابٌ مَرْكُومٌ ﴾: يعني هذا سحابٌ مُتراكم بعضه فوق بعض، ﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ﴾: أي فاتركهم أيها الرسول في عِنادهم حتى يُلاقوا يومهم الذي فيه يُهلَكون، وهو يوم القيامة﴿ يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾ أي يوم لا يَنفعهم كَيدهم لك، ولا يَدْفع عنهم شيئًا من عذاب الله ﴿ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ أي لا يُنقذهم أحد من هذا العذاب، ﴿ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ ﴾ يعني: وإنّ لهؤلاء المُشرِكينَ عذابًا يَلقونه في الدنيا قبل عذاب يوم القيامة (من القتل والأسر وغير ذلك، كما حدث في بدر، وكما حدث في المَجاعة التي أصابتهم سبع سنوات)، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ أي لا يَعلمون ما أعَدَّه الله لهم من العذاب،﴿ وَاصْبِرْ ﴾ أيها الرسول ﴿ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾ أي اصبر لأمْره لك بإبلاغ رسالته والصبر على أذاهم، ﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ أي تحت بَصَرِنا وتحت رعايتنا، نَراكَ ونَحفظك مِن كَيدهم، (وفي الآية إثباتٌ لصفة العينين لله تعالى على الوجه الذي يَليق به، دونَ تشبيهٍ بخلقه، إذ هو سبحانه ليس كمثله شيء)، واعلم أنّ لفظ "أَعْيُنِنَا" قد جاء هنا بصيغة الجمع للتعظيم، كما يقول الأمير أو الحاكم في خطابه: (أمَرنا نحن بكذا وكذا)، ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ أي حينَ تقوم إلى الصلاة، والمعنى: واستعِن على هذا الصبر بالصلاة (المشتملة - في ركعاتها - على التسبيح والحمد، وكذلك في الأذكار التي بعدها)، ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ﴾ أي: صَلِّ له من الليل، وسَبِّح بحمده (في أذكار المساء)، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (مَن قال سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرة: غُفِرَتْ ذنوبه ولو كانت مِثل زَبَد البحر) (وفي رواية عند الترمذي أنه يقول ذلك صباحاً ومساءً) (واعلم أنّ زَبَد البحر هي الرَغوةً الطافية فوق سطح البحر)، ﴿ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾ يعني: وافعل ذلك أيضاً وقت صلاة الفجر (عند ذهاب النجوم من السماء)، وهذا يَشمل صلاة الفجر وأذكار الصباح.
ويُحتمَل أن يكون المقصود مِن قوله تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ)، أي حينَ تقوم من نومك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (مَن تَعارَّ مِن الليل - أي استيقظ أو أصابه قلق - فقال حين يستيقظ: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله)، ثم قال: (اللهم اغفر لي)، أو دَعا: استُجِيبَ له، فإنْ قامَ فتوضأ ثم صَلَّى: قُبِلَتْ صلاته).
ويُحتمَل أيضاً أن يكون المقصود من قوله تعالى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) أي حينَ تقوم مِن مَجلسك (فقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَن جَلَسَ في مَجلس فكَثُرَ فيه لَغَطُه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألاّ إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غُفِرَ له ما كان في مَجلسه ذاك")(انظر حديث رقم: 6192 في صحيح الجامع).


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢